المصانع المؤهلة: اتجار بفقراء آسيا وتنزيلات بالأسواق الأمريكية
باع شوباس بعضا من مقتنيات أسرته واستدان بقية المبلغ بفائدة نسبتها 8% وجمع 90 ألف روبية هندية، وتعادل 1400 دينارا، دفعها لمكتب تسفير عمال
في الهند لقاء نقله إلى الأردن للعمل في المناطق الصناعية المؤهلة.
وبعد مرور سنتين على عمله في مدينة الضليل الصناعية، التقيت شوباس قبل أن يصعد إلى الباص الذي سيقله إلى المطار عائدا لمدينته ديلهي. لم يكن فرحا بقرب لقائه مع زوجته وأطفاله الثلاث بقدر حزنه لعدم قدرته على تعويض المبلغ الذي دفعه للعمل في الأردن. فكل ما وفره من أجره الزهيد لا يتجاوز 80 ألف روبية (1100 دينار).
أما حياة شوباس في الأردن طوال عامين: ظروف وساعات عمله، أجره ومعاملة مدرائه، مسكنه وطعامه، كما رواها لنا، لم تختلف كثيرا عن ما سمعناه من عمال بنغال، سريلانكيين وصينيين التقيناهم في المناطق الصناعية المؤهلة –التي لفتت أنظار وسائل الإعلام بعد صدور تقرير للجنة العمال الوطنية منذ عامين وصف انتهاكات حقوق عمال فيها.
قابلنا قرابة ثلاثين من أصل 37 ألف عامل وعاملة وافدين -منهم 24 ألف بنغالي- يتوزعون على 98 مصنعا في ستة مناطق صناعية مؤهلة تتوزع في مختلف مناطق الأردن. وتشكل مصانع الألبسة والنسيج غالبية شركات المناطق الصناعية المؤهلة.
شهدت هذه المناطق العام الحالي ما لا يقل عن 40 إضرابا عماليا، غالبيتها كانت تتعلق برفض اقتطاع مصانع جزء من أجورهم مقابل توفير السكن والطعام. وفي هذه القضايا لجأ العمال إلى تقديم شكاوى لنقابة الغزل والنسيج ووزارة العمل وسفارة بنغلادش في الأردن، وساعدت المفاوضات بين هذه الجهات وأصحاب الشركات في تحسين ظروف العمل في العديد من المصانع، إلا أنها لم تصل إلى حل الخلاف حول اقتطاع جزء من أجور العمال مقابل المسكن والطعام.
وزير العمل باسم السالم يرى أن المشكلة في معظم هذه الإضرابات هو العمال وليس أصحاب العمل، وذلك لجهلهم لواجباتهم وفقا لعقود العمل التي يوقعونها.
أزمة اقتطاع الأجور بدأت بعد رفع الحكومة الأردنية للحد الأدنى للأجور من 80 إلى 110 دنانير، والذي قابله أصحاب مصانع باقتطاع أجور العمال بدل طعام ومسكن لم تعد المصانع تتحمل كلفتها بعد أن ألغت البند المتعلق بتوفيرها للعمال من عقود العمل.
وما يزيد تعقيد قضية اقتطاع الأجر، بالنسبة لسفير بنغلادش في الأردن، هو عدم "وضوح أو تفصيل قانون العمل الأردني لقضايا العمال الوافدين". فالقانون خصص بندا واحدا موجزا يعالج كل ما يتعلق بالعمال الوافدين.
وأضاف السفير محمد غلام: "تلقينا كثير من شكاوى عمال بنغال على اقتطاعات من الأجر مقابل الطعام والمسكن وعدم استلام الأجر في وقته وعدم تلقي أجر على عمل إضافي وسوء معاملة إدارات المصانع".
"لكننا لم نتلق أية شكوى تتعلق بالمال الذي دفعوه لوكالات تسفير العمال في بنغلادش".
استُقدِموا بالخداع..
