المرشحون والاعلام هدوء يسبق العاصفة

المرشحون والاعلام هدوء يسبق العاصفة
الرابط المختصر

على الرغم من أن للإعلام اليد الطولى في الإطاحة بمجلس النواب الخامس عشر وإخراج النواب السابقين من تحت القبة بعد جولات من الصراع بين السلطة التشريعية والسلطة الرابعة وصلت إلى حد امتناع بعض وسائل الإعلام عن تغطية أخبار المجلس وقيام المجلس بتقييد حركة الصحفيين في أروقته واتهامه لبعضهم بأنهم أقلام مأجورة، إلا أن أحدا من المرشحين للمجلس السادس عشر لم يتنبه إلى خطورة وخصوصية العلاقة بين هاتين السلطتين، فخلت جميع شعارات المرشحين من أي إشارات إلى إستراتيجية المرشح أو رؤيته إزاء الإعلام باعتبار أن الإعلام ومجلس النواب سلطات تلتقيان في هدف الرقابة من اجل المصلحة العامة وحفظ حقوق الناس.

ربما يكون الأمر تحاشيا من المرشح للدخول في قضايا الإعلام الحساسة، خوفا من غضب الإعلاميين عليه مما يعرضه لخطر الإخفاق في الوصول إلى المجلس السادس عشر، فمن هو المرشح القوي المستعد أن يشرح رؤيته الواضحة إزاء الإعلام وقضاياه عندما يصبح نائبا من حيث تعامله كنائب مع وسائل الإعلام ودفاعه عن حرية الإعلام وتعديل القوانين والتشريعات بما يسهم في تطور الإعلام الأردني.

إن العلاقة السائدة الآن بين المرشحين والإعلام هي علاقة ناعمة باعتبار أن الطرفين يجتمعان على مصلحة واحدة هي الإعلان فكل مرشح يريد أن يروج له بالطريقة التي يراها تليق به في وسائل الإعلام، وبعض وسائل الإعلام في ذات الوقت تهرول وراء العوائد من الإعلانات باعتبار ذلك موسما لا يجوز تفويته للحصول على دخل مالي، فنشاهد في معظم وسائل الإعلام صور المرشحين وشعاراتهم النارية، مع طبل وتزمير لمن يدفع أكثر.

لكن العلاقة بين الإعلام ومن سيفوز من هؤلاء المرشحين ستنقلب رأسا على عقب وسيعود الصراع بين الطرفين بعد أن تنتهي جلسة افتتاح الدورة الأولى للمجلس السادس عشر التي يقدم فيها الملك خطاب العرش السامي، إذ لن ينسى المرشحون الفائزون هرولة بعض وسائل الإعلام ورائهم للحصول على الإعلان معتقدين أن لهم فضلا كبيرا على الإعلام لذا لا سلطة للسلطة الرابعة عليهم. في حين لا يمكن لوسائل الإعلام أن تقف مكتوفة الأيدي أمام نواب سيتجاهلون الإعلام عند دخولهم المجلس وهنا ستبدأ المعركة وكل طرف سيكشر عن أنيابه.

إن معالم المعركة القادمة بين الإعلام والمجلس النيابي السادس عشر ستبدأ حيث انتهت آخر جولة صراع مع المجلس الخامس عشر، فستعود إلى الواجهة اتهامات النواب للإعلام انه يحتوي أقلاما مأجورة، في حين سيبدأ الإعلام بالترصد لامتيازات النواب الجديدة وسيتحدث عن الامتيازات الموجودة أصلا، وكل هذا يحدث والحكومة تتفرج وتمرر ما تشاء من القوانين لإقرارها في البرلمان. وسيكون هذا امتدادا لجولات المعارك الإعلامية النيابية التي اشتدت حينما لجأ رئيس مجلس النواب السابق عبد الهادي المجالي إلى رفع دعوى قضائية ضد الكاتب خالد محادين الذي كتب مقالة بعنوان مشان الله يا عبدا لله التي انتقد فيها مجلس النواب وناشد الملك عبد الله الثاني أن يحله، ولم يستطع النواب في تلك اللحظة التعامل مع الموقف فخرجت كثير من التصريحات لنواب التي تبرأت من الدعوى المرفوعة، فعلى سبيل المثال أعلن آنذاك عبد الرحيم البقاعي الناطق باسم كتلة الإخاء الوطني أن الدعوى لا تمثل موقف الكتلة، في حين قال بعض النواب أنها ليست دعوى قضائية إنما طلب من النيابة العامة بالتحقيق فيما نشر باعتباره يمس بهيبة المجلس كما صرح آنذاك محمد عواد الناطق باسم كتلة التيار الوطني التي ضمت (54) نائبا في المجلس السابق مما يدلل على تخبط النواب إزاء هذه الحادثة.

وبلغت حساسية الموقف ذروتها حينما قاطعت الصحافة المجلس جراء اتهام نواب فيه بعض الصحفيين بأنهم أقلام مأجورة ولم ينتهي الأمر عند ذلك بل اتفق النواب على فرض ضريبية 5% بالمئة على واردات الإعلانات لوسائل الإعلام مما أثار حفيظة وسائل الإعلام وأجج الأمر بين الطرفين مما حدى بالمجلس إلى التراجع عن فرض الضريبة التي قالت الصحف إنها استهداف مباشر من النواب للصحافة التي تفضح الامتيازات المقدمة لهم.

بكل الأحوال هذا المشهد لا ينذر ببشائر الخير في العلاقة القادمة بين مجلس النواب السادس عشر والإعلام خاصة أن بعض الوجوه من النواب السابقين الذين اصطدموا مع الإعلام يعودون الآن مرشحين وقد يعودون إلى مكاتبهم في العبدلي.

الخطير في الأمر أن هذه الأجواء ستدفع بعض وسائل الإعلام وإعلاميين لمحاولة فرض سيطرتهم على مجلس النواب وهذا يخالف في حقيقة الأمر دور الإعلام الرقابي على المجلس، والخطر في ذلك أن المجلس لو استجاب لهذه المحاولات سيصبح أداة تابعة، وإذا استطاع المجلس أن يتمرد على الإعلام فهناك أمران لا ثالث لهما إما استخدام الاحتواء الناعم للإعلام وهنا سيفعل المجلس ما يشاء فلا خوف من إعلام تم احتواءه وإما أن تشتعل النار مرة أخرى فتكون المفاجأة في حل المجلس كما شهدنا في المرة السابقة، أي بالمحصلة الأمر لن يتعدى صراع السيطرة بأي ثمن.

وهذا المشهد الخطير يتطلب من المرشحين أنفسهم أن يقدموا في برامجهم الانتخابية رؤية واضحة للعلاقة السليمة بين السلطة الرابعة التي تراقب السلطات الثلاث وبين السلطة التشريعية التي تراقب السلطة التنفيذية (الحكومة)، كما أن الإعلام مطالب بضرورة إجراء مراجعة دقيقة لطبيعة العلاقة التي يجب أن تربطه بمجلس النواب القادم كي لا تكون العلاقة كما كانت في السابقة فعل و رد فعل والمظلوم في هذه الأجواء هو المواطن الأردني الذي حرم لمرات عديدة من أخبار مداولات المجلس، لان الإعلام تخاصم كثيرا مع النواب فحجب التغطية على جمهوره مما اسعد النواب السابقين، أي أن الإعلام انتقم من الجمهور ومن نفسه قبل أن ينتقم من النواب.

أضف تعليقك