الملكة رانيا العبد الله: المتشددون هم وجه إسرائيل

الملكة رانيا العبد الله: المتشددون هم وجه إسرائيل
الرابط المختصر

في مقالة لها نشرت في صحيفة الاندبندنت البريطانية اعتبرت الملكة رانيا العبد الله أن الهجوم الإسرائيلي على قافلة أسطول الحرية يمثل فشلا إسرائيليا آخر في أن تفهم أن المشكلة تكمن في سياستها وليست هي مشكلة العلاقات العامة".

وقام موقع عمان نت بترجمة مقالة الملكة رانيا العبد الله التي لم تنشر باللغة العربية في أي وسيلة إعلام عربية :

وفيما يلي نص المقال:

ما هو العامل المشترك بين البسكويت والشبس و الألعاب والفستق والفواكه الناشفة والغنم؟

سؤال محير، لو كنت إنسانا معتدلا لقلت إنه لا يوجد شي مشترك بين تلك الأمور، ولكن إن كنت سياسيا إسرائيليا متطرفا فإن تلك الأمور قد تكون مواد خطرة تهدد أمن إسرائيل، ويبدو أن الجانب السياسي قد نجح في حسم النقاش حيث أن كل تلك الأمور وغيرها ممنوعة من قبل حكومة إسرائيل من دخول قطاع غزة.

طبعا الأمر مفهوم، فقد يحدث البسكويت والشوكولاته أذى كبيرا، وأوراق الرسم قد تسبب جروحا خطيرة، ولكن وبدون إعطاء فكرة درامية مضخمة للوضع لأنه ليس سلبيا بالمطلق، فالمماسح وإسفنج للغسيل والبض ومنظف الزجاج وأمشاط الشعر والعدس مسموح إدخالها لغزة.

فلماذا يشكو سكان قطاع غزة الذين يزيد عددهم عن مليون ونصف؟ وما هي البضاعة التي كانت على أسطول الحرية التي فرضت على الكوماندوز الإسرائيليين الهجوم يوم الأحد الماضي وفي المياه الدولية فيما كان هجوم جديد أغضب العالم. حسب معظم التقارير فإن محتويات العشرة آلاف طن على تلك السفن لم يكن أسلحة بل مواد إنسانية حيوية، وسكان قطاع غزة بحاجة لتلك المواد للتغلب على ألف يوم من الحصار غير القانوني الذي حطم غزة وحولها إلى سجن مفتوح بالكاد يعمل، فالمواد مثل الاسمنت كانت تهدف لمساعدة أهل غزة وإعادة بناء ما دمره الهجوم المجنون على غزة العام الماضي، كما احتوت السفن على مواد مدرسية وأجهزة طبية ومنقيات للمياه وكراسي متحركة.

الهجوم صدم العالم لأنه كان متعمدا ولا يعي لأي شي قريب من القانون الدولي أو حقوق الإنسان أو التعامل الدبلوماسي الطبيعي. لقد كان العمل بشعا ولكنه لم يفاجئني. ولا يمكن النظر إليه بصورة منفصلة، ويجب التمعن به من خلال متابعة العقلية التي يعبئها الشارع الإسرائيلي السياسي، هذه العقلية المبنية على مبدء أن تعيش لنفسك ولا تبالي بالآخرين. تعيش هذه العقلية على مستويات دونية، تزرع في لاوعي الضمير الإسرائيلي مجموعة مبادئ ترى أن بقاء إسرائيل معرض للخطر وللانقراض دائما، ولذلك يجب دائما الدفاع عنه (يفضل بطرق عنيفة لكي يعرف العدو من هو المسؤول).

هذه العقيدة مبنية على عقلية "نحن ضد العالم." ومن طبيعة هذه العقلية أن تحمل أيدلوجية متطرفة وأنانية، فهدفها هو البقاء والاستمرار، وهدفها الرئيس في البقاء يأتي بأي ثمن ويسبق أي شيء آخر، ولا بأس، إذا احتاجت حفاظا على بقائها، بإعادة ترسيم ما هو مقبول واستخدام الأسلحة التي تتجاوز بها معايير القانون الدولي، وإعطاء نفسها سلطة أو حصانة معينة تجعل القادة الإسرائيليين مستعدين لشرعنة ما يريدون بدون توقع أي رفض عالمي.

