الغلاء في الصحافة: اهتمام نادر بالشأن المحلي بعيدا عن التهويل والإثارة

الرابط المختصر

نادرة هي المرات التي يسيطر فيها الشأن المحلي على اهتمام الصحف ويحتل موقعا ثابتا وحيزا كبيرا في العناوين الرئيسية والصفحة الاولى، ولعل موجة ارتفاع الأسعار الحالية والتخوف من فلتانها المرتقب هي احدى هذه المرات النادرة

الدستور الانشط..!
منذ اشهر كان الحديث يدور عن تحرير أسعار المشتقات النفطية، او على الاقل رفع سعرها، وفي شهر تشرين الاول الماضي اوقفت حكومة البخيت السابقة توصية كان تقدم بها وزير المالية السابق برفع اسعار المحروقات.
غير ان الخبر الذي نشرته صحيفة "الدستور" نقلا عن وزير الطاقة خلدون قطيشات في السابع والعشرين من الشهر الماضي حول رفع سعر اسطوانة الغاز الى تسعة دنانير وتسعين قرشا، أي بزيادة اكثر من النصف، اخرج مارد التغطية الاعلامية من قمقمه.

بقيت صحيفة "الدستور" "أمينة" لهذا السبق الصحفي. فهي كانت ولا تزال الصحيفة الاولى من بين الصحف الاربع الرئيسية في اعطاء قضية الغلاء ورفع الاسعار الاهتمام الاول لها.

منذ الثلاثين من الشهر الماضي نشرت "الدستور" ست وثمانون مادة خبرية وتقرير حول موجة ارتفاع الاسعار، كانت في حوالي خمس وتسعين منها مواد خاصة بمراسلي "الدستور" وقلصت الى حد كبير اعتمادها على وكالة الانباء الرسمية، اذ لم تنقل عنها ما لا يزيد على عشرة اخبار.

على ان تغطية "الدستور" لموجة الغلاء لم تكن كمية وحسب، بل هي اعطت الموضوع الاهتمام الذي يستحق على الصفحة الاولى ودفعت بالاخبار العربية والدولية الى الصفحات الداخلية او الى نصف الصفحة التحتاني. وقد خصصت الصحيفة يوم (30/12) صفحتين اعدهما ماهر ابو طير تعقب فيهما ردود فعل القراء على تصريحات قطيشات عبر موقعها الالكتروني الذي بدأ ينشط في الاونة الاخيرة ويستقطب المزيد من القراء.

كما خصصت الصحيفة اغلب مواد ملحق الاقتصاد لمتابعة فقدان اسطوانات الغاز والارباك في سوق المحروقات وارتفاع الاسعار بشكل عام. فيما اتسمت تغطيتها بالذهاب مباشرة الى "رجل الشارع" مبتعدة قدر الإمكان عن الاخبار البرتوكولية والرسمية وتصريحات وبيانات مؤسسات المجتمع المدني.

وفيما نشرت تصريحات هذه المؤسسات كالاحزاب وجمعية حماية المستهلك فقد لجأت في عناوينها الى عدم الاثارة او المبالغة، كما كانت تفعل زميلتها "العرب اليوم"، ومع ذلك فقد تجاهلت الصحيفة بالكامل "حملة لا لرفع الاسعار" التي ينظمها الشباب الشيوعي. وهو ما لم تتجاهله "العرب اليوم".

بالمجمل، فان تغطية "الدستور"، كانت موضوعية استندت الى رأي رجل الشارع ولم يغب عنها تصريحات الحكومة وتبريراتها، واستندت ايضا الى تقارير ومتابعات إخبارية ومقابلات خاصة، فكانت تغطيتها شاملة وبعيدة عن ما يمكن ان يوصف بـ"الحملة".
حجم التغطية الإخبارية هذا عكس نفسه ايضا على كتّاب أعمدة الصحفية، فقد احتلت الدستور المكانة الاولى في حجم الأعمدة التي ناقشت الغلاء وارتفاع الأسعار، وقد كتب فيها منذ 30/12 وحتى 6/1، احدى واربعون مقالة ناقشت واقترحت وحللت وحتى سخرت من قرارات رفع الأسعار.

العرب اليوم الأجرأ..!
قد يكون من الظلم عقد مقارنة كمية بين الصحف الثلاث "الرأي، الدستور والغد" من ناحية و"العرب اليوم" من ناحية اخرى، ذلك ان هذه الصحيفة تصدر في العادة بعدد صفحات اقل من الثلاث الاخريات.
ومع ذلك، فقد نشرت "العرب اليوم" منذ 30/12/2007 وحتى 6/1/2008، تسع واربعين خبرا وتقريرا، كانت في المجمل مواد خاصة في الصحيفة مع استناد اقل على اخبار "بترا" وبيانات وتصريحات الحكومة الواردة عبر الفاكس.
وإذا كانت أخبار وتقارير "العرب اليوم" اقل في حجمها الكلي او اصغر في الحجم الذي احتلته قياسا بتقارير ومتابعات "الدستور"، واقل شمولا للمحافظات وردات فعل "رجل الشارع" الا انها كانت الأكثر جرأة في تغطية ردات فعل الأحزاب والهيئات النقابية والشعبية، وقد افردت لها مساحات هامة وعناوين أكثر "إثارة" من بقية الصحف، وكانت الوحيدة تقريبا التي واظبت على نقل تصريحات ونشاطات حملة لا لرفع الأسعار.

