المواقع تهتك ستر "الجماعة"

المواقع تهتك ستر "الجماعة"
الرابط المختصر

لم تكن الحركة الإسلامية ممثلة بجماعة الإخوان المسلمون وذراعها السياسي "حزب جبهة العمل" بعيدة عن أعين الإعلام سابقا، لكن انتشار المواقع الالكترونية وتنافسها على الخبر، وأجندات بعضها، جعل من "أسرار" الجماعة  بضاعة مباحة في السوق.

 

قبل انتشار المواقع الالكترونية، التي يقدر عددها الآن بنحو خمس وخمسين موقعا، كان بإمكان الحركة الإسلامية التمتع بإخفاء أشد "أسرارها" التنظيمية خصوصية، وكانت الصحف المحلية، يومية وأسبوعية، تتجنب إلى حد كبير الكشف عن أسرار الجماعة، وتفضل إما مناقشتها عبر بعض كتّاب الأعمدة، خاصة المهتمين منهم بالإسلام السياسي، أو مهاجمتها، من قبل البعض، إذا ما "أوحت" الحكومة والأجهزة الأمنية بذلك.

وقد سببت بعض "الهجمات الإعلامية"، أو ما وصفته الجماعة كذلك، من قبل الصحف الأسبوعية أساسا وصحيفة "الرأي" أحيانا، على جماعة ضيقا دفع ببعض منتسبيها وقيادييها إلى الدخول في "صراع" مع الإعلام، ويذكر الجميع كيف أطلق الباحث الإسلامي، والقيادي السابق في الجماعة زياد أبو غنيمة لقب "كتبة التدخل السريع" و"السحيجة" على بعض الاقلام التي اعتادت نقد الحركة، كلما اختلفت الأخيرة مع الحكومة خاصة في موضوع النقابات المهنية والانتخابات.

لكن الحال اختلف تماما الآن، وأصبحت الجماعة عرضة لأكثر من ذلك، فقد أصبحت أكثر أمورها السرية قيد التداول.

وقد بدأت الأمور تشتد وتأخذ منحنيات أخرى حين تمكن موقع "عمون" الإخباري من الحصول على التقرير السياسي "السري" للجماعة، ونشره على الموقع بتاريخ الثالث والعشرين من الشهر الماضي.

كان نشر التقرير هذا بمثابة فتح "صندوق بنادورا" حيث انطلق التنافس بين المواقع على "استمطار" المزيد من "أسرار" الجماعة، او متابعة ردود الفعل، أو تحفيز الكتاب على "الدق" بالحركة الاسلامية.

وقد وجدت المواقع الالكترونية، التي أسقطت الكثير من "الخطوط الحمر" للصحافة اليومية، في أسرار الحركة الاسلامية مادة إعلامية دسمة لإشباع نهم القراء المولعين في "التلصص" على ما وراء الخبر.

بعد تقرير "عمون" جاءت "الضربة" الثانية من موقع "خبرني" الذي كشف، على مسؤوليته، خفايا النقاش حول التقرير في المكتب التنفيذي للجماعة. ثم بدأت السبحة تكر.

وقد وصل الأمر في حمى التنافس هذه بين المواقع على هتك ستر الجماعة على تراشق الاتهامات بين بعض المواقع على أسبقية الخبر.

وقد اتهم موقع "كل الأردن" في تعليق له نشر بتاريخ 27/8/2009، موقع "خبرني"، بأنه سرق سبقاً صحفياً لهم دون نسبته، ما اضطر رئيس تحرير "خبرني" إلى الرد على الموقع، مؤكدا "أسبقيته" في الحصول على الخبر و"تكاسل" المحرر عن متابعته ونشره.

بعد ذلك صارت أخبار الجماعة الداخلية متاحة لجميع المواقع، منها ما هو مؤكد ومنها ما لم يتم تأكيده حتى الآن.

وإذا كانت جماعة الإخوان المسلمين في البلد اعتادت على وصف أي نقد لها على أنه "حملة إعلامية" تستهدف وجودها، إلا أن هذا التطور في الكشف عن أسرار الجماعة، دفع بقيادات الحركة إلى البحث في دواخلهم، فبدأت تظهر تهديدات بـ"محاسبة المسربين" وردود مقابلة.
 
لكن الحركة لم تتخل عن منطق الاتهام لـ"الإعلام"، وللمواقع الالكترونية تحديدا، فقد اتهم الناطق باسم جماعة "الإخوان المسلمين" جميل أبو بكر في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية، 2/9/2009، "بعض الجهات استغل تسريبه لشن حملة إعلامية تحريضية ضد الحركة الاسلامية".

