المنسف .. قاعدة اجتماعية داعمة
السبت الماضي، كنت في مهمة لتدريب أربعة عشر موظفا في بلديات محافظة الشمال في المملكة، لتمكينهم من تأسيس قسم إعلامي في بلدياتهم، وتعزيز مشاركة الجمهور، وبناء قاعدة اجتماعية داعمة لقرارت المجلس البلدي كنتيجة لمصادقة المجلس والناطق الإعلامي وقسم العلاقات العامة وما يطلع به من واجبات ومهام تجاه المؤسسة وتجاه المجتمع المحلي.
إلاّ أنني تفاجأت بأن رؤساء البلديات الذين يعلمون بإنعقاد الدورة قبل يومين قاموا بإرسال سائقين ومراسلين، ومحاسبتين، ورئيس قسم الموارد البشرية للتدريب.
كيف لنا أن نعمق مفهوم وممارسة المشاركة من خلال الإعلام، مع هاؤلاء الموظفين الذين كان أول تساؤل لهم، "كيف نقنع الرئيس بضرورة ما تتفضل به، ولماذا لم يحضر أي رئيس بلدية للتدريب".
التعامل بحرفية مع أجهزة الإعلام المختلفة، والرد على أسئلة الصحفيين المحرجة، وتوظيف المقابلة لصالح الأهداف الموضوعية وتحسين صورة المؤسسة ونقل تطلعات المجتمع للقيادات المؤسسية بات أمرا مهما لكافة المؤسسات والقيادات في القطاعين الخاص والعام .
المتحدثون الرسميون في مؤسسات الدولة الأردنية، في كثير من الأحيان لا يملكون أي معلومة تفيد المستمع أو القارئ، وغالبا ما يبدأون بالحديث عن منجزات سابقة أو أنهم يدعون أصحاب المشكلة الإجرائية لمراجعة مكتب الوزير الذي يدّعون أنه مفتوح لهم دائما، فيما قد يكون مغلق بوجه المتحدث الرسمي نفسه.
والمتتبع لوسائل الإعلام والعاملين بهها يعلمون جيدا أن بعض العاملين في الأقسام الإعلامية والعلاقات العامة يكتفون فقط بإرسال بيانات وأخبار الوزارة بالبريد الإلكتروني، وإذا ما حصل أحدهم على إجازة أو سفر أو أغلق هاتفه فإن المعلومات واللقاءات مع هذه المؤسسة تتم بعد "نشفان ريق"، وفي بعضها تكون الصدارة دائما للأمين العام والوزير، ولا تكاد تعرف شكل الناطق الإعلامي، أو رئيس قسم العلاقات العامة.
ولكن، ما هي مكانة العلاقات العامة في المؤسسة الحكومية وما هو مستقبلها ؟.
إن نمو العلاقات العامة في الدولة ليس دليلا على اهتمام واضح من الدولة بتدفق المعلومات وتحسين الخدمات وصورة المؤسسة وما إلى ذلك، ولكنه نوع من البروتوكول الإداري والبطالة المقنعة، في ظل احتكار الأمناء العامين ورؤساء الأقسام والوزراء للمشهد الإعلامي وليست هذه الإشكالية الوحيدة.
في حين بات الناطق الإعلامي "عامل ترقيع" لردات الفعل غير المدروسة التي "يخرق بها الوزير آخر متر قماش"، من خلال تصريحاته التي يلقي بها الإتهامات عبر وسائل الإعلام، وليست حادثة تسريب أسئلة الصفين التاسع والسادس ببعيدة، فالناطق بإسم وزارة التربية كان واضحا في حديثه بأن الوزارة ستقوم بمحاسبة المخالفين بعد عمل مطابقة للأسئلة والإجابات ومقارنتها بعلامات الطالب المدرسية ومعرفة المدارس "بشكل عام" التي حدث فيها التسريب وأن ذلك لن يتم قبل عقد امتحان الثانوية العامة لإنشغال الوزارة بها.
وأنا هنا أشفق عليه وعلى زملائه ممن سيضطرون للعمل أكثر للترقيع من خلف الوزير الذي لم يهدأ له بال حتى اتهم المدارس الخاصة ونقابة المعلمين بالوقوف خلف التسريب قبل البدء حتى بعملية التحقق والمطابقة.
وما سيلي ذلك من تراشق إعلامي كانت الوزارة في غنى عنه، إذا ما امتلكت استراتيجية إعلامية واضحة تحدد آلية التعامل مع الأزمات "إعلاميا".
ولست معنيا بنقاش هذه القضية _ أي التسريب _ فقد اشبعناها لطما، في ظل إهمال أقسام العلاقات العامة واقتصارها على موظف واحد أو موظفين جل عملهم يتركز على تلميع المؤسسة وإصدار الكتاب السنوي، أو كانوا سائقين أو محاسبين قبل وصولهم إلى هذا المنصب.
في ظل هذا التطور الهائل لوسائل الإتصال، الوزارات والدوائر الحكومية ليست بحاجة لحجز اسم على مواقع التواصل الإجتماعي ثم لا تقوم بتحديث أخبارها وترد على استفسارات المواطنين، ولا لمواقع الكترونية آخر تعديل برمجي أو بياناتي فيها علته العناكب.
في كل كلمة كتبتها، كنت مستحضرا صورة زميلي في كلية الإعلام حيث سأله الأستاذ ما هو تعريف العلاقات العامة ؟ فكانت إجابته إجابة الفهيم الذي عرف فلزم، "العلاقات العامة في الأردن يا دكتور هي المنسف". وبعد المنسف تتعزز العلاقات الخاصة، واللبيب من الإشارة يفهم.