في بنغلادش جمع الصحفي زاهيد حسين شهادات عشرات البنغال الذين كانت لهم تجارب تعاقد مع وكالات تسفير عمال، سافروا للعمل على إثرها وعادوا أو أنهم بانتظار السفر.
بينت الشهادات أن معدل ما يدفعه العامل البنغالي لقاء حصوله على عمل في أحد دول منطقة الشرق الأوسط هو 3000 - 3500 دولارا أمريكيا. في حين تقدر الحكومة البنغالية كلفة إرسال العامل للعمل في أحد دول الشرق المتوسط بقرابة 1200 – 1500 دولار.
ويتقاسم المبلغ ثلاثة أطراف: وكالة تسفير العمال التي توظف عميل فرعي يتعاقد مع العمال عن طريق سمسار وسيط في كل قرية. يدفع كل عامل المبلغ المطلوب للعميل الفرعي، بحيث تبقى الوكالة بعيدة عن الشبهة وعن الملاحقة القانونية. ويحصل السمسار الوسيط على حصة صغيرة تتراوح بين 300 و400 دولار عن كل عامل. في حين تحصل الوكالة على 1000 دولار عن كل عامل.
ويتوجب على العمال أحيانا توقيع عقود عمل لا يعرفون ما فيها. وفي العادة يقال للعمال أنهم لن يدفعوا لقاء طعامهم ومسكنهم، ويوعدون بأجور عالية لكن دون أية وثائق تثبت ذلك.
وأفادت بعض الشهادات بأن الوكالة إذا أمنت 100 فرصة عمل فإنها تجمع المال من أكثر من 200 عامل، تستثمر الأموال في مشروع استثماري ما، ثم ترسل 100 للعمل فقط وبعد فترة من استثمار الأموال تعيد ما أخذته من العمال الذين لم يسافروا مدعية أنهم لم يتمكنوا من تأمين الوثائق المطلوبة لتسفيرهم.
وبين الصحفي زاهيد حسين أن في بنغلادش وزارة المسؤولة عن أوضاع العمال في الخارج لكنها لا تتابع هذه الثغرات. وأن الحكومة البنغالية لم تقم حتى الآن بالتحقيق بممارسات وكالات تسفير العمال.
من جهته أوضح سفير بنغلادش في الأردن أن حكومته اتخذت الإجراءات اللازمة تجاه وكالات تسفير العمال وحددت سقف المبلغ الذي يدفعه العامل للوكالة بما يعادل 700 دينارا. "أعلمْنا وزارة العمل في الأردن بذلك، وهي بدورها تدقق سجلات وتاريخ الوكالة التي ترسل العمال".
ومن الأردن ترسل الشركة الباحثة عن عمال زهيدي الأجر وكيلها إلى أحد وكالات تسفير العمال المنتشرة في مدن وقرى بنغلادش ليجمع عمالا بلا شروط أو كفاءات. ويتعاقد وكيل الشركة في الأردن مع الوكالة في بنغلادش أو الهند أو سريلانكا أو غيرها. ويعود إلى الأردن لتتكفل بعدها الوكالة نفقات تذكرة الطائرة وتأشيرة دخول للأردن ورسوم تصريح العمل، إضافة إلى رسوم مكتب تسفير العمال، وذلك من المال الذي أخذته من العامل.
ويعفى صاحب المصنع من تكاليف إحضار عامل زهيد الأجر يتحمل كافة التكاليف وحده. وهو ما أكده أثوللا إديريسينغي، مدير مصنع EAM ماليبان للنسيج في منطقة الضليل.
..وسُفِروا بالاحتيال
في منطقة الضليل الصناعية الخاصة بالأردن كان الباص يتهيأ لنقل 45 عاملا هنديا قررت شركة إم إف تي للغزل إنهاء خدماتهم بعد مرور سنتين، أي قبل انتهاء مدة عقود عملهم لثلاث سنوات، وذلك بعد إضراب العمال عن العمل احتجاجا على تعرضهم لسوء المعاملة والإجبار على العمل الإضافي والخصم من أجورهم.
