المجتمع المدني والدولة والمسؤولية الاجتماعية

وصلتني يوم الثلاثاء  العديد من الرسائل عبر الايميل والتغريدات تدعوني للتبرع لمؤسسات مجتمع مدني في مناطق مختلفة من العالم. 

الأمر لم يكن صدفة.  فقد بدأ تقليد في العديد من الدول أهمها الولايات المتحدة بتخصيص يوم محدد لفكرة التبرع لمؤسسات مجتمع مدني تحت اسم giving Tuesday وهو الثلاثاء الذي يلي الجمعة السوداء black Friday اليوم الذي تخرج منه الشركات المتعثرة من كونها في الخسارة الى الربح اول ايام فترة شراء الهدايا لعيد الميلاد الموافق يوم الجمعة بعد خميس عيد الشكر في أواخر تشرين ثاني من كل عام.

فكرة التبرع لمؤسسات مجتمع مدني غير موجودة  في بلادنا حيث اننا معتادون على فكرة الفزعة.  نتبرع مرة واحدة عند وجود أمر طارئ لقريب او صديق او gفلسطين او غيرها وغالبا لامور انسانية مثل حاجة مريض مخطر الى عملية جراحية او دمار كما يحدث بسبب الاحتلال أو فاجعة انسانية معينة. ولكن فكرة التبرع لمؤسسات مجتمع مدني لا تزال غائبة عنا رغم اقرار العديد اهميتها و استقلاليتها ودورها في دعم المحتاج ماديا ومعنويا وقانونيا والإصلاح ورقي المجتمعات.

تعترف غالبية الدول باهمية المجتمع المدني وتوفر لها البيئة الدافئة للعمل من خلال تقليل الشروط البيروقراطية للتسجيل والعمل والتعاون معها كشريك وتوفير فرص نجاحها واستمرارها. وفي بعض الدول خاصة الاوروبية توفر ميزانية الدولة مبالغ محترمة لدعم تلك المؤسسات وذلك عن قناعة منهم على أهميتها في خدمة الأهداف المشتركة.

وفي الأردن نعاني من تناقض ما. فرغم الأقوال اللفظية المؤيدة للمجتمع المدني . خلال مراجعة سريعة على محرك جوجل يكتشف الباحث عدد كبير من اقوال جلالة الملك دعماً للمجتمع المدني وضرورة تفعيل دوره إلا أن موظفي الدولة على كافة المستويات من الوزراء الى المدراء و الموظفين العاديين غير مقتنعين وغير داعمين لعمل تلك المؤسسات. 

كما لا يشعر اي من اعضاء السلطة التنفيذية بأي ضغط باتجاه التعامل الإيجابي والفعال مع مؤسسات المجتمع المدني والتي يعتبرها البعض معيق لعملها رغم انها تقلل من كثير من معاناة الشعب وتوفر بيئة تدعم الحياة الكريمة للمواطنين والاصلاح وحقوق الانسان والدفاع عن المراة والطفل والبيئة وتوعية المجتمع في كافة الاتجاهات ومنها تقبل الآخر والتعامل الصحيح مع ذوي الإعاقات واحترام ضيوف الأردن والدعم القانوني لمن لايقدر والتوعية الصحية وتمكين المراة وغيرها. وقد تكون فترة الجائحة من أهم الفترات التي تحتاج الدولة دعم وتعاون والشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني المنتشرة في كافة أنحاء المملكة والتي تعمل في كافة القطاعات.

المشكلة ان التعامل مع مؤسسات المجتمع المدني لم تقتصر على عدم الاكتراث وغياب توفير البيئة القانونية والادارية لدعمها بل تعدى ذلك لخلق علاقة غير صحية تحاول من خلالها الجهات الرسمية السيطرة على بعض تلك المؤسسات بصورة مباشرة أو غير مباشرة وبطرق مختلفة منها على سبيل المثال لا الحصر استغلال انظمة وقوانين وضعت بالأساس لمنع دعم الارهاب وغسيل الاموال لكي تصبح أدوات بيد السلطة التنفيذية لمنع  بعض المشاريع وبعض المؤسسات المسجلة بصورة قانونية من خلال رفض السماح لتمويل مشاريع حيوية معظمها من دول صديقة توفر مئات الأضعاف مما توفره للمجتمع المدني لخزينة الدولة بصورة مباشرة. فما المنطق مثلا لرفض لتوصية لجان الدعم مشاريع متعلقة بالبيئة أو برفع الوعي الصحي وتمكين المرأة رغم أن تلك المشاريع قد تكون حظيت بموافقة وزارة الداخلية والجهات ذات علاقة؟ فمنع تلك المشاريع لا يحرم الدولة الاردنية مساعدات تخفف من الأعباء الحكومية في مجالات عديدة  فحسب ولكنها توفر فرص عمل لعدد كبير من الأردنيين الأمر الذي تطالب به الأردن مرارا بسبب ارتفاع البطالة خاصة بين خريجي الجامعات وهم الذين يحظى بأكبر الفرص للعمل مع تلك المؤسسات.

تستطيع الدولة الاردنية عمل الكثير لمعالجة الأمر منها التعامل مع مؤسسات المجتمع المدني حسب المعايير الدولية وقد بدأت وزارة التخطيط والتعاون الدولي هذا الأمر تمشيا مع توقيع الأردن لاتفاقية  شراكة الحكومات الشفافة open government partnership الا ان ذلك يبدو أنه توقف أو لم يتم إعطائه الأهمية التي كان قد حظي بها في قبل عام.

الامر الاخر الذي يمكن أن تساعد في الدولة الاردنية هو قيام كبار المسؤولين بالتصريح العلني والتعميم على كافة الجهات ذات علاقة بتشجيع عمل مؤسسات المجتمع المدني, اللقاء معهم ومع تحالفاتهم مثل هيئة "همم" التنسيقية لمؤسسات المجتمع المدني. كما من الضروري إجراء تعديل ضريبيا لتشجيع الشركات الخاصة التبرع لمؤسسات المجتمع المدني المرخصة من خلال توفير فرص خصم تلك التبرعات من ضرائبهم. 

إن المجتمع المدني في الأردن جزء لا يتجزأ من الدولة الأردنية وهو مكمل لعمل الحكومة ويقدم المساعدات الهامة للجميع الأمر الذي يتطلب اهتمام مشترك من الجميع.

 

أضف تعليقك