المرأة المهمشة في قطاع تكنولوجيا المعلومات إنتاجا واستهلاكا

صحيح ان تكنولوجيا المعلومات أعادت تعريف الزمان والمكان، إذ أصبح بوسع الناس العمل من أي مكان وفي أي وقت، مما يفترض ان يتيح المجال للمرأة المساهمة بشكل اكبر في هذا المجال،

غير ان واقع الحال ليس كذلك. فقطاع تكنولوجيا المعلومات لا يزال ذكوريا بامتياز، إنتاجا واستهلاكا، والخطر الاكبر يكمن في تهميش النساء في هذا القطاع الحيوي الذي بات الرافعة الأساسية للاقتصاد والعامل المؤثر بشدة في المتغيرات الاجتماعية.

في بحث لصندوق الأمم المتحدة لتنمية المرأة بعنوان "المرأة الأردنية في فضاء تقنيات المعلومات والاتصالات" لعام 2004، وجد أن المرأة تشكل 28% فقط من إجمالي القوة العاملة الأردنية في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات".

تعتقد ريم، وهي عاملة في هذا المجال، ان السبب في قلة عدد النساء العاملات في هذا القطاع يعود الى اصحاب العمل، فتقول: "أولا يشكون في قدرات الفتاة، وإذا أردت ان أثبت قدرتي في مسألة لا أعطى الفرصة وعلي أن أستمر في الإقناع حتى أستطيع إثبات قدرتي على عملها".

والامر نفسه تؤكده هنادي، مبرمجة ومصممة مواقع في إحدى الشركات، فتقول: "اذا كان العمل يتعلق بالبرمجة فهم (اصحاب العمل) دائما يفضلون الشباب يعتقدون انه ثقة أكثر، وان الشاب يبرمج أفضل من الفتاة".

وصاحب عمل لا يحاول مجرد تلطيف الامر، فيؤكد بثقة على رأي ريم، ويقول: "طبيعة عملنا تتطلب شغل خارجي، وانتقال من منطقة لأخرى، وتأخير لفترات طويلة، لهذه الأسباب نفضل تشغيل الشباب".

ويضيف: "بشكل عام قلة من الفتيات يتقدمن لهذه الوظيفة، أنا أحبذ الشباب للوظيفة ولا أفضل عمل البنت في هذا المجال حتى لو لم يكن عندها مشكلة لأني لست مقتنع ان الفتاة ستعمل تحت هذه الظروف، ولأن هناك زبائن لا تتقبل هذا الوضع".

هل يختصر هذا الرأي كل الكلام الممكن ان يقال في تهميش المرأة وإبعادها عن العمل في هذا القطاع؟ بالطبع لا، فهنالك اسباب اخرى تجعل عدد النساء اقل، فالامية المستشرية بين صفوف النساء، بخاصة في المناطق الفقيرة، في الارياف والمخيمات والبوادي ومناطق السكن العشوائي، هو سبب مؤثر ايضا، كما هو الامر مع مستوى التعليم الذي تناله الفئات الفقيرة في المدارس الحكومية او تلك التابعة لوكالة الغوث. فالمعروف ان هذا القطاع يحتاج الى معرفة واسعة باللغة الانكليزية، وهي لغة لا تعطى العناية المستحقة في مدارس الفقراء، وكذلك الحال مع تعليم المهارات المتعلقة باستخدام الكمبيوتر. واخيرا فان هناك سببا اخر وهو الفقر الذي يحرم المرأة خصوصا من امتلاك حاسوب خاص بها تستطيع بواسطته تطوير مهارتها في العمل، ناهيك عن التقاليد المحافظة التي تمنع المرأة من الخروج وارتياد مقاهي الانترنت او المراكز الثقافية كي تستخدم الحاسوب.

والحال، ان التقاليد المحافظة هذه تفعل فعلها ضد المرأة في أكثر من صعيد، إذ ان المجتمع يعتبر العمل في هذا القطاع "ليس لها"، والسبب قد يعود الى ما يحتاجه هذا العمل من وقت وجهد مطلوب من المرأة ان تخصص جله للعناية بالبيت او بالزوج او بأطفالها او بنفسها في اضعف الايمان وليس للعمل. وتقول هنادي في هذا: "عملي في الـ"أي تي" يؤثر على نظرة الناس لي، فقد سمعت كثيرين يقولون أن "هذا العمل ليس لك".

البعض يفضلونها!

ولكن هناك من يفضل تشغيل المرأة، بيد ان هذا التفضيل، يكون عندما يراد لها ان تعمل كمصممة فهي صاحبة الذوق الرفيع، القادرة على ابداع تصاميم جذابة وصبورة، اما البرمجة وهندسة النظم والأجهزة والشبكات وامن المعلومات وغيرها من المهن الاساسية في هذا القطاع، فهي للرجل.