ردت الشركة على الإضراب بقطع الكهرباء والماء عن العمال في سكنهم، بحسب شهادات عشرات العمال المضربين، ثم بفصلهم عن العمل دون دفع أجورهم لأول شهري عمل كانت الشركة قد حجزتها لإجبار العمال على الاستمرار بالعمل لديها. ولجأ العمال إلى نقابة الغزل والنسيج التي ساعدتهم على رفع قضية على الشركة للمطالبة بأجورهم المتبقية، وهي المرة الأولى التي تلجأ النقابة فيها إلى المحكمة بعد فشل المفاوضات. والقضية ما تزال منظورة في المحكمة وقرار الشركة بتسفيرهم قبل انتهاء عقود عملهم ما يزال ساريا.
تحدثت إلى أكثر من عشرة عمال اجتمعوا بانتظار أن يتحرك الباص نحو المطار، عبروا عن عدم رغبتهم بالسفر قبل استرداد، على الأقل، ما دفعوه لمكاتب التسفير في بلادهم. وأكدوا أن الشركة أجبرتهم على ترك العمل بعد أن "ادعت زورا أن عقود عملهم صالحة لسنتين فقط".
قال شوباس: "عندما بدأنا العمل قبل سنتين حجزت الشركة أجورنا لأول شهرين، وعندما طالبنا بها أنكرتها وقالت أن لديها تواقيع العمال على استلام رواتبهم. لا نعرف كيف حصلت الشركة على هذه التواقيع، نحن لم نوقعها".
لجأ العمال إلى نقابة الغزل والنسيج التي ساعدتهم على رفع دعوى قضائية ضد الشركة لاسترداد أجور الشهرين.
"القضية ستطول في المحكمة وعلينا مغادرة الأردن. النقابة وعدتنا بإرسال أجورنا المتبقية في حال كسبنا القضية"، قال محمود، 30 عاما، بصوت خافت لا يشي بالتفاؤل.
"حتى إيصالات استلام الرواتب التي لدينا لا يوجد عليها اسم شركة". وهو ما أكدته النقابة التي أطلعتنا على إيصالات لا تحتوي على أسماء سوى أسماء العمال. ويعتبر هذا مخالفا للأصول المحاسبية والقانونية.
تدخل ديباكريه ذو الـ23 عاما، والذي أنهى الإعدادية في ديلهي وقدم إلى الأردن بحثا عن حياة أفضل: "وقعنا على اتفاق مع الشركة تتكفل فيه بوجبات طعامنا خلال العمل ومسكننا، والآن تخصم الشركة 40 دينارا شهريا من أجرنا الشهري".
وروى شوباس كيف يحضر صاحب شركة إم إف تي عمالا جددا، تحت اسم شركته الجديدة "القادر"، وتعدهم بطعام مجاني وامتيازات مختلفة، "وعندما يصلون هنا لا يجدون شيئا مما وعدوا به. عندها سيجد العامل نفسه مربوطا ولن يستطيع ترك العمل والعودة، لأنه دفع مبالغ كبيرة ومضطر للبقاء رغم الظروف السيئة".
ما يشبه الاستعباد
في السكن التابع للشركة يقيم كل ثمانية عمال في غرفة مساحتها 4X8 أمتار مربعة، وهناك خمسة أسرة طابقية وحمام واحد ولا يوجد مطبخ، فالطبخ في السكن ممنوع.
"إذا أردنا الطبخ والأكل في السكن نعاقب بإنذار"، قال سمير.
والعمال مؤمنون في المركز الصحي التابع لنقابة الغزل والنسيج والموجود في كل منطقة صناعية، لكنهم يدفعون ثمن الدواء. أما أكثر الأمراض شيوعا فهي الجلدية، مثل "الجرب"، أو الجهاز التنفسي، مثل الحساسية من وبر الأقمشة، وفقا للطبيب المناوب في المركز الصحي بمدينة الضليل.
