المدونات: علاقة قطيعة مع وسائل الإعلام
قبل سنين شهد العالم طفرة كبيرة بدت كقنبلة تبشر بزلازل، ألا وهي ظاهرة المدونات.
وقد لعبت هذه المدونات دورا كبيرا في التأثير على وسائل الاعلام وخاصة في الغرب، كما شكلت واحدة من مصادر معلومات هذه الوسائل، إلا ان الامر لا يبدو كذلك في الاردن.
تعتقد ابتهال محادين واحدة من اشهر المدونين في الاردن ومسؤولة قسم المدونات في موقع البوابة ان الاردن لم يتأثر كثيرا بظاهرة التدوين على شبكة الانترنت، وتاليا عدم تأثر وسائل الاعلام بهذه الظاهرة.
وبالنسبة لابتهال فان اسباب عديدة جعلت من ظاهرة المدونات في الاردن بعيدة عن التأثير في الاعلام، اهمها ان اكثر المدونين في الاردن يأتون من الشرائح العليا في الطبقة المتوسطة والطبقة الغنية بسبب تمكنهم من اللغة الانكليزية والكومبيوتر وهؤلاء لهم هموم قد تجعلها بعيدة عن اهتمام وسائل الاعلام. وترى محادين ان اغلب الموضوعات التي تهم المدونين في الاردن هي قضايا تكنولوجيا المعلومات والهموم الشخصية والقليل من القضايا السياسية.
وعدا عن هذا فان ابتهال المراقبة لوضع المدونات ترى ان تركز ظاهرة المدونات في عمان وعدم انتشارها في مدن ومحافظات اخرى قد يكون من بين الأسباب التي حدت من العلاقة بين وسائل الاعلام والمدونين. وتضيف سببا آخر وهو عدم انتظام المدونين في الاردن ومثابرتهم في الكتابة اليومية وتجديد مواقعهم بشكل دائم ما يجعلها قليلة النفع كمصدر خبري او معلوماتي بالنسبة لوسائل الاعلام.
وترى إقبال ان المدونين في الاردن والذين لا يزيد عددهم على الألف مدون يتجنبون الخوض في القضايا السياسية او القضايا الخلافية الكبيرة، ولذلك فان احدا منهم لم يتعرض حتى الآن لأي مسائلة من قبل الحكومة.
هذه المسألة التي تثيرها ابتهال تبدو سببا جيدا ايضا لعدم تحمس وسائل الاعلام لاعتماد المدونات كمصرد اعلامي، فلماذا سيتم النقل عن هذه المدونات طالما هي لا تقل اكثر مما تقوله الوسائل الاعلامية الاخرى، فيما ان هذا الامر لا يبدو كذلك مع المدونات في بعض الدول العربية التي كسرت احتكار وسائل الاعلام للخبر وقدمت معلومات وكشف عن قضايا ما كانت وسائل الاعلام الاخرى قادرة على تناولها.
على ان من بين الاسباب الاخرى، هو ان المدونين الاردنيين المعروفين بمثابرتهم وجدية القضايا التي يتعاطونها موجودين خارج الاردن، وهو امر يحد كثيرا من قدرتهم على تشكيل مصدر للمعلومات بالنسبة لوسائل الاعلام.
على الرغم من ان الاردن حقق انتشارا كبيرا في مجال الانترنت الا ان ظاهرة التدوين بقيت اضعف مما هي عليه في بعض الدول العربية المجاورة، غير ان ما هو اهم من ضعف ظاهرة المدونات في الاردن هو غياب الأردنيين عما بات يعرف بـ"المواطن الصحفي"، فالى جانب عدم اهتمام المدونين بالواقع الذي يعيشونه وعدم تناولهم للكثير من القضايا السياسية او الاجتماعية او الخدمية وتركيزهم على المسائل الشخصية فان المدونات في الاردن لم تصل بعد الى حد تشكيل ظاهرة اعلامية والمدونون بعيدون عن كتابة تقارير تصلح كمادة اعلامية بعكس ما هو حاصل في دول اخرى. وفوق كل هذا فان ظاهرة المدونات في الاردن لا زالت بعيد ايضا عن استخدام الوسائل السمعية والبصرية كجزء من عمل "المواطن الصحفي".
وفي المقابل فان وسائل الاعلام المحلية لم تعط أي اهتمام يذكر للمدونات وقليلة هي التقارير او تكاد تكون معدومة، التي تناولت هذه الظاهرة، والسبب يعود الى عدم اكتراث وسائل الاعلام بهذه الظاهرة لاسباب مهنية وثقافية وعدم جدية ظاهرة المدونات في البلد.
غير ان الصورة لا تبدو قطعية بالكامل، فهناك علاقة ما نشأت بين الإعلام والمدونات تتمثل في اقبال عدد كبير من الكتاب والصحفيين على إنشاء مدونات لهم في مواقع محلية وعربية، مثل الكاتب يوسف غيشان وحلمي الاسمر وياسر ابو هلالة وباتر علي وردم وغيرهم، بيد ان اغلب هؤلاء الكتاب يستخدمون المدونات لاعادة نشر مقالتهم المنشورة في الصحف اليومية دون الارتقاء بهذه المدونات الى المعايير التي باتت تحكم عمل المدونين.
وهناك جانب آخر ظهر لهذه العلاقة فعندما وقعت تفجيرات فنادق عمان العام الماضي سارع بعض المدونين الى التعامل كصحفيين من خلال كتابة تقارير وانطباعات شخصية والتقاط صور، الامر الذي دفع باحد المواقع الانكليزية الى تجميع هذه المادة وإعادة نشرها. غير ان هذا الأمر لم يتكرر.
على أي حال، فان ظاهرة المدونات لم تعد تشكل تلك الظاهرة "المرعبة" او الغريبة، وما كان يقال عن تهديدها لوسائل الاعلام لم يعد امرا قائما، فظاهرة المدونات اليوم بدأت تنحو نحو "المأسسة" والالتزام بمعايير متشددة وتطبيق مواثيق اخلاقية نقلتها من الجانب العفوي الى نوع من المهننة. وفي الاردن فان المدونين، على الاقل المعروفين منهم، اوجدوا لانفسهم نوع من العمل المؤسسي من خلال الاجتماعات التي تعقد بين الحين والاخر، ويتم فيها مناقشة امور المدونات ووضع معايير اخلاقية ومهنية. هذا اضافة الى ان المواقع الاشهر في استضافة المدونات تفرض قيودا مشددة على المدونين وهو ما يحد من حرية المدون ويجعل عمله قريب مما تنقله الوسائل الاخرى.











































