المواطن والحكومة والنواب أمام تحدي تحرير السوق
أصبحت قضية تحرير سوق المحروقات وما سيتبعها من ارتفاع على اسعار المواد الاستهلاكية وغير الاستهلاكية حقيقة وواقعاً اعلنته الحكومة من خلال موازنة الدولة للعام 2008
وقبله مجلس النواب ممثل الشعب عندما منح الثقة للحكومة بأغلبية غير مسبوقة منذ ثماني سنوات اي منذ تولي الملك عبد الله الثاني الحكم في العام 1999.
واقرت الحكومة وعلى لسان رئيس الوزراء نادر الذهبي بحقيقة التحدي الاقتصادي الكبير في الحالي, والذي كما قال تتحمله الحكومة والمواطن على حد سواء لمواجهة تداعياته.
كما ان العديد من القطاعات اصبحت تتعامل مع نتائج ارتفاع الاسعار قبل ارتفاعها, فما شاهدناه من اندفاع كبير من المواطنين على شراء وتخزين المحروقات بكافة انواعها لهو اكبر دليل على قبول المواطنين لارتفاع الاسعار, وما اندفاعهم إلا محاولة للتكيف والتغلب ولو لبعض الوقت على النتائج السلبية لتحرير سوق المحروقات.
وقلق المواطن من القادم المجهول مبرر سيما وانه يسمع عن استعداد العديد من القطاعات لرفع منتجاتها وخدماتها, فها هي المستشفيات الخاصة تسن اسناها لرفع اسعار خدماتها ومنذ الآن بدأ مستوردون كبار واصحاب محطات وقود مخالفة القوانين لاستثمار فرق الاسعار قبل تحرير السوق, كما يتهيأ المسؤولون في قطاعات المياه والكهرباء والنقل لتعديل اسعارهم ايضاً.
وأعادت الحكومة أسباب تحرير سوق المحروقات, وربطه بالسوق العالمي, الى الارتفاع المضطرد في أسعار المحروقات عالمياً والتي كسرت حاجز 100 دولار للبرميل الواحد وذلك بسبب الظروف السياسية السائدة في المنطقة بشكل خاص والعالم بشكل عام.
وللتغلب على حقيقة تحرير السوق وارتفاع الاسعار اعلنت الحكومة اقامة شبكة امان اجتماعي, ووعد وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال ناصر جودة بأن الحكومة لن تقدم على خطوة رفع الاسعار الا بعد دخول شبكة الامان الاجتماعي حيز التنفيذ.
وتتلخص فكرة مواجهة نتائج تحرير سوق المحروقات لدى الحكومة على اعادة توزيع الدعم بحيث تتوقف عن دعم السلع والتوجه لايصال الدعم للمواطن الذي يستحق, وقد تبدو هذه الفكرة جميلة للوهلة الاولى إلا أن البعض يرى بأنها ستحول المواطنين الى محترفين في الوقوف على طوابير المعونات قد تطول امام مراكز الدعم مثل الصندوق المعونة الوطنية, ووزارة التنمية الاجتماعية وغيرها من مراكز توزيع الدعم.
ولمواجهة نتائج تحرير السوق جاءت فكرة شبكة الامان الاجتماعي وهي تؤكد على رفع رواتب الموظفين والمتقاعدين من المدنيين والعسكريين وخصص لها في موازنة العام الحالي 500 مليون دينار منها حوالي 300 مليون دينار للرواتب, وتوفير مساكن للفقراء, وتوسيع مظلة التأمين الصحي لتبلغ 85 % من ابناء الشعب الاردني.
غير ان قدرة الحكومة على التحكم والتأثير في سوق حرة تخضع لقانون العرض والطلب هي قدرة محدودة, ففي السنوات الاخيرة سرّعت الحكومات المتعاقبة خطواتها للخروج من السوق وتخلت بشكل كبير عن دورها الاقتصادي والاجتماعي وانكشفت فئات اجتماعية واسعة امام معادلات السوق القاسية مما ادى الى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة ولم تفلح كل البرامج الحكومية في الحد من هذه الآفة حيث اظهرت احصائيات العام المنصرم ارتفاع معدلات الفقر وثبات نسبة البطالة عند منسوب 14% ويكفي الاشارة هنا الى ان نحو 65 الف اسرة اردنية تتلقى مساعدات منتظمة من صندوق المعونة الوطنية.
وبذكاء كبير تعاملت الحكومة مع تحرير سوق المحروقات, هي تسعى الى اقناع المواطن ليشاركها ازمة الموازنة, وذلك من خلال دفع موازنة الدولة للعام الحالي الى مجلس النواب (ممثل الشعب) وقد وضعته مسبقا في إطار الأزمة التي تعاني منها البلاد, واعلنت عن الخطوط الاقتصادية العريضة للمرحلة وتركت للمجلس كتابة تفاصيل هذه المرحلة التي تعتبر الاسوء اقتصادياً بامتياز.
الموازنة الآن لدى اللجنة المالية في مجلس النواب التي تبذل جهوداً كبيرة من خلال الاتصال بالوزارات لمناقشتها حول الميزانيات المرصودة لها بهدف ترشيد النفقات, كما تتصل اللجنة بذوي الاختصاصات في محاولة للاطلاع على رأيهم وملاحظاتهم على الموازنة.
وبعد ان عرف اطار وملامح المرحلة المقبلة على الصعيد الاقتصادي كما اظهرته ميزانية الدولة للعام الجاري واكدته تصريحات بعض الوزراء, فكيف سيصيغ مجلس النواب تفاصيل هذه المرحلة؟ وهل سينجح المجلس بتركيبته الحالية في مواجهة التحديات الاقتصادية الحالية؟ والتخفيف من الاعباء المالية على المواطن هذه الاسئلة وغيرها ستكشفها الايام القليلة المقبلة.











































