اليوم التالي بعد النتائج
على افتراض ظهور نتائج الثانوية العامة في وقت ما مساء أمس ، نقول صباح الخير لجميع القراء ، وألف مبروك لمن حالفهم النجاح في الامتحان وخاصة من حصلوا على معدلات تؤهلهم لدراسة جامعية متاحة حسب الامكانيات والرغبات ، وحظا أوفر لجميع من فاتهم القطار في هذه المرة وربما يتمكنون من النجاح في محاولات لاحقة. ولكن أشد أنواع الدعم المعنوي يجب أن يحظى بها الطلبة الذين بذلوا جهدا كبيرا في الدراسة ولكنهم لم يحصلوا على المعدلات التي كانوا يتمنونها ، لان هذه الفئة بالذات ستكون الأكثر استياء في هذا اليوم.
ظهرت النتائج وانتهت المرحلة التي عانت منها كافة الأسر من قلق الامتحانات والنتائج ، وهي وان كانت قاسية جدا فانها على الأقل مرحلة يكون فيها جميع الطلبة نسبيا متساوين في الفرص في تصليح أوراق الامتحان ، وان كانوا ليسوا متساوين في فرص الحصول على الدروس الخصوصية أو جودة التعليم ما بين المدارس الخاصة والعامة وبين المدن والقرى.
الآن تبدأ المرحلة الأكثر صعوبة ، وهي مرحلة المستقبل وتحديد خيارات الطالب الدراسية والتي تتحكم فيها مجموعة عوامل تتجاوز بكثير البعد الأكاديمي ، ومنذ هذا اليوم تنتهي حالة المساواة لتعود شروط وأحوال التباين المالي والاجتماعي لتحدد مستقبل الطلبة في واحدة من أشد المراحل ظلما وقسوة في حياة أي مواطن أردني.
قيم العدالة الأكاديمية تقتضي أن يحصل الطلبة الأوائل في المدارس وأصحاب المعدلات الاعلى على فرص دراسة التخصصات التي يرغبون بها في الجامعات الرسمية وهذا ما هو معروف بنظام التنافس. ولكن نسبة التنافس في قبول الجامعات الأردنية ربما لا تتجاوز %30 في بعض الأحيان مما يجعل العدالة الأكاديمية غائبة حيث نجد آلاف الحالات سنويا لطلبة حصلوا على معدلات عالية نسبيا ولم يتمكنوا من دخول الكليات التي يطمحون اليها في مقابل وجود طلبة حصلوا على علامات متدنية ودخلوا الجامعات باستثناء. لا ينتهي الاستثناء بكل اسف عند الحصول على مقعد جامعي بل أن معظم هؤلاء الطلبة يتخرجون من الجامعة باستثناء بعد أن يكونوا قد تسببوا وشاركوا في شجارات خرجوا منها بدون عقوبة باستثناء وبعد ذلك سيحصلون على أعمال ووظائف بنفس الاستثناء.
هذه المرحلة والحالة هي المواجهة الأولى لأي طالب أردني مع جدران عدم العدالة ، وسوف يقوم كل طالب حصل على معدل عال نسبيا وفشل في دخول الجامعة التي يطمح بها ووجد طلبة آخرين بمعدلات متدنية يأخذون مكانه في الجامعات بطرح عشرات الأسئلة عن معايير الولاء والانتماء وهي أسئلة سيكون من الصعب الاجابة عنها بشكل مقنع.
يجادل البعض بأن هناك نوعا آخر من العدالة يجب أن تتم مراعاته عند تحديد المقاعد الجامعية وهي العدالة الجغرافية بمعنى أن ابناء المحافظات يجب أن يحصلوا على فرص أفضل في عملية القبول الجامعي لأنهم لا يحصلون على نفس الفرص المتوفرة لأبناء عمان في التعليم المدرسي حيث تكون المعدات والأجهزة والموارد والبنية التحتية ورواتب المعلمين أفضل في عمان وهي كلها تشكل أدوات تساعد الطلاب في عمان على تحصيل علمي أفضل. وهذه الحجة مقنعة ولكن لا يمكن أن تكون هي القاعدة بينما تبقى العدالة التنافسية هي الاستثناء.
بالتأكيد أن الحصول على المقاعد الجامعية لأبناء المحافظات يجب أن يكون بمعايير أقل من ابناء عمان ولكن هذا يتطلب توافر شروط منها أن تكون تلك المقاعد فعلا للطلاب الذين يدرسون في المحافظات وليس للطلبة من ابناء المحافظات الذين يدرسون في عمان وهم في الواقع يكونون من أصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي والاجتماعي. أما الشرط الثاني فهو أن تكون هناك عملية تناسب في المقاعد بحيث يتم حساب المعدلات الأعلى في المحافظات وتحديد نسبة معينة للحد الأدنى من المعدلات المقبولة ضمن عملية حسابية عادلة لا تجعل طالبا حصل على معدل 60 في المحافظات يدخل الجامعة على حساب طالب حصل على معدل 90 في عمان. وبالتالي تكون هناك عملية تنافسية خاصة في كل محافظة حسب نسب المعدلات وهذا ما سيحقق نوعا من العدالة وتكافؤ الفرص.
نتمنى التوفيق لكل اب وأم يدخلون اليوم الرحلة القاسية والصعبة لتأمين مستقبل أولادهم في الجامعات ، ويضطرون ربما الى بيع كافة أصولهم ومقتنياتهم ، ونتمنى من الطلبة أن يقدروا جهود الآباء في تعليمهم وأن تكون الجامعة مكانا لتحمل مسؤولية التعليم والنضوج وليست موقعا للتسلية والترفيه والمشاجرات ، لأن قيمة التعليم العالي أصبحت تستنزف ذخيرة العائلات الأردنية وتشكل عبئا طوال الحياة.











































