المراكز الصحية في إربد.. تدني جودة الخدمة يضرّ بالمنتفعين

الرابط المختصر

تتردد أم محمد على مركز ابن سينا الصحي الأولي، وسط مدينة إربد، لصرف العلاج الشهري لوالدها الستيني الذي يعاني من مرض القلب، لكنهم في مرات كثيرة، يزودونها بأدوية بديلة، تخلف آثارا جانبية عديدة لدى والدها، قائلة "أعطونا أدوية بديلة وما نفعت مع أبوي".

 

في هذه الحالة، تضطر الأسرة إلى شراء الأدوية على حسابها الخاص، رغم أن الوالد مشمول بالتأمين الصحي، لكن عدم توفر الأدوية في صيدلية المركز الصحي يزيد العبء عليهم، وخاصة أن المريض بحاجة إلى 5 أنواع من الأدوية لأمراض مزمنة شهرياً، ما يزيد كلفة العلاج، إذ تقول أم محمد أن ردّ الصيدلية الأكثر تكراراً أصبح "اشتروه من برا".

 

ولا تقتصر المشاكل التي يواجهها المراجعون على عدم توفر الدواء، إذ تؤكد أم محمد أن العيادات تعاني من الاكتظاظ، وخاصة عيادات الأسنان.

 

ويقرّ مدير مديرية الصحة السابق في محافظة إربد الدكتور قاسم مياس، الذي وثق معدّ التقرير رده قبل نقله من منصبه، بأن مديرية الصحة تتلقى شكاوى يومياً بشأن نقص الأدوية، وعدم توفرها في بعض المراكز الصحية، لكن يتم تأمين النقص الحاصل من المستودعات، وفي حال عدم توفرها يتم صرف البديل، أما إذا لم يتوفر البديل، يقوم الأخصائيون في المستشفيات بصرفها على حساب التأمين الصحي إذا كانت مقررة.

 

هذا ما يؤكده أيضا الدكتور رياض الشياب، مدير مديرية الصحة في محافظة إربد، الذي استلم منصبه في الرابع والعشرين من حزيران الماضي، موضحاً أن مديرية الصحة تعمل على صرف الأدوية وخاصة العلاجات الشهرية للمرضى المصابين بأمراض مزمنة للمراكز الصحية بعدالة، وبما يضمن وصولها إلى مستحقيها دون هدر للموارد.

 

ورصد معد التقرير شكاوى المنتفعين من خدمات المراكز الصحية في ألوية محافظة إربد، بشأن سوء الخدمات المقدمة من المراكز الصحية، ونقص في المعدات الطبية والكوادر البشرية، بالإضافة إلى تأخر حصولهم على الخدمة، ما يضطرهم للذهاب أكثر من مرة، أو مراجعة أقرب مستشفى.

 

وتوفر مراكز الرعاية الصحية الشاملة في محافظة إربد خدمات الطب العام، أطفال، أسرة، أمومة، أسنان، أشعة، مختبر، مختبر أسنان، مطاعيم، نسائية، باطني، جلدية، عظام، وليس بالضرورة أن يحتوي كل مركز على ذات الخدمات، في حين تقدم المراكز الأولية خدمات الطب عام، أمومة، أسنان، مختبر، مطاعيم، أما المراكز الفرعية تشمل الطب العام، أمومة، ومطاعيم.

 

 

تدني جودة الخدمات الصحية

 

يبلغ عدد المراكز الصحية في محافظة إربد 11 مركزا شاملا، بالإضافة إلى ثلاثة مراكز صحية جاهزة لتحويلها إلى مراكز شاملة ليرتفع العدد إلى 14 مركزاً بعد صدور قرار وزير الصحة بشأنها، و78 مركزا أوليا و22 مركزا فرعيًا.

