القاضي: سحب الجنسية ضرورة لتثبيت الفلسطينيين

القاضي: سحب الجنسية ضرورة لتثبيت الفلسطينيين
الرابط المختصر

قال وزير الداخلية السابق نايف القاضي أنه وفي أثناء محاكمة السجين خالد شاهين وزملائه كان قد طلب منه كوزير للداخلية أن يخرج شاهين للعلاج في المستشفى ، مبيناً أنه كان يسمح بذلك على أن يعود تحت الحراسة المشددة.

واعرب القاضي في حوار مع يومية (الدستور) اجراه الزميل حسين العموش عن تفاجئه مثل كل الاردنيين بأن بعض الجهات الرسمية قد سمحت لشاهين بمغادرة المملكة للعلاج في الخارج وأضاف" أنا أعرف أن هذا الإجراء يحتاج إلى أساليب معقدة، والسؤال الذي بادرني هو: لماذا تم السماح لشاهين بالخروج ومغادرة البلاد وحده، مع أن الحالة الصحية لزميله الآخر في السجن كانت قريبة من حالته؟".

نص الحوار:

* كيف ترى ما يدور الآن من حراك اجتماعي وسياسي ومطالبات القوى والاحزاب بالإصلاح؟.

- لا يكاد يمر يوم إلا ونشاهد حراكا هنا أو هناك، وأنا أرى أن الحراك في الأردن أساسه اجتماعي أولا، ولكن تتوزع أسبابه بين عدة عوامل، يأتي في مقدمتها العامل الاقتصادي، الذي لا يمكن فصله عن العامل السياسي، وهو ما يعبر عن واقع المجتمع الاردني، ولكن كل هذا الحراك يرتبط بقدرة الحكومة والمواطنين على معالجة مشكلتي الإصلاح والفساد من الباب السياسي المفتوح المعرض لكل النتائج والاحتمالات، والأردنيون أكثر شعوب المنطقة تأثرا واشتباكا بين بعضهم بالشأنين الاقتصادي والاجتماعي، وهم بطبعهم متحابون متصالحون ويعرفون بعضهم بعضا، وعاداتهم متقاربة.

* ماذا عن دور الاحزاب؟.

- قبل وجود الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني كانت العشائر والجيش مدرستهم الأولى في الثقافة السياسية ببعديها القومي والوطني، وتعلموا فيها الانضباط والالتزام القومي والديني، وبعد ظهور الأحزاب عرفوا معاني الانتماء للوطن قبل العشيرة والقبيلة والولاء للعرش والنظام، وكان الأردنيون الأقدر على حل مشاكلهم التي تقع بينهم بأسلم الطرق وأقصرها مهما كانت كبيرة وخطيرة.

* هل كانت مطالبات الحراك الاجتماعي والسياسي تحتوي ما هو جديد؟.

- لا، لم يكن في هذا الحراك ما هو جديد، وهي مطالبات قديمة ومكررة، وقد وجدت هذه المطالب تجاوبا دائما من القيادة ومن الحكومات المتعاقبة وحسب الإمكانيات المتاحة، وظلت دعوات الإصلاح سلمية، وساعدت بعض الظروف على التسريع في تلبية المطالب الأساسية الداخلية التي تتماشى مع طبيعة المرحلة وتتأثر سلبا أو إيجابا مع التطورات التي حصلت في دول الجوار، ولكن الفرق بين مطالب الأردنيين ومطالب شعوب دول الجوار العربي أن مطالب الاردنيين تحقق الكثير منها خلال العقود الماضية، لكن مطالب غيرهم بدأت من الصفر، ولم تحقق إلا القليل، كما أن الأردنيين لم يتأثروا كثيرا بما حصل في مصر وتونس واكتفوا بنتائج لجنة الحوار الوطني، والإسراع في تنفيذ الإصلاحات، ومواجهة ملف الفساد والواسطة والمحسوبية للوصول إلى أردن عصري وقوي قادر على النهوض والمضي في طريق الديمقراطية وحفظ كرامة الإنسان والدفاع عن مصالح الشعب الأردني والامة العربية.

* إبان توليك وزارة الداخلية، قيل إنك أكثر الوزراء سحبا للأرقام الوطنية للأردنيين من أصول فلسطينية، وحدث حول ذلك ضجة كبيرة، وأشير إلى تدخلات من قوى من خارج الحكومة كانت تنتقد ما تقوم به في كل المواقع؟.