كما أن العمال مسجلون في الضمان الاجتماعي، وكل منهم يحصل على مستحقاته قبل السفر، والبالغة 238 دينارا، مبلغ لا يكفي لعلاج آلام الظهر للعاملين في القص والكي أو ضعف النظر للعاملين على آلات الخياطة بعد سنتي عمل بمعدل 15 ساعة يوميا.
ليس هذا حال عمال الضليل فقط، ففي منطقة التجمعات الصناعية الخاصة بسحاب لم يكن الحال أفضل.
تحدثت إلى أربع عاملات جئن من الصين للعمل في الأردن. قالت إحداهن، ورفضت الإفصاح عن اسمها، أن أصحاب المصانع هنا يتعاقدون مع مكاتب توظيف في الصين تنشر إعلانات في الصحف المحلية، يعلن فيها عن الحاجة لعمال براتب مائتين وعشرين دولارا، وعندما تحضر العاملة إلى هنا تعطى مائة وثمانين دولارا فقط وتجبر على العمل ساعات طويلة تستمر بين 16 و17 ساعة إجباريا.
غير أن أسوأ ما تتعرض له العاملات الوافدات، بحسب العاملة الصينية، هو المضايقات والتحرش الجنسي، إما من المشرفين على العمل أو من أصحاب المصانع. وهذا ما أكدته تقارير وزارة العمل استنادا على جولات مفتشيها وتقريري لجنة العمال الوطنية في الولايات المتحدة عام 2006.
ولا تملك العاملة الصينية خيارا للرفض، فإن فعلت يتم تسفيرها على نفقتها الخاصة، ولما كانت تذكرة الطائرة تزيد كلفتها على التسعمائة دولار فإن أي عاملة تتقاضى 180 دولارا لن تستطيع مجرد التفكير بشراء التذكرة.
أما حجز إدارات المصانع لجوازات سفر العمال منذ لحظة وصولهم إلى المطار في الأردن، فلم يعد سائدا كما الحال منذ شهور قليلة، حيث بدأت وزارة العمل مؤخرا بمنع هذا الإجراء.
داخل أسوار مدينة "الحسن" الصناعية الحكومية في إربد التقيت إسلام الذي أتم عقده الثالث ليجد نفسه مسؤولا عن إعالة أسرة من 13 فردا، بعد وفاة والده في انهيار أتربة نتيجة إحدى الفيضانات الكثيرة التي تخلف قتلى ودمارا يزيد الفقر فقرا في بنغلادش. لم يكن أمامه سوى تلك العقود التي انتشر خبرها في قريته بضواحي مدينة سيلهت: عقد عمل يوقعه مع شخص يتولى تسفيره إلى الأردن مقابل ما يعادل ألف دينار أردني.
وصف إسلام المعاملة السيئة منذ وطأ قدمه أرض مطار عمان. "كنا قرابة 110 عمال قادمين من بنغلادش. قادنا مندوبون عن المصنع الذي قدمنا للعمل فيه، وحشرونا في زاوية وصادروا جوازات سفرنا وأركبونا باصات لم ننزل منها سوى أمام السكن القريب من المصنع. وزعونا على الغرف فكان كل ثمانية منا في غرفة لا تتجاوز مساحتها أربعة أمتار مربعة، وفيها ثمانية أسرة طابقية وثمانية بطانيات".
"في صباح اليوم التالي نزلنا إلى العمل في المصنع على خطوط إنتاج مختلفة: قص، خياطة، كوي، وغيرها من الحرف التي لا تحتاج إلى كثير من الخبرة".
في الشتاء لا يوجد أي وسيلة للتدفئة في السكن، وفي الصيف لا يوجد ما يخفف حرارة الماكينات في المصنع. المياه الساخنة متوفرة لمدة نصف ساعة يوميا، غالبا ما تكون من الساعة الخامسة والنصف وحتى السادسة مساء، فمن يعمل لوقت إضافي لا يتمكن من الاستحمام. أما الكهرباء فتفصل عن السكن بعد منتصف الليل.
