العنف ضد الأطفال في دور الرعاية وغياب النص القانوني

العنف ضد الأطفال في دور الرعاية وغياب النص القانوني
الرابط المختصر

تشاطر "غادة" شقيقتها بدار رعاية الأيتام "بشرى"  أنين "العنف" وأوجاع آلام الكسر التي تعانيان منها جراء إصابتهما بكسور مختلفة كشفت إثر إحالتهما إلى مستشفى البشير والاشتباه بتعرضهما للعنف من قبل "الأم البديل في المؤسسة". 

فغادة هي من بين مجموعة أطفال ترعاهم مؤسسة الحسين للأيتام، وهي رضيعة تبلغ  تسعة أشهر كانت قد وصلت إلى مستشفى البشير قبل شهرين تعاني من كسور بالعضد والأضلاع ولمن في عمرها تكون طبيعة هذه الإصابات غير عرضية "مقصودة" وناتجة عن التعرض لضربة قوية مباشرة على الصدر.

وفي أقل من شهرين أحيلت  بشرى شقيقة غادة في بيت الرعاية وشقيقتها في الآلام إلى مستشفى البشير وهي تعاني من كسر في الساعد والمرفق جراء "لي الساعد وثنيه" كانت قد اكتشف سبب ألمها.

حالتان في أقل من شهرين يشتبه بممارسة العنف بحق الأطفال داخل مؤسسة رعاية اجتماعية والسبب في اكتشاف هذا الأمر هو إحالة الطفلتين إلى المستشفى.

وبالأمس تمت إحالة قضية الرضيعة بشرى التي جار عليها الزمن وجعل القدر من ظروفها طفلة في المؤسسة إلى مدعي عام عمان للتحقيق فيه قضيتها، فيما لا تزال قضية غادة منظورة أمام قاضي الصلح.

وزارة التنمية الاجتماعية لا يوجد لديها أرقام عن حالات تعرضت لإساءة داخل المؤسسة لكن يكفي أن يتم تسجيل حالتين في أقل من شهرين لطفلتين تعيشان في ذات الظروف وبنفس العمر والبيت رغم وجود تحقيقات إدارية أجريت  داخل المؤسسة والوزارة.

ويكفي أن نعود بالذاكرة إلى الوراء 17 عاما ونستذكر ما تعرض له أطفال المؤسسة آنذاك يوم وصل ملف ذات المؤسسة إلى الملك الراحل الحسين بن طلال وما قدمه لهؤلاء الأيتام من ضمانات لحماية حقوقهم.

وزارة التنمية الاجتماعية من جانبها ومن خلال مدير الرعاية والطفولة محمد شبانة أكد أن  الأمين البديلتين المشرفتين على رعاية الطفلتين تم توقيفهما عن العمل وتوزيع أطفال البيت على بيوت المؤسسة الأخرى لتقديم الرعاية وإحالة القضيتين للقضاء.

وقال شبانة إن الطفلة غادة تم إرسالها إلى المستشفى بعد ملاحظة تلون على يدها للمعالجة وتم أيضا إحالتها إلى إدارة حماية الأسرة والطب الشرعي من أجل التأكد إذا كانت تعرضت لعنف أم لا وتم إحالة القضية يوم الاثنين إلى قاضي الصلح.

 وأضاف "فوجئنا بلأن الطفلة "بشرى" تعاني من أنين مستمر غير وكان هناك اشتباه بحالة كسر بيدها وتم نقلها إلى مستشفى البشير الحكومي وإبلاغ إدارة حماية الأسرة والطب الشرعي وتم وقف الأمين البديلتين اللتين تواجدتا خلال فترة رعاية الطفلة في البيت وإحالة القضية إلى مدعي عام عمان لاتخاذ الإجراء المناسب.

وقال عن ظروف إصابة الحالة الأولى غادة "كان الادعاء من قبل الأم البديلة بأنها سقطت عن السرير لمرة واحدة"، مفضلا ترك الفصل بذلك للقضاء، مؤكدا احترام القرار طالما يحفظ حقوق الطفل.

أما الحالة الثانية "بشرى" فأوضح شبانة بأنها كانت في نفس البيت الأسري "والآن نعمل على تحديد المسؤولية إن كانت الأم نفسها أم أنها أم بديلة أخرى، ولهذا تم إيقاف الأمين عن العمل بشكل رسمي ووزع الأطفال على بيوت الرعاية وكفت يد الموظفتين عن العمل لحين تحديد المسؤولية.

وأكد شبانة بأنه لا توجد أرقام عن حالات عنف داخل المؤسسة وأن الحالتين المشتبه بهما تم إحالتهما للقضاء.

وحول اشتراط أن تكون الأم البديلة تتمتع بشخصية "إنسانية" على الأطفال، قال شبانة "تطبق شروط الخدمة المدنية وضمن مؤهلات علمية كأن تكون حاصلة على شهادة دبلوم أو بكالوريوس بالعلوم الإنسانية وحصولها على عدم محكومية وغيرها".

وأضاف "غالبا ما يتم اختيار الأمهات البديلات من قبل لجنة على قدر من المسؤولية والالتزام بتعليمات المؤسسة"، مؤكدا أن الإساءة للأطفال داخل المؤسسة أمر غير مقبول لا اجتماعيا ولا قانونيا

وقال "أية حالة يشتبه بها يتم إحالتها للقضاء فورا وأية حالة لا يكون فيها إصابات واضحة أو أي معلومة ترد إلينا عن وجود إساءة لفظية أو جسدية فلدينا لجان تحقيق تراقب بشكل مستمر".