يشير بحث الامم المتحدة الى أن الغالبية العظمى من النساء العاملات في هذا القطاع يعملن في الأعمال المساندة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، حيث أن 44% منهن يعملن في مجال تطوير البرمجيات والأعمال ذات العلاقة بالشبكة العنكبوتية، و27% منهن يعملن كمدخلات بيانات وموظفات استقبال، و11% فقط منهن يعملن في مجال الأجهزة وأمن الحاسوب وهندسة الشبكات ومديرات أنظمة ودعم فني.

يقول هاني، مدير التطوير التجاري في شركة ومسؤول عن قسم التحرير والتصميم: "في قسم التصميم عندي فتاتين، تلقيت طلبات من شباب لشغر هذه المواقع لكني اخترت الفتيات، وكان إبداعهما الفني عاليا جدا".

مضيفا: "هذا العمل يناسب الفتاة لأن مسائل الذوق فيها مطلوبة فالرجل ليس لديه طول البال كي يجلس وينسق ويقوم بالتصميم، ولا اعتقد أن الشاب سيكون بالمهارة التي تقوم بها الفتاة في الكثير من الاشياء".

وتقول هنادي: "في العادة طبيعة العمل هي التي تفرق، مثلا اذا كان برمجة يفضلون الشباب ويعتقدون انه ثقة أكثر، وان الشاب يبرمج أفضل من البنت بينما في مجال التصميم والألوان يختارون البنت أكثر فهم يفضلون ذوق البنات دائما".

اذا كانت هذه هي نظرة صاحب العمل للفتاة يصبح من السهل قراءة الارقام التالية، فالتقرير المشار اليه يشير الى ان النسبة العامة للمرأة العاملة في هذا القطاع في المؤسسات الرسمية والاهلية لا تتعدى 21% من نسبة الخريجات الجامعيات التي تصل إلى 52% من نسبة الخريجين.

المتزوجة لا تطأ الأرض الحرام

عندما تخرجت ريم من احدى الجامعات الأردنية بشهادة من قسم البرمجة، تقدمت لوظيفة لدى شركة كبرى، سئلت ما اذا كان لديها خططا للزواج والانجاب، فالمرأة العزباء هي المفضلة بينما المتزوجة لن يكون بإمكانها إيجاد موطئ قدم في هذه المهن، وان هي تزوجت وأنجبت عليها ان تدفع ضريبة كبيرة، وقت طويل في العمل وعناية بالبيت.

سهاد، متزوجة وام لطفلين، تقول: "الدوام الطويل والجلوس وراء الكمبيوتر طوال الوقت مشكلة للمرأة المتزوجة أكثر من الفتاة العزباء لأن البيت فيه الكثير من الالتزامات. بالنسبة لي أعوض ذلك بوجود الخادمة لكنني متأكدة لو لم يكن هناك خادمة لما استطعت التوفيق".

وتضيف: "هناك ضريبة فأطفالي لا يرونني كثيرا لكنني مضطرة للعمل لانهم يريدون مصروف فأحاول ان أوفق".

ولما، منسقة برامج، تشارك سهاد الرأي، فتقول: "أي امرأة متزوجة لا تستطيع العمل في هذا المجال في القطاع الخاص كون عندها مسؤوليات وبسبب ساعات العمل الطويلة في القطاع الخاص".

تمييز في السلم الوظيفي والرواتب

لا يكفي ان تجد المرأة حيزا لها في هذا القطاع على قلته، فهي الى ذلك تتعرض الى تمييز شديد في الراتب وفي التدرج الوظيفي.

يقول تقرير الامم المتحدة إن "غالبية النساء الأردنيات العاملات ضمن القطاع يحتللن المواقع الأقل رتبة في السلم الوظيفي، حيث أن 7% فقط من النساء هن من صناع القرار، بينما 2% منهن يعملن كمديرات مشاريع وقائدات لفرق العمل".

قد يكون لهذا الامر بعض الاسباب التي لا يتحملها اصحاب العمل، بل المجتمع الذي يحد من قدرة المرأة ومن تمكنها في اكتساب مهارات المهنة والصفات القيادية، فالمرأة في العادة لا تمتلك وقتها، بخاصة اذا كانت متزوجة وام او من اسرة محافظة. كما لا تستطيع النساء في بعض الفئات الاجتماعية التصرف بحرية في استخدام الحاسوب والانترنت، فالبعض ينظر الى هذا الجهاز والى الشبكة العنكبوتية بوصفهما شرا ومفسدة لا يجب على المرأة التعامل معها. وطالما ان الامر هكذا فكيف تستطيع المرأة الاطلاع على احدث المعلومات والبقاء مواكبة. وفي هذا تشير كل الاحصاءات الى تدني نسبة استخدام المرأة للحاسوب والانترنت قياسا في الرجل اذ لا تتعدى 4%، فهي اذا مهمشة استهلاكا ايضا، فكيف والحال هذه ستتمكن النساء من تطوير قدراتهن والوضع على ما هو عليه.