"نعامل بطريقة سيئة، نتعرض للشتم والضرب من المشرفين على العمل".
وصف إسلام وجبتي طعامه في المصنع، وجبة الغداء عبارة عن "طبق من الأرز المطبوخ مع خضار أو قطعة لحم صغيرة"، يدفع لقائها 25 دينارا تقتطع من أجره الشهري. وفي المساء يشتري "ساندويتش فلافل بربع دينار" يضاف إلى راتبه في نهاية الشهر. تابع إسلام: "نعمل حتى ساعات متأخرة من الليل ونتناول على العشاء ساندويتش فلافل صغيرة لا تشبعنا بعد ساعات عمل طويلة وجهد بدني كبير. تكررت حالات إغماء بين العمال من الجوع".
واشتكي العمال من حمامات المصانع التي تفتقر إلى متطلبات النظافة، كالمياه الجارية والصابون. "لا نجرؤ على الشكوى وإلا نقابل بالتوبيخ أو نعاقب بخصم الراتب".
عمل نصفه سخرة
عشرات العمال والعاملات في المناطق الصناعية الثلاثة تحدثوا عن عمل إضافي يجبرون عليه بلا أجر، وعدم انتظام في دفع أجور يستلمها العمال أحيانا كل شهرين.
قال إسلام: "تطلب منا إدارة المصنع أن نختم بطاقة الخروج من المصنع في الساعة السابعة مساء لكننا نتابع العمل بعدها، وذلك تحسبا لجولات مراقبة مكتب وزارة العمل في منطقة الحسن".
وسرد أكبري، بنغالي يعمل في منطقة الضليل، كيف يُمنعون أحيانا من الذهاب إلى الحمام في أوقات ضغط العمل، فالذهاب إلى الحمام يحتاج بطاقة من مشرف العمل الذي يرفض إعطائها للعامل في حالة الطلبيات المستعجلة.
"في أوقات زيارات المنظمات العمالية لمراقبة ظروف العمل، يقوم مدراء ومشرفو المصنع بتلقين العمال وتهديدهم باقتطاع راتب كل من يقول خلاف ما لقن".
مدير دائرة الرقابة والتفتيش في وزارة العمل، أمين وريدات، بين أن "تجاوز عدد ساعات العمل الإضافية المسموحة بها في القانون وعدم الالتزام بدفع أجور العمل لساعات إضافية وعدم الالتزام بدفع الأجور في مواعيدها، هي أكثر مخالفات المصانع شيوعا".
قانون لا يجرم الاتجار بالبشر
تعريف منظمة الأمم المتحدة "للاتجار بالأشخاص" يتضمن "نقل، تسفير، تزويد أو استقبال أشخاص، باستخدام وسائل الاحتيال، الخداع، إساءة استخدام السلطة، استضعاف الأشخاص، أو إعطاء أو أخذ مال أو منافع لتحصيل موافقة شخص لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال السخرة أو الخدمة قسرا، الاستعباد أو الممارسات الشبيهة بالاستعباد.
بالنظر إلى تعريف الأمم المتحدة، يمكن القول أن ما يتعرض له عمال المؤهلة من "خداع" عند توقيع عقود العمل مع مكاتب التسفير في بلادهم أو مع إدارة المصانع في الأردن، و"استضعاف العمال الفقراء واستغلال حاجتهم للمال"، وإجبارهم على "الخدمة القسرية" بالعمل لساعات إضافية، وتعرضهم "لممارسات شبيهة بالاستعباد" مثل مصادرة جواز سفرهم لتقييد حركتهم وإقامتهم وعملهم تحت ظروف معيشية ومهنية غير ملائمة، هو اتجار بالبشر.