- نعم، كثر الحديث عن سحب الجنسيات من الأردنيين من أصول فلسطينية، ولكنني أقول إن ما أثير من تضخيم للقضية وخاصة في وسائل الإعلام في الداخل والخارج كان بعيدا عن الحقيقة ولا يعبر عن موقفي الشخصي والرسمي تجاه هذا الأمر، وأستطيع أن أقول من خلال جريدة الدستور، هذا المنبر الأردني الأصيل، إن ما قيل هدف إلى تشجيع بعض المواطنين من أصول فلسطينية للتخلي عن حقوقهم الفلسطينية وفي مقدمتها حق العودة والتعويض وتحريضهم على التقاعس عن التمسك بالهوية الفلسطينية والتجنس بأي جنسية غيرها تحت ذرائع تسهيل حياتهم ومعيشتهم.

* هل ترى أن في سحب الجنسية ما يحقق فوائد كبيرة للفلسطينيين؟.

- نعم، أرى ذلك تماما، بل أراه ضرورة لتثبيت الفلسطينيين في أرضهم للحفاظ على وجودهم، وبقاء الفلسطينيين في خارج فلسطين هو تضييع لحقوقهم في فلسطين، وسأورد معلومة مهمة تتحدث عن اخراج مئة وأربعين ألفا من الفلسطينيين من القدس وحدها، ما يعني تأكيدا لما تريده إسرائيل من تفريغ للأرض من سكانها الأصليين، ولكن ما كنا نقوم به كان يتم تشويهه، واتهمنا اتهامات باطلة، ومورست ضدنا اغتيالات شخصية كنا بعيدين عنها كل البعد.

* هل يستند هذا الرقم الذي ذكرته إلى إحصائية رسمية؟.

- هو إحصائية رسمية موثقة، ولك أن تعلم أن إسرائيل أدخلت مكانهم ما يفوق هذا العدد من مستوطنين منحتهم البيوت والأراضي والحوافز للإقامة في القدس ضمن مخطط إسرائيلي لا يخفى على أحد، والمثال الذي تحدثت عنه هو في القدس فقط، وهناك محاولات إسرائيلية مستمرة لتفريغ الارض من سكانها وأبنائها الفلسطينيين، ما يعني أن خروج أي فلسطيني وتخليه عن جنسيته يعني بالضرورة تحقيق مطامح إسرائيل. لقد كانت إسرائيل وما تزال تمنع الفلسطيني الذي يخرج من فلسطين ولا يجدد تصريح إقامته هناك من العودة مجددا إلى فلسطين، وكل ما كنا نريده هو عودة الفلسطيني إلى هناك وتجديد تصريحه وتثبيت وجوده كمواطن فلسطيني تحت الاحتلال ومن ثم العودة إلى الأردن والحصول بعد ذلك على الرقم الوطني.

* هل كانت الأمور بهذا الوضوح لكل من تم سحب جنسيته؟.

- نعم، كنا ننصحهم بالعودة وتثبيت حقهم كفلسطينيين في فلسطين، لكنهم كانوا يستمعون لمن يقول لهم «إن بقاءكم في الأردن أفضل لكم، وان الأردن سيكون وطنكم النهائي»، وهم بذلك يلتقون مع جملة التقارير التي أشارت عام 1966 الى أن حكومة المرحوم وصفي التل قد أبدت مخاوفها من ترتيبات أمريكية ضد الأردن سقطت الضفة الغربية بعدها بأقل من سنة بعد حرب حزيران، وتبع ذلك تقارير ومعلومات حول عرض قدمته الولايات المتحدة الأمريكية عام 1977 إلى القيادة الفلسطينية بتحويل الأردن بالتدريج إلى وطن بديل.

إن إبراز الهوية الفلسطينية وتكريسها هو هدف أردني فلسطيني مشترك، والتنازل عن هذا الحق هو إسقاط لركن أساسي من قائمة الحقوق الفلسطينية المغتصبة، وإن الاعتراف بالهوية الفلسطينية هو اعتراف بالدولة الفلسطينية المنشودة، والتخلي عن ذلك يصب في النهاية في مصلحة إسرائيل واستراتيجياتها في المنطقة.

وقد قامت الحكومات الأردنية بتنفيذ المطالب الفلسطينية والعربية بهدف دعم القضية الفلسطينية، وتمكينها من بناء هويتها المستقلة وعاصمتها القدس، وواصلت الحكومات الأردنية التنسيق مع القيادات الفلسطينية ودعم مواقفها في كافة المواقع.