فيما كان النائب الأول للأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، رحيل غرايبة أكثر وضوحا في الاتهام، فقال في تصريح للوكالة في نفس اليوم: "إن جهات محسوبة على الحكومة سربت التقرير الذي استخدم لهجة تصعيد في اتهام النظام بالتواطؤ لتصفية القضية الفلسطينية، نتيجة للجو المشحون في المنطقة والتوتر القائم والمستجدات".

وقد دفعت هذه الاتهامات للإعلام بعض كتّاب الأعمدة إلى الدفاع عن "دورهم الإعلامي، فكتب صالح القلاب في صحيفة "الرأي"، 31/8/2009، مقالا أعادت نشره عشرات المواقع والمدونات الشخصية يتهم فيه القلاب جماعة الإخوان بتضليل الناس وتحوير الأمر ضد الإعلام، وقال في مقاله :"ضربني وبكى وسبقني واشتكى فـ الإخوان ، هداهم الله وأصلح بينهم ، بدل أن يراجعوا حديث الإفك، الذي أصدره مكتبهم التنفيذي الذي هو أعلى هيئة قيادية عندهم والذي ضمنه إتهامات باطلة وكاذبة ضد الأردن وضد مواقفه تجاه فلسطين وقضيتها المقدسة، لجأوا إلى إطلاق القنابل الدخانية لتضليل الناس واستدرار عواطفهم وإطلاق الصراخ المرتفع والشكوى من أنهم يتعرضون لحملة إعلامية منظمة."
وهكذا فقد كبرت كرة الثلج ومنحت المواقع الالكترونية المزيد من الأخبار المثيرة.

على أن التسابق على نشر "أسرار" الجماعة لا يعني أن المواقع الالكترونية مارست جانب "الاثارة" في الموضوع وحسب، لا بل أفسحت للجماعة وقياداتها المجال واسعا للرد والتوضيح، وأعطت للكثيرين منهم، خاصة من كان وصولهم أو حضورهم في الصحافة اليومية أقل، المجال في القول.

وقد نشرت المواقع عشرات التصريحات لقيادة الجماعة وبياناتها، وقد تفاوتت تغطية المواقع لأمور الحركة، فبعض المواقع أظهر تعاطفا مع الجماعة، ففي موقع "كل الأردن" مثلا كتب ناهض حتر مدافعا عن تقرير الجماعة. فيما التزمت مواقع أخرى "الحيادية" وتعاطت بموضوعية مع أخبار الجماعة ولم تدخل حبل التنافس على تسريب أخبارها.

على أن بعض المواقع قدمت إسهامات كبيرة للجماعة، فقد نشر موقع "عمان تايمز" الذي انضم قبل نحو ثلاثة أشهر للمواقع الإخبارية، قدم واحدة من أهم المقالات التي تبحث في تاريخ "إشكالية العلاقة بين جماعة الأخوان المسلمين وحركة حماس".

وقد كتب المقال الباحث إبراهيم غرايبة بمنطق البحث العلمي، وهو بذلك أتاح فرصة لنقاش أكثر موضوعية لـ"معضلة" الحركة الإسلامية، أو المتعلق منها بالعلاقة مع حماس على الأقل.

إضافة، فقد كان من المفترض أن تسهم التعليقات على المواقع كـ"مؤشرات" مفيدة للحركة، وهو أمر لم يكن لتوفره الصحافة الورقية، ولن توفر الصحافة اليومية التي لها مواقع على الشبكة، لأنها أكثر تحفظا في التعامل مع التعليقات.

خلاصة الأمر، إذا كانت المواقع تنافست على هتك أسرار الجماعة الداخلية، فقد تفاوتت التغطية بين موقع وآخر، وتفاوتت دوافع محرري هذه المواقع، وقدمت المواقع للحركة فرصة التعبير عن نفسها بشكل أكبر، ومنحت وجودها وحضورها الإعلامي زخما جديدا، ووفرت لبعض قيادييها وكوادرها منبرا لم يكن يتوفر سابقا، وقدمت للجماعة فرصة التعرف عن قرب على آراء شريحة واسعة من القراء بالحركة ومشكلاتها من خلال التعليقات ومقالات "غير المحترفين". وأخيرا، فلم تغفل المواقع أو لم تتجاهل فرصة إغناء معرفة القراء بالحركة وفتح باب حوار جدي في أوضاعها.