المسير نحو الهاوية

المسير نحو الهاوية
الرابط المختصر

عاد الموقع الرسمي لراديو البلد "عمان نت" إلى القراء، بعد نحو أسبوع على حجبه عن شبكة الإنترنت بقرار من هيئة الإعلام، الجهة الحكومية المسؤولة عن تنظيم قطاع الإعلام.

 

الهيئة عللت حجبها للموقع بأن ترخيصه لاغياً، لكون الشركة المالكة للراديو وموقعه يساهم فيها شخص غير أردني، وأن المطبوعات الأردنية بما فيها المواقع الإخبارية يجب أن يملكها أردني فقط، بموجب قانون المطبوعات والنشر.

 

ومنذ عام 2013 وموقع "عمان نت" مسجل ومرخص، من قبل دائرة المطبوعات والنشر، وفق قانونيها، كموقع رسمي لراديو البلد.

 

الدائرة صاحبة الولاية آنذاك لم ترَ مشكلة قانونية في ملكية الموقع، ولذلك تم ترخيصه وتسجيله، وهيئة الإعلام - الخلف القانوني للدائرة بعد إلغائها- تحدثت عن خطأ في التسجيل من قبل الدائرة بسبب جنسية المالك، وهذا الخطأ لا يتحمّله الموقع، ولا يعاقب بسببه الجمهور.

 

وهنا يظهر "التخبط" والمعايير المزدوجة في التشريعات الناظمة للعمل الصحفي والإعلامي؛ إذ سمح قانون المرئي والمسموع لغير الأردني تأسيس محطات بث إذاعي وتلفزيوني، في حين حَرم قانون المطبوعات والنشر أن يكون لذات المحطات مواقع الإلكترونية تنشر نفس مضمون الأخبار، لكون المالك غير أردني؟.

 

فهل يعقل أن يكون مالك المحطة الإذاعية أو التلفزيونية مختلف عن مالك الموقع الإلكتروني الخاص بذات المحطة؟

 

وبما أن هيئة الإعلام عرضة للتدخل الحكومي، وترتبط مالياً وإدارياً بالوزير، بموجب قانونها الذي يمنح مجلس الوزراء بناءً على توصية من الوزير تعيين مديرها، وإنهاء خدماته بالطريقة ذاتها، علاوة على أنه مسؤول أمام الوزير عن سير أعمال الهيئة، ينتفي عنها وعن مديرها وكادرها، صفة الاستقلالية والشخصية الاعتبارية.

 

"ويأتي حجب الموقع بعد أن أبدت جهات وهيئات حكومية وتنظيمية انزعاجها من بعض ما نشر على الموقع، وخصوصاً المقالات الناقدة للمفتي العام، وللهيئة، بإيقاف برنامج إذاعي على خلفية نقد كلام المفتي العام"، بحسب بيان الموقع.

 

إن ما قامت به الهيئة من قرار عرفي، يصطدم مع مبادئ الدستور، التي تمنع تعطيل الصحف ووسائل الإعلام إلا بأمر قضائي، وتكفل حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام، بالإضافة إلى أن تعطيل وسيلة إعلامية دون أمرٍ قضائي، يضاف إلى سلسلة النكسات المتتالية التي ألحقتها الحكومة وأذرعها، وغيرها من أجهزة الدولة، بحرية الصحافة والنشر؛ فالأردن غير حرة في الصحافة بحسب مؤشر "فرديم هاوس"، ويتذيل القائمة منذ 2014، ويراوح الدرجة نفسها تقريباً على مؤشر مراسلون بلا حدود.

 

الصلاحيات الواسعة لمدير هيئة الإعلام بموجب القانون تزيد من سيطرة الحكومة على الإعلام، إذ تمنحه حق مراقبة التراخيص، وإغلاق محطات البث الإذاعي والتلفزيوني، وحجب المواقع الإلكترونية، وفرض الغرامات، ومنع النشر، وغيرها من "موضة" التعميمات، هذه الصلاحيات الواسعة لموظف إداري لا تنسجم مع حرية الصحافة والنشر، ولا مع المعايير الدولية والممارسات الفضلى، وهذا ما يدعو إلى سرعة تعديل التشريعات الناظمة للعمل الصحفي والإعلامي، للتقليل من التعسف في استخدام السلطة، واستغلالها من قبل موظف إداري غير مستقل.

 

حجب موقع "عمان نت"، وإيقاف برنامج إذاعي انتقد المفتي، والتدخل في فضائية أردنية ومنعها من بث تقرير حول الأمن في المولات، لا ينفصل عن الواقع المؤلم للحريات العامة في البلاد؛ فالحق في الرأي والتعبير، يتعرض لانتهاكات من طرف السلطات، وهذا ما يؤثر على المساحة العامة في البلاد قبيل الانتخابات البرلمانية.

 

إن مصادرة الحق في الرأي والتعبير، ما هو إلا انتهاك لكل منظومة حقوق الإنسان، حيث أنه الحق الذي يقود لإعمال حقوق أخرى، كالحق في المعرفة، والتعليم، والحق في البحث العلمي، والإبداع الأدبي، والفني، والثقافي، والحق في الحصول على المعلومات، والحق في مخاطبة السلطات العامة، والحق في الاجتماع، وهو الحق المجاور لحرية الاعتقاد، والقيام بشعائر الأديان، وحرية الصحافة والطباعة والنشر، وحرية الإنترنت، وغيرها.

 

إن الاستمرار في إغلاق المواقع المستقلة وحجبها، وتكميم الأفواه المخالفة لتوجهات الحكومة، وتكسير الأقلام الناقدة، وإغلاق الفضاء العام، سيدفع البلاد نحو الهاوية

 

أضف تعليقك