* أنت أكثر وزير داخلية أثيرت حوله أقاويل عن سحب الجنسيات رغم أن كل وزارء الداخلية الذين سبقوك والذين جاؤوا بعدك قاموا بما قمت به، فبماذا ترد؟.

- كل ذلك لا يعنيني، لقد كنت أطبق القانون والنظام، وكنت أمارس قناعاتي الوطنية والقومية تجاه وطني وأمتي والقضية الفلسطينية، وكنت لا ألتفت لما يكتب عني من وسائل إعلام داخلية وخارجية كان محركها الأساس تشويه سمعتي وتاريخي، لكن ما يحز بالنفس هو أن تكون هذه الحملة المنظمة متجاهلة للحقائق تماما، وتلتفت إلى ما هو غير مفيد للقضية الفلسطينية وللأردن.

وأشير الى أن بعض الأردنيين من أصول فلسطينية ابتدعوا مقولة «أصحاب الحقوق المنقوصة»، وكانوا يريدون تحقيق مصالح ذاتية ضيقة لأشخاصهم دون الالتفات لقضية العرب الاولى وهي فلسطين، وكان أحد هؤلاء للأسف هو من شارك في وضع تعليمات فك الارتباط عام 1988 من خلال موقعه كوزير للداخلية آنذاك، أي أنه وضع التعليمات وراح ينتقدها بعد ذلك.

* هل كنت تتعرض لضغوطات تستهدف إعادة الأرقام الوطنية التي يتم سحبها، سواء من مجلس الوزراء، أو من رئيس الوزراء، أو من غيره؟.

* لقد توالت الضغوط لإعادة الأرقام الوطنية لبعض المواطنين، وتم منحهم البطاقة الخضراء التي تعترف بحقوقهم القانونية والإنسانية، من حيث الإقامة وجواز السفر المؤقت والعمل، وكان يمكن تبديل البطاقة الخضراء بصفراء لو عبروا الجسر إلى الضفة الأخرى وثبتوا وجودهم في فلسطين من خلال الحصول على البطاقة الإسرائيلية. وكانت البطاقة الصفراء تعني احتفاظهم بحقهم بالجنسية الأردنية إلى جانب الجنسية الفلسطينية، وكان الباب مفتوحا أمام هؤلاء للتظلم، ولم نغلق الباب أمام أحد.

* تحدثت عن ضغوط مورست عليك، هل كنت ترضخ لهذه الضغوط؟.

- كنت أناقش كل قضية وحدها ومن الباب الإنساني فقط، ولا بد من الإشارة إلى أن الفترة التي كنت فيها وزيرا للداخلية كانت من أكثر الفترات مراعاة لمصالح المواطنين الذين تم تصويب أوضاعهم بصورة عادلة وأمينة ومرضية، ومعظم التوصيات والضغوطات كانت تعرف الحق وتحيد عنه، وتعلم أن ما تقوم به وزارة الداخلية هو حفاظ على الهوية الفلسطينية، وكنت أقدم لمجلس الوزراء كل المعلومات أولا بأول. لقد أمضيت في العمل الحكومي أكثر من أربعين عاما، كان مرشدي فيها ضميري، ودليلي هو تمسكي الدائم والتزامي بالتعليمات والقانون، وفوق ذلك مصالح وطني الذي لا أملك وطنا غيره.

* هل ترى أن ما طرأ من إبعاد أو استبعاد للأردن عن حل القضية الفلسطينية يصب في صالح الفلسطينيين؟.

- الدور الأردني دور متواصل وضروري رغم حصول بعض التطورات والمواقف السلبية من قبل بعض الأطراف لتقليص هذا الدور أو تحجيمه، ولا يمكن للأردن أن يواصل دوره دون إجماع ورغبة حقيقية من الاشقاء الفلسطينيين للمساهمة في ذلك، وأعتقد أن المصالحة القائمة الآن بين الفلسطينيين ستعطي الأردن دورا أكبر للعودة لدوره الحقيقي، لأنه طرف أساسي في الحل النهائي لا يمكن تجاهله بأي حال من الأحوال، فهو يؤوي أكبر عدد من اللاجئين الذين أصبحوا جزءا من مواطني المملكة، ودون مشاركة الأردن بشكل صريح وواضح فإن القضية سوف تضيع وتصبح جزءا من أرشيف الامم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وفي هذه النقطة بالذات فإن أي حل للقضية الفلسطينية على حساب الأردن سيكون موضع رفض ومقاومة من قبل الأردنيين والفلسطينيين على حد سواء، ولن يكتب له النجاح تحت أي ظرف أو زمن، وسيقاتل الأردنيون جيلا بعد جيل للدفاع عن وجودهم ومستقبلهم، ولن يسمحوا بتكرار الكارثة التي حلت بأشقائهم أبناء فلسطين.