وزير العمل أقر بوجود مشكلة اتجار بالبشر "نعمل على حلها، لكن نطاق تعريف الاتجار بالبشر واسع جدا، وتندرج تحته العديد من الأمور كعدم دفع الأجور أو عمل إضافي غير مطابق لقانون العمل، وغيرها الكثير".
ولحل المشكلة تشكلت لجنة من وزارات العمل والعدل والداخلية والصحة، لتصويب أوضاع واقع العمل. "عملنا على تعديل قانون العمل وبدأنا بتطبيقها، وتأكدنا من أن الشركات تطبق القوانين".
تتضمن التعديلات في قانون العمل وجود ساعات عمل محددة مسموح بها، وجود الوثائق الثبوتية للعامل بحوزته، والسماح بعضوية العمال الوافدين في نقابة العاملين في الغزل والنسيج.
السفير البنغالي محمد غلام نفى وجود معلومات لديه حول انتهاكات وكالات تسفير العمال لحقوق العمال، أو اتجار بهم. "حكومة بنغلادش حساسة جدا فيما يتعلق بالاتجار بالبشر، وكذلك الحكومة الأردنية. ونحن نفرض قواعد وأنظمة صارمة تحول دون حدوث ذلك. وإذا علمت حكومة بنغلادش بأي انتهاك ترتكبه وكالة تسفير عمال فإنها تضع الوكالة في القائمة السوداء وتمنعها من العمل".
ولا يمكن ملاحقة المتجرين بالبشر وحماية ضحاياهم في حين لا يوجد في القانون أو الدستور الأردنيين ما يجرم "الاتجار بالبشر". فالحكومة الأردنية لم توقع على بروتوكول الأمم المتحدة لمنع وقمع ومعاقبة المتجرين بالأشخاص، الذي يلزم الدول المصادقة بتفعيل أو تعديل قوانينها المحلية بحيث تجرم الاتجار بالبشر. كما يلزمها باتخاذ إجراءات لحماية ومساعدة المتجر بهم بأن يتمتعوا بسرية وحماية من الجناة عموما، وحمايتهم كشهود في حالة تطبيق القانون، وبتوفير خدمات اجتماعية كالمسكن والعلاج الطبي والمشورة القانونية، إلى حين عودتهم إلى بلادهم.
وزير العمل باسم السالم أكد أن قانون العمل الأردني يحاسب المخالفين بدون أن التوقيع على بروتوكول منع الاتجار بالبشر. "القانون واضح ومن خلاله نستطيع معاقبة صاحب العمل، وقد قمنا باستخدام كفالات شركات تصل إلى 80 ألف دينار لحل مشاكل العمل وكانت الأولوية إعطاء العمال حقوقهم. هذا لا يعني أننا ضد التوقيع، فهي قيد الدراسة على جميع المستويات. لكن أهم من التوقيع عليها تطبيق ما لدينا من قوانين واتفاقيات".
لكن المشكلة، بالنسبة للوزير، أكبر من العمالة الوافدة في المناطق الصناعية الخاصة. "هناك مشكلة عمالة وافدة في كل الأردن، هناك 400 ألف عامل وافد، 340 ألف مسجلين وقرابة 60 ألف عامل غير قانوني".
أما السفير محمد غلام فاعتبرها مشكلة إدارة موارد بشرية. "إدارة هذه الأعداد من العمال الوافدين وإدارة قطاع الغزل والنسيج جديدة على الحكومة والشعب الأردنيين. في بنغلادش أو الصين هناك تقليد وتاريخ من صناعة الغزل والنسيج".
ورأى ليو سيبيل، مستشار وزير العمل لشؤون الرقابة والتفتيش أن "المشكلة بنيوية في قطاع الغزل والنسيج في كل العالم، من الصين إلى الولايات المتحدة. وتتعلق بنماذج التجارة العالمية، حيث يريد مشترو الملابس بضائع بأسعار منخفضة جدا، فيعرض التاجر الوسيط أسعار أقل على المنتج، ويريد المنتجون ربحا سريعا، فيستغلون العمال بالعمل طويلا بأجور زهيدة. باختصار، النموذج الاقتصادي لصناعة الغزل والنسيج لا يعمل لصالح العمال. بذلك لا تختلف المشاكل المتعلقة بالأجور وساعات العمل في الأردن عنها في بقية دول العالم".