وكما فعلت "الدستور" في تغيير نمط الملحق الاقتصادي فان "العرب اليوم" خطت على نفس النهج، وان بشكل اقل، فكانت مواد التغطية موزعة بين الصفحة الاولى والمحليات والملحق الاقتصادي، بيد ان اكثر مواد العرب اليوم كانت تأتي من ردات فعل مؤسسات المجتمع المدني وليست متابعات ميدانية، وان كانت هذه المتابعات لم تغب طبعا عن الصحيفة.
على قلة عدد كتّاب الاعمدة في "العرب اليوم"، وهم يراوحون بين خمس الى سبع كتّاب، وبالمناسبة فان الصحيفة تصدر الجمعة بدون مقالات، فان كتّاب العرب اليوم كتبوا في هذا الشأن 23 مقالة، ما يجعلها الأولى نسبيا، في عدد المقالات المخصصة للغلاء وزيادة الأسعار والرواتب ومشتقاتها.

الغد: وسطية..!
نشرت صحيفة "الغد" في نفس الفترة تسع واربعين خبرا وتقريرا، كان بينها حوالي عشر تقارير ميدانية استقصت فيها الصحيفة آراء "رجل الشارع" فيما توزعت الأخبار والتقارير الاخرى على متابعة نشاطات الحكومة ورئيس الوزراء وتصريحات وبيانات مؤسسات المجتمع المدني.
ابتدعت الصحيفة في الأيام الأخيرة زاوية خاصة أطلقت عليها عنوان "زواريب"، نقلت فيها عددا من التصريحات الحكومية أو الأخبار "شبه الناقصة" ربما تنصلا من المسؤولية المهنية ورغبة في عدم تفويت "السبوقات الصحفية"، من ناحية اخرى. وإذا كانت تغطية الصحيفة اتسمت بالوسطية إجمالا، أي بمعنى عدم تغليب أي من الآراء على الآخر، فان زاوية "مرايا" التي يحررها باسل الرفايعة اتسمت بجرعة جرأة نسبية او بسقف حرية أعلى.
يكتب في صحيفة "الغد" في العادة، ما لا يزيد على خمس كتّاب محليين يوميا، وقد كتب هؤلاء عشرة مقالات في الأسعار والغلاء والرواتب.

الرأي: محاولات تخفيف..!
ليس سرا القول ان صحيفة "الرأي" تميل في العادة الى وجهة نظر الحكومة او تحاول مساعدة الحكومة على التخفيف من رد الفعل الشارع على القرارات "غير الشعبية" كقرار تحرير أسعار المحروقات المنتظر.

وقد انعكس توجه الصحيفة اولا في حجم التغطية، فقد نشرت الصحيفة الاكبر في عدد الصفحات والأكثر في الاهتمام بالشأن المحلي، ما مجموعه تسع وأربعين خبرا وتقريرا، كان اغلبها تصريحات ومتابعات لنشاطات الحكومة ورئيس الوزراء تحديدا، وقد اعتمدت أكثر من غيرها على وكالة الأنباء الوطنية "بترا" وعلى فاكسات الحكومة.

تجاهلت الصحيفة بشكل كلي بعض بيانات وتصريحات مؤسسات المجتمع المدني وخاصة احزاب المعارضة، فهي لم تنشر مثلا دعوة نقيب المحامين الى ملتقى وطني للبحث في قرار التعويم الذي نشرته صحف اخرى بتاريخ (6/1)، كما تجاهلت بيان الحركة الاسلامية حول نفس الشأن والذي نشر في عدة صحف في نفس اليوم ومنها "العرب اليوم" الذي وضعته تحت عنوان "العمل الاسلامي يصف 2007 بـ "عام التزوير والتلوث والتهاب الأسعار".

في المقابل، فقد ركزت "الرأي" على التصريحات والبيانات المثمنة لقرارات الحكومة إلغاء الضرائب والرسوم الجمركية عن السلع الثلاثة عشر الأساسية وغيرها من القرارات المماثلة.

فيما تحتل "الرأي" الموقع الأول في عدد كتّاب الأعمدة، بواقع حوالي ست وعشرين مقالة يوميا، فقد كتب في الصحيفة حول الغلاء والأسعار والموازنة والرواتب ثلاثين مقالة.

شملت تغطية الصحف، جميعها، جلسات مجلس النواب ونشاطات البرلمانيين في هذا الخصوص، وقد كانت تقارير الصحف عن البرلمان، موسعة يكاد لا يوجد فوارق كبيرة بينها.

على أي حال، كانت تغطية الصحف الأربع الرئيسية خلال الاسبوع، الذي رصدنا فيه التغطية، شاملة بشكل عام. ولكن افضل ما فيها هو انها اعطت الموضوع حجمه بعيدا عن استسهال التعاطي مع الاخبار العربية والدولية او بعيدا عن استسهال التعاطي مع الأخبار البرتوكولية.

كما ابتعدت التغطية عن التضخيم والتهويل ومحاولة خلق رأي عام غاضب على القرار الحكومي، بل حاولت الصحف، بشكل عام، مساعدة الحكومة والمواطن على التوصل الى حلول وسط، ما يسمح بالقول ان عين الصحف كانت على الخدمة لا على الرسالة.