المصالحة الفلسطينية: وفرة الوساطات وندرة الفرص

الرابط المختصر

دخلت تركيا والسودان على خط الوساطات بين الفلسطينيين المنقسمين على أنفسهم ، وكانت الدوحة كشفت عن "تعطيل مصري" لمحاولات سابقة بذلتها قطر والسعودية للتوسط بين "الاخوة الأعداء" ، وليس مستبعدا أن تبدي أطراف أخرى ، حكومية وغير حكومية ، فلسطينية وعربية وإقليمية ، استعدادا مماثلا لبذل مساع حميدة أو التوسط بين الأفرقاء المصطرعين.

إذن ، نحن أمام عودة الروح للوسطاء والوساطات ، وثمة ما يشبه الازدحام على هذا الطريق ، وهو ازدحام وإن كان يحمل الكثير من النوايا الطبية ، ويخفي الكثير من الرغبات الدفينة الرامية تارة لتعظيم أدوار إقليمية لهذا الجهة أو تلك ، وأخرى لـ"تسوية حساب" بين الفرقاء المعنيين ، إلا أنه مع ذلك يؤكد بما لا يدع مجالا للشك ، بأن الوساطة المصرية بلغت طريقا غير نافذ ، وأنها تصطدم بجدار مسدود.

ولكي نتوخى الإنصاف والموضوعية ، فإن أي من الأطراف التي تعرض وساطتها ومساعيها الحميدة على الفلسطينيين ، لا يمتلك منفردا حظوظا أفضل من حظوظ الوساطة المصرية ، بل ويمكن القول ، ان أياً من هذه الأطراف لوحده ، لا يملك من الأوراق ما امتلكته القاهرة في علاقاتها مع فريقي الأزمة الفلسطينية الداخلية ، بمن في ذلك حماس التي تقيم وزنا لـ"الجغرافيا" في علاقاتها مصر ، يفوق أوزان حساباتها السياسية والعقائدية وحساسيات علاقاتها مع النظام المصري ، التي لم تصل يوما إلى مستوى "قصة حب".

لذلك دعَوْنا منذ البدء إلى "تعريب الوساطة" بين فتح وحماس ، واقترحنا أن تشكل "ترويكا" عربية ، فمثل هذه الخطوة ، وحدها قادرة على "جلب" الأطراف المتصارعة إلى مائدة الحوار وشاطئ المصالحة ، مثل هذا الخطوة كفيلة بتوفير "وسيط متوازن وموضوعي وموثوق" يطمئن له المتحاورون ، مثل هذا "الإطار القومي" للوساطة ، كفيل بتوفير "شبكة أمان" للمتحاورين ، لا للوصول إلى التوافق والاتفاق فحسب ، بل ولضمان ترجمته وتنفيذه على الأرض أيضا ، وهذا هو الأهم ، خصوصا حين يتصل الأمر بالملفات الشائكة والمعقدة كملف الإصلاح الأمني وإعادة هيكلة منظمة التحرير وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة ، إلى غير ما هنالك.

لا ينبغي بأي حال من الأحوال ، تحويل قضية "التوسط والوساطة" بين الفلسطينيين إلى مادة للتجاذب بين المحاور والمعسكرات العربية ، فاستعادة الفلسطينيين لوحدتهم الوطنية ، متطلب يرقى فوق حسابات "صراع الأدوار" والتنافس على "القيادة والريادة" بين العواصم العربية ، وإنجاز هذه المهمة بأسرع وقت وأقل ضرر أمر يكتسب أولوية قصوى في مطلق الأحوال ، ويجب التصرف مع هذا الملف من هذا المنطق وتلك العقلية.

وأخطر ما يمكن أن يواجهه الشعب الفلسطيني ، هو أن تتحول خلافاته إلى مادة للتجاذبات وأن تتحول قضيته الوطنية إلى ساحة لتسوية الحسابات.. أخطر ما يمكن أن تواجهه محاولات استعادة وحدة الشعب والأرض الفلسطينيين ، هو أن تصبح هذه المسألة جزءا من حسابات "الداخل العربي" ، فينحاز لفتح والسلطة ، كل من له مشكلة مع الحركة الإسلامية في بلده ، ويعرقل جهود رفع الحصار القطاع الجائع ، كل من يريد البرهنة على "بؤس الخيار الإسلامي".

يقظة الوساطات والوسطاء أمر إيجابي في مختلف الأحوال ، بيد أنه لا يعني أن الفلسطينيين باتوا أقرب إلى المصالحة والتوافق ، فإن لم تتوافق العواصم العربية فيما بينها ، وبالتحديد دمشق والقاهرة ، فإن احتمالات التوافق بين غزة ورام الله ستظل ضئيلة للغاية.. فهل يفعلها "العرب" هذه المرة؟