سياسات حكومية متناقضة
يترتب على اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة التي وقعت عام 1997 بين الأردن، الولايات المتحدة وإسرائيل –وتسمح للمصانع بإدخال بضائعها إلى السوق الأمريكية بدون رسوم جمركية أو حد أعلى للإنتاج، بشرط أن تشتمل الصناعات على مدخل إسرائيلي بنسبة 8% على الأقل- تقديم تسهيلات للمستثمرين فيها وتلبية متطلباتهم من العمالة الرخيصة.
فرغم إغلاق 15 مصنعا في المناطق المؤهلة خلال الشهور التسع الأخيرة لتصبح 98 مصنعا -ثمانية منها أغلقتها وزارة العمل بسبب مخالفات عمالية تتعلق بالأجور وساعات العمل، والبقية أغلقت بسبب عجز مالي- انخفض عدد العمال الوافدين المسجلين بنسبة محدودة (من 38,183 في أيلول 2006 إلى 36,932 في أيار 2007، وفقا لمديرية المعلومات والدراسات في وزارة العمل).
أما مجموع العمال غير القانونيين في المناطق الصناعية الخاصة فقرابة 5 آلاف، بحسب وزير العمل، أعطتهم الوزارة بطاقات مؤقتة إلى أن تدرس وضع كل مصنع على حدا.
وتزداد مهمة الوزارة تعقيدا حين تحاول حماية ضحايا تتعامل معهم جهات حكومية أخرى كمجرمين. فقد تضمن تقرير لجنة العمال الوطنية في تشرين ثاني 2006 شهادات عشرة عمال بنغال من المناطق المؤهلة أقدمت أجهزة أمنية أردنية على احتجازهم وضربهم وتسفيرهم إثر إضرابهم عن العمل احتجاجا على الظروف السيئة في مصانعهم.
وهو ما لم ينفه وزير العمل معللا ذلك بأن "الأجهزة الأمنية قامت بواجبها لوقف أعمال شغب ارتكبها عمال".
وبرزت دوليا أزمة عمال المناطق الصناعية المؤهلة في الأردن بعد إصدار الخارجية الأمريكية تقريرها السابع عن "الإتجار بالأشخاص" في حزيران الحالي. وفيه أكدت على ما ورد في تقرير لجنة العمال الوطنية من انتهاكات في حق عمال المناطق المؤهلة في الأردن، وانتقدت تعامل الحكومة مع المشكلة.
فمن أصل 1113 مخالفة كشفها مفتشو وزارة العمل أصدر 338 إنذارا وأغلق 8 مصانع، في حين جرّم فقط ثلاثة أصحاب مصانع بتهمة اضطهاد العمال. وهي، برأي التقرير، عقوبات إدارية، باستثناء جرم قضائي واحد بعقوبة لا تتناسب مع الجريمة.
أما الخلل الأبرز، وفقا للتقرير، فكان عدم توفر مأوى لضحايا الاتجار بالأشخاص، كما لم تقدم الحكومة أي دعم أو علاج جسدي ونفسي للضحايا، بل اكتفت وزارة العمل بنقل 3000 عامل اعتبرتهم ضحايا اتجار بالأشخاص من مصنع إلى آخر.
*جميع الصور والفيديو خاصة بعمان نت تم التقاطها في مدينة الحسن الصناعية في اربد
*يصور الفيديو في اسفل الصفحة عامل بنغالي قام صاحب المصنع بحبسه لايام دون طعام بسبب اضرابه عن العمل، الى ان اكتشفت وزارة العمل ذلك وحررته
لمشاهدة الفيديو |