المواطن تحت القصف!

الرابط المختصر

توالت بالأمس، عليّ مكالمات كثيرة من مواطنين يروون قصصا وملاحظات عن عمليات الاستغلال المنظم والوحشي الذي تقوم به شركات وبنوك ومدارس ومستشفيات بغير وجه حق، أو على الأقل على نحو يحتاج إلى تبرير وتفسير منطقي وقانوني.

المدارس الخاصة تتقاضى تأمينات عند تسجيل الأولاد، وبالرغم من أن المدارس تبذل كل ما في وسعها لتحصيل الأقساط تصل لدى بعضها إلى حد الإساءة إلى الأطفال فإنها تماطل في رد رسوم التأمين المستحقة عليها عند الانسحاب من المدرسة، وفي الغالب فإنها لا تدفع هذه التأمينات، وتحتاج لتحصل عليها إلى زيارات متكررة وكثيرة وبهدلة وطوشات مع إدارة المدرسة.

البنوك تفرض على كل صاحب حساب يقل عن خمسمائة دينار رسوما شهرية مقدارها دينار ونصف، وهذا يعني أن 90% على الأقل من القوى العاملة في الأردن في القطاع العام والخاص تدفع "خاوة" للبنوك من غير وجه حق برغم أنهم يفتحون حسابات جارية، أي من غير فوائد، وبالرغم أن البنوك بطبيعة الحال تستخدم أموالهم مجانا. أما حكاية الكريدت، كما يقول المجربون (معظمهم)، ليست سوى مصيدة للمواطنين للجباية والنهب من غير وجه حق ومن دون مقابل.

شركات التأمين تتقاضى من المواطنين فور مراجعتهم مبالغ مالية كبيرة، ثم تحيلهم إلى ورش للتصليح وتكون العملية في كثير من الأحيان عمليات شراكة ونصب ومماطلة، فيدفع المواطن لشركات التأمين ويضطر إلى سحب سيارته وإصلاحها على حسابه الخاص، وفي أحسن الأحوال فإنه مضطر لدفع مبالغ إضافية كبيرة، ويحصل على خدمة بالغة الرداءة.

باصات النقل العام تجني من الركاب مبالغ كبيرة وخيالية من الفكة أو المبالغ المفترض ردها إلى الناس ولا ترد، وهذا يمتد إلى المخابز والمحلات التجارية والبقالات، ويجد المواطنون أنهم مجبرون بشكل يومي على دفع خاوات شبه إجبارية أو استغفالية أو استغلالية أو بالخجل للباصات والبقالات والمخابز وأصحاب المهن والحرف والصنائع ابتداء من أرقى المهن وأنبلها مرورا بما يتعلق بصيانة المنازل والمرافق والأثاث، وسأغامر بالقول إن المواطن يتناسب تعرضه للاستغلال والإهانة طرديا مع مستوى المستغلين (بكسر الغين) الاقتصادي والتعليمي وكلما كانت وقعته مع "أفندي" كانت أكثر ظلما وسوادا، وكلما زادت "الأفندية" مرتبتها زادت وقعته سوادا.

اليوم، ونحن نتابع التشريعات والسياسات والقرارات والأخبار اليومية في الحكومة والبرلمان والمؤسسات الاقتصادية الكبرى، فإن المواطن يفترض دائما سوء النية ويحتاج إلى معجزة كبرى ليصدق أن أحدا يرغب بصدق في الإصلاح والعدالة، وهذا يفقد المجتمعات والمواطنين البوصلة والقدرة على التمييز ويزيدهم تعرضا للاستغلال. وأتوقع أن ذلك سواء كان مقصودا أو غير مقصود يفكك على نحو تدميري كل المنجزات والبنى المتراكمة، ويسهل إفشال المشروعات أو التي لا ينقصها حسن النية والإرادة الحقيقية والصادقة للتنمية والتطوير، ولكن أحدا لم يعد قادرا على التمييز والثقة.

نحتاج إلى مواجهة مع أنفسنا ولحظات اعتراف واستماع صادقة ونتوقف عن خداع أنفسنا حول ما يجري لأنه خطير وكارثي ويضر بمنظومة الانجازات والثقة التي بنيت على مدى عقود وقرون من الزمان، ولأن ما يجري في حقيقته وإن كان على نحو ناعم أنيق عمليات قطع طريق على المواطنين تدمر علاقتهم بالمؤسسات والمجتمعات والأعمال ومع بعضهم بعضا، وتضر بمصالح جميع المواطنين والمؤسسات.

إذا شعر المواطنون، حقيقة أو وهما، أنهم في مواجهة تحالف منظم لاستهدافهم واستضعافهم وأنه لا الحكومة ولا الأحزاب ولا النقابات ولا منظمات المجتمع المدني تقف إلى جانبهم فليس أمامهم سوى الرجوع إلى البنى الاجتماعية الأولية والسلبية والانسحاب من المشاركة العامة واستغلال أية فرصة للإضرار بالمؤسسات والجهات التي يعتقد أنها تستغله.