 

يؤكد الناشط في مجال الرعاية الصحية عبدالله حناتلة، أن حق المريض في الحصول على الخدمة لا خلاف عليه، لكن الأهم هو نوعية وجودة الرعاية الصحية التي يحصل عليها المراجعون في تلك المراكز الصحية، وهناك تفاوتا في نوعية الخدمات المقدمة وجودتها، ووفرتها وقربها من المرضى. على حدّ قوله.

 

تعليق حناتلة، جاء ردا على إفادات وثقها التقرير، تتعلق بجودة الخدمات الصحية، إذ يروي نضال المصري، عن تعامل الطبيب العام في مركز صحي الحسين في لواء قصبة إربد، الذي يتردد عليه بقوله: "بحكيلك شو عندك ومن إيش بتشكي، بكتبلك الوصفة الطبية وبحكيلك اصرف العلاج من الصيدلية بدون كشف على حالة المريض". مشيراً إلى مكوثه وقتا يتراوح من نصف ساعة إلى ساعة في الانتظار قبل الدخول عند الطبيب، رغم عدم وجود اكتظاظ في ذلك المركز، كما أن هناك عدم التزام من قبل الأطباء في عياداتهم خلال وقت الدوام الرسمي.

 

ورغم أن المصري يراجع المركز الصحي عادة لصرف دواء "ثيروكسين"، لعلاج الغدة الدرقية وأدوية لأمراض مزمنة أخرى، لكنه يضطر إلى شرائه من الخارج في مرات كثيرة.

 

لكن مياس يوضح البروتوكول الذي يجب اتباعه للكشف على المريض من قبل الطبيب المختص في المراكز الصحية، بالاطلاع على السيرة المرضية للمريض، ومن ثم بدء الفحص السريري واتخاذ قرار بتحويله إلى الأشعة أو المختبر لإجراء الفحص المطلوب للتحقق أكثر حسب حالته، وأخيرا صرف العلاج المناسب، مع مراعاة الوقت الكافي لهذه الإجراءات، لكن الأعداد الكبيرة التي تزور المراكز الصحية قد تقلل الوقت الممنوح لكل مريض، بحسب مياس، مشيراً إلى أن الطبيب الذي يستقبل 200 حالة يوميا ليس مثل الطبيب الذي يستقبل 50 مراجعا فقط، لكنه يرى أن تشخيص الحالة أهم من صرف الدواء، لأن التشخيص الصحيح هو العلاج للحالات المرضية، مبديا استغرابه من وجود هذه التصرفات، لافتا إلى أن أطباء يقطنون في ذات المنطقة، ويعرفون السيرة المرضية للأشخاص، وفور مراجعتهم لهم يقومون بصرف العلاج المناسب لهم بناءً على حالتهم.

 

ولم ترد المديرية أي شكوى بشأن أطباء لا يقومون بالفحص، وفقا لمياس، وفي حال ورود شكاوى، تقوم مديرية الصحة باتخاذ الإجراء المناسب من خلال إرسال أشخاص إلى المركز، والتحقق من كيفية علاج الطبيب لهم، أو الكشف عليهم قبل صرف الدواء المناسب لحالتهم، وإذا ثبت الأمر، يتم اتخاذ الإجراء الإداري المناسب، أو استدعاء الطبيب إلى مديرية الصحة والتحقق من الشكوى، مشيرا إلى أن العقوبات تتراوح ما بين التنبيه والإنذار وحسم الراتب وحجب الحوافز، الأمر ذاته أكده الشياب، بأن لا شكاوى بهذا الشأن وردت المديرية منذ استلامه عمله فيها.

 

حناتلة يبين أن وزارة الصحة تعتبر أكبر مقدم لخدمات الرعاية الصحية الأولية في الأردن، ووجود بعض الممارسات الفردية قد تؤثر على جودة الخدمات، مشيرا في الوقت ذاته إلى ضرورة وجود أشخاص مؤهلين لتقديم هذه الخدمات وفق البروتوكولات الطبية المتبعة، وما دون ذلك يعد انتهاكا لحق المريض في العلاج.