إن هذا المسار المتشدد مليء بالمخاطر لنا كلنا. فهذه السياسات المتطرفة تلغي القيمة الحياتية للفلسطيني وبذلك تلغي القيمة الحياتية للإنسانية.

إجراءات قاسية تصبح مقبولة واستخدام العنف ضد أكثرية بريئة من أجل معاقبة أقلية تصبح ضرورية، إن كل يوم يستمر فيه الحصار هو يوم تكون إنسانيتنا فيه محاصرة.

والنتيجة هي شعب موجود بين صخرتي سياسة متشددة. والنتيجة يأس ورد فعل لسياسات متشددة بهدف الدفاع عن سياسات متشددة سابقة. وفي النتيجة هل كان هذا الهجوم البشع ضروريا لحماية أمن إسرائيل أم الحفاظ على استمرار الحصار؟.

الأمر المحبط هو محاولة إسرائيل الدفاع عن أعمالها. فالتهجم على الانتقادات ووصفها بأنها معادية لإسرائيل أو معادية للسامية أو حرب دعائية،هو فشل إسرائيلي آخر في أن تفهم أن المشكلة هي سياستها وليست مشكلة العلاقات العامة.

إن السياسات المتشددة هي وعاء يحتضن قوى الظلام التي تدمر نفسها والقابلة للاحتراق في ذات الوقت. ولا يوجد أي نتيجة جيدة من الأمرين. كما ولا يمكن أن يستمرا طويلا لأن محاولة الشعور بالبر الذاتي ينكر القيمة الإنسانية.

وإضافة لموضوع سياسات التشدد من كل الأطراف والتي تشعر أن لها وقودا لزيادة تطرفها فإن الجميع يخسر:

شعب غزة يخسر، فثلث مدارسهم دمرت في الهجوم على غزة العام الماضي ولم يتم إعادة بنائها. ومواليد غزة الجدد يخسرون، و95% من مياه غزة تعتبر أقل من المعدلات المقبولة حسب مقاييس منظمة الصحة العالمية مما يترك الآلاف من الأطفال معرضين للتسمم.

شعب إسرائيل يخسر، فثلث الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ترفضه ومعظم المجتمع الدولي يتجنبه والمواطن الإسرائيلي العادي يشعر نفسه غير مرغوب به خارج "حدودهم". فالعيش بصورة دفاعية ليست طريقة حياة لأن الشعوب تعيش على أساس متين. فهل الحكومة الإسرائيلية مستعدة حقا لتحكم على شعبها بهذا النوع من الحياة على أساس نظام الخوف وتوابعه.

قيادة إسرائيل يجب أن تسأل نفسها أسئلة صعبة: "هل إستراتجيتنا طويلة الأمل مبنية على العيش مع الخوف؟" هل الرؤية طويلة الأمل مبنية على بقاء الشعب الإسرائيلي دائما على أسا الدفاع عن الذات؟ هل هذا أفق غياب الأمل عما نريد لشعبنا؟

والمعتدلون في كل العالم يخسرون، فأشخاص مثلي ممن يتحدون الوضع الحالي للإيمان بطريق السلام يجب أن لا يبقوا وحيدين ومهجورين.

فحل الدولتين ليس وليدة أفكار مثاليين ساذجين، وعلى الأشخاص الذين تعتبر مسؤوليتهم الأخلاقية التعامل مع الواقع أن يشكلوا تحالفا إنسانيا يسأل ويواجه ادعاءات اليمين المتطرف والتأكيد على أهمية الاعتدال، لأن الاعتدال في نهاية المطاف هو مكان وجود غالبية الناس.

وكشخص معتدل أعرب عن تخوفي من التيار الجارف الذي يسود المنطقة، فالاعتدال قد يصبح أول ضحايا استمرار سياسات الاعتداء والتشدد، وكإنسان عايش صراع المرحوم الملك حسين لسلام ولآخر رمق له وكذلك من تابع ابنه، زوجي الملك عبد الله واستمراره في العمل للسلام, ويكسر قلبي رؤية ابتعادنا رويدا رويدا عن السلام.

كنت أعتقد أن ذلك ثمن باهظ لاستمرار الموقف المتصلب، ولذلك فإن أسطول الحرية جاء لمساعدة أهل غزة، ولكنه وبنفس القوة جاء لكسر العقلية الإسرائيلية المحاصرة.

(ترجمة عمان نت)

أضف تعليقك