اللعب مع "العقارب"
خلال السنوات الثلاثين الماضية ، عبثت معظم دول الشرق الأوسط "الكبير" مع القاعدة وشقيقاتها من المنظمات السلفية الجهادية ، أو حاولت توظيفها بطريقة ما ، لفترة ما ، لغرض ما ، وفي كل مرة ، كانت عواقب "اللعب مع العقارب" قاسية للغاية ، وعلى طرفي اللعبة على حد سواء.
مناسبة هذا الحديث ، المآلات التي انتهى إليها تنظيم "فتح الإسلام" الذي
ظهر سريعا في مخيم نهر البارد "الشهيد" وجواره ، وخرج من التداول بسرعة
أكبر ، مخلفا وراءه كوارث محققة على "المخيم" و"الجيش" والحركة السلفية في
شمالي لبنان ، وعلى أعضائه وعوائلهم ، وعلى كل من اقترب منه أو عبث به أو
راهن عليه ، أو حاول توظيفه أو تحييده.
سوريا دفعت الثمن ، إذ وفقا لتقرير بثه التلفزيون السوري قبل يومين وفيه
شهادات واعترافات لمنفذي "عملية القزاز" على مقربة من حي السيدة زينب على
طريق المطار ، فإن منفذي العملية ينتمون إلى تنظيم "فتح الإسلام" ، وانهم
تلقوا دعما خليجيا وحريريا ، علما بأن خصوم سوريا في لبنان طالما أشاروا
بأصابع الاتهام إلى سوريا وتحدثوا عن صفحات من "التعاون" نشأت بين هذا
التنظيم والأجهزة الأمنية السورية ، وقبل أن يرتد السحر على الساحر على حد
تعبير هؤلاء ووسائل إعلامهم المعروفة.
الحركة السلفية في لبنان ، احتضنت "فتح الإسلام" ، ولم يمنع "الورع"
شيوخها من الكذب "تحت القسم" وهم يعلنون أن الجثة المعروضة عليهم كانت
لشاكر العبسي زعيم التنظيم ، وهؤلاء أنفسهم كانوا الوسطاء النشطين بين
التنظيم من جهة وأموال خليجية ولبنانية (تيار المستقبل) من جهة ثانية ،
قبل أن يتحول التنظيم إلى عبء عليهم وعلى جماعة 14 آذار ، ويشرع في
استهداف مناطق نفوذهم (تفجير عين علق) وبقتل أركانهم: النائب بيار الجميل
، وينقض على مشروعهم ، مشروع الجيش والدولة كما يطيب لهم أن يصفوه ، ويسعى
في تشكيل إمارة إسلامية ، تحت إمرته وقيادته ، ولا ندري الآن ، ما هي
خطواته التالية أو ما هي أهدافه القادمة ، مع أننا نعرف أن بعض أشهر رموز
السلفية اللبنانية فر من لبنان إلى السعودية هربا بجلده وخوفا على حياته ،
ليس من الحشود السورية فحسب ، بل ومن محاولات الانتقام "الجهادية" كذلك
التي قد تطال وتطاول آخرين.
الجيش اللبناني ، ومنذ تجربة الانقسام الكبرى في الحرب الأهلية اللبنانية
، لم يتعرض لضربة في الصميم كتلك التي تعرض لها على يد "فتح الإسلام" ،
وهي ضربة لم تكن حتمية لو أن جهات أمنية لبنانية رسمية ، لم تعبث مع
"التنظيم" ولم تسع في سبر أغوار توظيفه ولم تجهد لإزالة أية شواهد وصفحات
سوداء محرجة ، فتكون النتيجة ترك الجيش عرضة للمفاجأة الأكبر في حياته ،
فضلا عن الاغتيالات اللاحقة التي أطاحت بأبرز كوادره القيادية وكادت تطيح
بقائده الجديد.
لن ينتهي المسلسل عند هذا الحد ، فالحبل ما زال على الجرار ، وثمة أطراف
لبنانية وعربية أخرى ، ستدفع أثمانا مختلفة في أوقات مختلفة ، نتيجة
لعبثها و"لعبها" مع القاعدة وشقيقاتها ، فالمعلومات التي تتسرب عن
التحقيقات مع الخلايا والشبكات المختلفة ، تشير إلى "نوايا مبيتة" و"قدرات
كامنة" لدى "التنظيم" ، وأن ليس من الحصافة في شيء الاستخفاف بها.
والمؤسف حقا ، أن كثيرا من الأطراف المتورطة في اللعب والعبث مع "العقارب"
، لم تتعلم من تجارب سابقة لها أو لغيرها ، فقد دفعت المنطقة العربية
برمتها الأثمان الباهظة للعائدين من أفغانستان والشيشان والبوسنة وغيرها
من ساحات الجهاد ، وهذه الأطراف مرشحة أيضا لدفع أثمان لا تقل فداحة على
يد العائدين من العراق ، أو الهاربين من شمال لبنان الذين يعيدون انتشارهم
اليوم في بقاع شتى ، ودائما كنتيجة منطقية متوقعة لمحاولات توظيف هذه
الجماعات أو شراء حيادها.











