 

"وزارة الصحة أكيد بتراقب المراكز الصحية والأطباء، ولكن صعب تحط مراقب على كل طبيب، وبحال لم يكشف الطبيب على المريض، ويصف العلاج له قبل التحقق من حالته وإرساله للمختبر في بعض الحالات تعتبر جريمة في حال عدم معرفته، وبحال كان يعرف تعتبر خيانة أمانة"، يقول حناتلة.

 

وبهدف تقديم رعاية صحية أفضل للمواطنين، تمّ تفعيل برنامج تعليمي في مديرية الصحة لتدريب الأطباء الجدد بواسطة الأطباء الأخصائيين، من أجل إكسابهم المزيد من الخبرة، وخاصة بما يتعلق بكيفية التعامل مع المرضى واستقبالهم، والكشف على الحالات وصرف العلاجات المناسبة بكل كفاءة واقتدار، عن طريق المحاضرات التوعوية والتدريب المستمر. كما يوضح الشياب.

 

ضغط على الخدمات

 محمد علي يروي معاناته في مركز صحي المزار الشمالي الأولي، الذي يشهد اكتظاظا بالمراجعين، مشيرا إلى أن المرضى يبدأون بالتوافد إلى المركز منذ ساعات الصباح الأولى للحصول على دور.

 

ويكمل علي: "المركز يعاني نقصا في الأدوية، ما في غير ريفانين وكبسولات، ودوام الأطباء مش كامل وتعامل الكوادر العاملة فيه تقول داخل على مغفر".

 

ولتحسين الخدمات، يطالب مواطنون في إربد بتحويل بعض المراكز الصحية الأولية إلى شاملة، وتمديد ساعات الدوام لاستيعاب كل الحالات المرضية، والتعامل معها بشكل أمثل، ودمج مراكز فرعية قريبة من بعضها لتصبح أولية، وبخدمات أكبر ووقت أطول، ليتمكنوا من الحصول على الرعاية الصحية المناسبة كونهم في مناطق بعيدة عن المستشفيات وخاصة المراكز في لواء بني كنانة ولواء بني عبيد، بينما يؤكد مياس بدوره، أن المراكز الصحية في المحافظة تغطي احتياجات جميع المناطق، وتسهم في تخفيف الضغط عن المستشفيات، إذ تقدم خدماتها الأولية والشاملة بالإضافة إلى صرف الأدوية، ويتم تزويدها بالكوادر البشرية حسب الحاجة وضغط العمل، وكذلك المعدات الطبية والخدمات، مع سهولة الوصول إليها بواسطة المواصلات، أما بشأن تحويلها إلى شاملة، فهناك معايير محددة للتحويل وتشترط موافقة الوزير، وفقاً لتوضيحه.

 

تشتت الالتزامات

"موظف بقوم بدور المحاسب والصيدلي وأكثر من شغلة بنفس الوقت في حال غياب الصيدلي أو المحاسب، وما في التزام بالدوام الرسمي، وإذا راجعت المركز وقت الظهر أو قبل الساعة 12 بتلاقي الموظفين بلشوا يروحوا كمان"، هكذا يصف أبو عبدالله حال مركز صحي البارحة الأولي، قائلاً: "كثير أوقات كنت أروح الظهر وما ألاقي إلا عاملة النظافة بالمركز".

 

وتكرر الأمر مع أبو عبدالله لدى مراجعته لعيادة الأسنان في ذات المركز ويجدها مغلقة، بسبب التزام الطبيب بالصحة المدرسية، ما يضطره إلى الانتظار والتردد أكثر من مرة إلى العيادة لإيجاد الطبيب، لأن وضعه المادي لا يسمح له بالذهاب إلى طبيب خاص، وخاصة أنه منتفع بالتأمين الصحي، ما دفعه إلى تقديم شكوى لوزارة الصحة، لكن لم يتخذ أي إجراء، ولم يعاود أحد الاتصال به، كما يقول لمعد التقرير.