ما لا يمكن تبريره، فهو التمييز الذي يقع عليها من صاحب العمل في مساواتها بزميلها في الأجور والرواتب حتى لو كانت تؤدي نفس المقدار من العمل.

تقول هنادي: "بالنسبة للرواتب هناك شركات تقدم عروض جيدة، لكن العمل يكون منهك بالنسبة للفتاة والدوام يكون طويل نوعا ما، وتشعري ان هنالك فرق في الرواتب بين الشاب والفتاة، دائما يعطوا الشاب أكثر من البنت لا تعرفي لماذا؟ أنا عملت في شركة لمدة أربعة سنين كنت أتمتع بنفس الخبرة التي يتمتع بها زملائي الشباب إلا أن راتبي كان اقل منهم لأنه شاب ويعتبر ان مسؤولياته اكبر فبالتالي يأخذ ثلث الراتب زيادة".

والمشكلة ان هنادي تجد نفسها حائرة في هذا الوضع غير المفسر او المبرر حتى من قبل صاحب العمل الذي لا تجد لديه إجابة، وتقول: "ناقشت مديري، لكن إجاباته دائما تكون غير واضحة، ما في جواب واضح وصافي في هذا الموضوع، كان ردي بترك العمل لأني شعرت بالظلم لأني أشتغل زيادة ولا احد يقدر، كل هذا لمجرد كوني فتاة فقط".

واذ تؤكد نانسي وجود تفاوت في الرواتب لكنها تجد مبررا، وتقول: "هناك تفاوت في الدخل بين الشباب والفتيات لكن ليس كبيرا لان الشباب يتعبوا أكثر ويدفعوا أكثر لأنهم بسهروا وبتأخروا". ولكن أليس هذا المبرر او العذر اسوأ من الواقع الذي فرض على الفتاة نمط حياة على مقاس الرجل.

المرأة مسؤولة؟

بقي ان بعض النساء يعتقدن انهن مسؤولات الى حد كبير عن هذا الوضع، وهؤلاء يعتقدن ان المرأة لا تريد ان تعمل على تطوير نفسها او ان تكد وتجهد نفسها في قطاع مهني معقد من هذا النوع.

تقول هنادي: "البنات عددهن في هذا القطاع اقل بكثير من عدد الشباب، لأنهن خريجات حاسوب، وكونهن يجدن استخدام الحاسوب، يذهبن للعمل في أعمال السكرتاريا، لأنها أسهل ومريحة أكثر بسبب شعور الإنهاك والتعب في قطاع الـ"أي.تي"، بينما شغل السكرتيرة سهل وواضح".

عودة مرة اخرى الى تبرير واقع ظالم، فهل تمتلك المرأة حرية الخيار فعلا، بمعنى هل كان خيارها في ان تكون سكرتيرة نابعا من نفسها، ام ان المجتمع الذي يطالبها بأن تعيش حياتها كما يهوى الرجل هو من وضعها في هذا المسار الإجباري.

لما، منسقة برامج، ترى ان المرأة لا تمتلك الوعي بأهمية هذا القطاع، فتقول: "سبب عدم إقبال الفتيات على الـ أي تي ربما يعود لعدم الوعي بهذا القطاع، المجال ليس صعبا، بالعكس فمن خلال عملي أجد ان الكثير من النساء يبدعون في هذا المجال اكثر من الرجال". غير ان هذا الوعي لن يأتي طالما ان هناك تقاليد ترى ان المرأة لم تخلق للعمل في هذا القطاع، وطالما بقيت نسبة الامية بين النساء اكبر، فاكتساب الوعي هي عملية خارجية تتطلب تغييرا كبيرا في عقلية المجتمع وفي نظم التعليم.

بيد ان نجاح النساء بشكل عام في مهنة كهذه وتفوق بعضهن على الرجل لا يدع مجالا للشك في ان هذا الرأي ليس صائبا تماما، وحتى لو كان صائبا فان السيطرة الذكورية على المجتمع منذ قرون رسخت لدى المرأة نفسها صورة نمطية عن عقلها واستلبها كما يستلب الانسان الضعيف المحتاج دوما لحماية ما.

يبقى ان نقول ان كل الدراسات التي ناقشت تمكين المرأة في هذا القطاع وصلت الى اسباب واقعية مجتمعية اقتصادية. نلخص اهمها في التكاليف العالية لاستخدام التكنولوجيا المتقدمة، ارتفاع نسبة الامية ومعرفة اللغات بين الإناث، تدني قدرة الفقراء والفئات المتوسطة احيانا على استخدام التكنولوجيا واقتصارها على النخبة من المقتدرين اقتصاديا وذوي المهن الفنية، وتركز المستخدمين في المدن الرئيسة.

أضف تعليقك