* لنعد للشأن الداخلي، ولنسأل ما رأيك بما حدث على دوار الداخلية، وما هو تقييمك لما قد يحدث لاحقا؟.

- مطالب الإصلاح مطالب مشروعة، ولا يجوز التصدي لمثل هذه المطالب بما حصل في دوار الداخلية، لكنني حزنت وألمت كثيرا لما صدر من شعارات وهتافات واتهامات من قبل جميع الذين شاركوا في ذلك التجمع المشروع، وأسفت للمواجهات التي تمت مع قوى الأمن وما بين المواطنين المختلفين في شعاراتهم وهتافاتهم، وأعتقد أنه لا بد من تطبيق القانون والنظام، فالوطن وطننا كلنا، ولا يمكن لفئة صغيرة أو كبيرة أن تفرض وجودها ومطالبها وحدها، ولا يمكن لأحد أن ينوب عن السلطات الأمنية.

* كوزير داخلية أسبق، هل ترى في خروج شاهين ما يتوافق مع القانون؟.

- من الضروري تطبيق القانون في حالة السجين، سواء كان شاهين أو غيره، وأذكر أنه في أثناء محاكمة شاهين وزملائه كان يطلب مني كوزير للداخلية أن يخرج للعلاج في المستشفى وكنت أسمح بذلك على أن يعود تحت الحراسة المشددة، لكنني فوجئت مثل كل الاردنيين بأن بعض الجهات الرسمية قد سمحت لشاهين بمغادرة المملكة للعلاج في الخارج، وأنا أعرف أن هذا الإجراء يحتاج إلى أساليب معقدة، والسؤال الذي بادرني هو: لماذا تم السماح لشاهين بالخروج ومغادرة البلاد وحده، مع أن الحالة الصحية لزميله الآخر في السجن كانت قريبة من حالته؟، ولا أستطيع أن أتحدث بالاسباب القانونية وغير القانونية لخروجه، ولكني أميل للاستغراب وحتى القلق لصدور مثل هذا القرار الذي أثار استياء معظم الأردنيين، ولم أسمع للآن جوابا رسميا مقنعا، ولا أريد هنا أن أتهم أحدا لكنني كغيري من الأردنيين أريد أن أعرف الحقيقة، والحقيقة فقط.

* لو كنت وزيرا للداخلية، كيف ستتعامل مع المظاهرات والمسيرات التي تعم البلاد حاليا؟.

- أحمد الله من كل قلبي أنني لست وزيرا للداخلية، وأعتقد أن معالجة هذه الامور لا تحتاج إلى الفصاحة أو الادعاء بقدر حاجتنا إلى تطبيق القانون، والقانون هذه الأيام أصبح مرنا وواسعا، وأعطى مساحات كبيرة في ظل قانون الاجتماعت العامة الجديد الذي سمح للجماعات والأحزاب والمنظمات وكل من يريد عقد اجتماع أو مسيرة ان يقوم بذلك وأن يشعر الحاكم الإداري بذلك، والحقيقة أنني لم أواجه مشكلة مع الأحزاب طيلة عملي وزيرا للداخلية، وكانت قيادات الأحزاب والقوى الوطنية ملتزمة تماما بقواعد وأصول حفظ النظام.

* ما رأيك بقرارات لجنة الحوار الوطني؟.

-بغض النظر عن النتائج، وما سيتبعها، فإنني أثق فقط باللجنة الملكية لتعديلات الدستور، لأنني على معرفة شخصية بمعظم أعضائها، أما لجنة الحوار الوطني فإنني أرى أنها شكلت على أسس استرضائية، وكانت بعيدة كل البعد عن تمثيل الوطن، أما بخصوص ما صدر عنها من توصيات بخصوص قانوني الانتخاب والأحزاب فإنني أرى أنها لا تتضمن حلولا جذرية، وأخشى أننا بعد فترة سنعود إلى المربع الاول من جديد.