 

ويعزو مياس عدم تواجد الطبيب في بعض المراكز الصحية طوال الوقت، إلى التزامه بالدوام في أكثر من مركز، نظراً لوجود مراكز فرعية في محافظة إربد، إذ تكون ساعات دوام الأطباء فيها من ساعتين إلى ثلاثة. 

 

ويؤكد الشياب على ضرورة التزام الأطباء بدوامهم حتى في المراكز الصحية الفرعية، مشيراً إلى تشكيل 12 فريقاً للتفتيش على المراكز الصحية خلال الأسبوع الماضي، بهدف ضبط الدوام وضمان التزام الكوادر الطبية والإدارية بالدوام الرسمي، من خلال الرقابة على سجلات الدوام بشكل دوري، وتفعيل الموظف الخفي الذي يعمل على تقييم الأداء وتجويده، بما يضمن النهوض بالقطاع الصحي في إربد. على حدّ قوله.

 

أما مسؤول وحدة الإعلام في وزارة الصحة، عمار السويطي، يقرّ بضرورة الرقابة المستمرة على سجلات الدوام في المراكز الصحية من قبل مدير الصحة، مؤكداً أنه لم ترد أي شكاوى حول عدم التزام الأطباء في دوامهم بالمراكز التي يعملون بها، وأن مدير كل مركز صحي حريص على أن يكون الدوام وفق ساعات الدوام الرسمية، أما الشكاوى يتم التحقق منها ومتابعتها من خلال مدير الصحة المعني، وإن ثبتت المخالفة تتخذ الإجراءات اللازمة بحق المتجاوزين، لكن إربد كباقي المحافظات، تعاني من نقص في أطباء الاختصاصات النادرة، كالقلب والأعصاب، وهذا النقص يتم تغطيته من خلال التحويل إلى المشافي.

 

تخفيض الموازنة

 يقر مدير مجلس محافظة إربد عمر مقابلة بوجود ضغط كبير على الخدمات في المحافظة، وضعف في البنى التحتية، مشيرا إلى حاجة العديد من المباني للصيانة والتحديث وإنشاء أخرى في قطاعات عديدة من بينها الصحة.

 

وكان مجلس المحافظة قد أقر موازنة العام الحالي وبلغت 24 مليون دينار، قبل أن يتم تخفيضها بداية العام بنسبة 64 %، ثم جرى تخفيضها مؤخرا بنسبة 50% بسبب جائحة كورونا لتصل إلى 4 ملايين دينار فقط، وهي لا تكاد تكفي لسداد ديون مشاريع عام 2019 التي يجري العمل عليها في الوقت الحالي، واصفا موازنة المجلس بـ"شبه صفرية".

 

تخفيض الموازنات لا يحقق المتطلبات الأولية والمشاريع الخدمية في المحافظة التي يبلغ عدد سكانها نحو مليوني نسمة، وفق المقابلة، ويؤكد أن إربد من المحافظات الكبرى في المملكة ويجب النظر إليها بشكل مغاير عند إعداد الموازنة العامة للنهوض بالبنية التحتية المهترئة، وخدمة المواطنين وتقديم الخدمات اللازمة لهم بما فيها إنشاء وصيانة وتحديث المراكز الصحية.             

                           

وتدار خدمات الرعاية الصحية الأولية في الأردن من خلال 676 مركزا صحيا، منها 102 مركزا شاملا و380 مركزا أوليا و194 مركزا فرعيا، بحسب بيانات وزارة الصحة الأردنية.

 

ويوصي المركز الوطني لحقوق الإنسان في تقريره الصادر عام 2018، بأهمية تحويل المراكز الصحية الأولية والفرعية إلى مراكز صحية شاملة، نظرا لأهميتها في اكتشاف الأمراض في مرحلة مبكرة ومساهمتها في تخفيف الضغط عن المستشفيات.

 

وتنص الفقرة (1) من المادة 25 في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: "لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحق في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه".

 

*بدعم من منظمة صحافيون من أجل حقوق الإنسان JHR