من جهته قال  الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي في وزارة الصحة والخبير الدولي في مواجهة العنف ضد الأطفال لدى مؤسسات الأمم المتحدة "ورد في دراسة الأمين العام للأمم المتحدة المتعلقة بالعنف ضد الأطفال، أن الأطفال في دور الرعاية الاجتماعية في كافة دول العالم معرضين لمدى واسع من العنف من قبل الموظفين المسؤولين عنهم، ومثل هذا العنف يشمل الإساءة اللفظية والضرب، وتقييد الحركة لفترات طويلة، والاعتداءات الجنسية والتحرش الجنسي".

وتأتي بعض أشكال هذا العنف كتدابير تأديبية أو عقابية ومسموح بها من قبل الدولة، ففي 145 دولة بما فيها الأردن لم يتم لغاية الآن الحظر الصريح لعقوبة الإيذاء البدني  وغيرها من أشكال العقوبة أو المعاملة المهينة بنص واضح وصريح في قانون العقوبات، بحسب جهشان.

وأشار إلى أن  العنف ضد الأطفال يحصل  في مؤسسات الرعاية الاجتماعية بسبب مواقف وسلوكيات ثقافية متوارثة منذ عشرات السنين مرجعيتها أن هؤلاء الأطفال هم نتاج لجماعات اجتماعية مهمشة ومعزولة ومفككة أو لارتباط ولادتهم بالخطيئة والشر، وبالتالي فإن العقوبة البدنية هي الطريقة المثلى لضبط هؤلاء الأطفال، ومع التقدم الكبير في التعامل مع هؤلاء الأطفال من الناحية الإنسانية إلا أنه يجب الاعتراف بأن هذه الثقافة لا زالت شائعة في المجتمع وما بين المشرفين على هؤلاء الأطفال، وعادة ما يتم وصف هؤلاء الأطفال بالمشاغبين والأشقياء ويجب أن يفرض عليهم الانضباط والسيطرة بالقوة والعنف.

وأضاف "بالرغم من التقدم الكبير في أساليب رعاية الطفل والتطور في احترام حقوقه في مجالات عديدة إلا أنه لا يزال تحقيق الإصلاح في مؤسسات الرعاية الاجتماعية بطيئاً، ويرجع ذلك لوجود ثقافة سائدة بالمجتمع تعكس أولوية منخفضة بالتعامل مع الأطفال الذين تعرضوا لليتم والهجر والإعاقة أو المخالفين للقانون وينعكس ذلك تلقائيا على التعامل معهم في مؤسسات الرعاية بسبب وجودهم خارج نطاق اهتمام السياسات الاجتماعية إلى حين حدوث إخفاق ذريع أو إساءة بالغة تصل إلى الإعلام حينها يظهر الارتباك في الدفاع عن السياسات وعن الخدمات التي تقدم لهؤلاء الأطفال.

أما العوامل الأخرى المرتبطة بحصول العنف في مؤسسات الرعاية الاجتماعية فهو أن عددا كبيرا من الموظفين غير مؤهلين مهنينا وهم من ذوي الأجور الضعيفة وينقصهم الحافز على العمل، وعددهم عادة غير كاف للإشراف على الأطفال على مدار الساعة مما يزيد من احتمال تعرض الأطفال للعنف وللاستغلال الجنسي، ويعتبر الإخفاق في الإشراف الملائم على الموظفين من قبل إداراتهم من المشكلات الخطيرة التي تشكل أيضا عوامل خطورة لحصول العنف.

وأشار جهشان إلى غياب اللوائح والقواعد المُنظِمة لهذه المؤسسات وأهمها كونها مغلقة أمام عمليات التفتيش والمراقبة الخارجية وخاصة دور الرعاية التي تديرها المؤسسات الحكومية أو التي تقع في مناطق معزولة، يشكل عامل خطورة كبيرا لتعرض الأطفال لكافة أشكال العنف، وفي مثل هذه الظروف قد يستمر العنف سنوات عديدة إلى أن يتم الكشف عنه.

ولم يتوقع د جهشان من أن يكون هناك أية فائدة بادعاء القيام بالتفتيش والرقابة من نفس الجهة المقدمة للخدمات في مؤسسات الرعاية الاجتماعية لتضارب المصالح، ولا يصح قانونا أن تقييم الأدلة وتزن البينات التي تثبت أو تنفي العنف من قبل نفس المؤسسة التي يرتكب فيها عنف وإن كان بتراتب إداري أعلى، لأن بعض أشكال العنف التي يتعرض لها أطفال المؤسسات الاجتماعية تشكل جرائم تستوجب التحقيق والملاحقة بالحق العام ولا يجوز التعامل معها إداريا، والإخفاق بإبلاغ الإدعاء العام عن الاشتباه بحدوثها يشكل جريمة بحد ذاته وانتهاكا صارخا بحق الطفل بالحماية من كافة أشكال العنف التي نصت عليها إتفاقية حقوق الطفل، وتميزا ضد الطفل مقارنة مع الأطفال خارج مؤسسات الرعاية.

فمن المتوقع أن تقوم بعمليات التفتيش والرقابة وتلقي البلاغات من أطفال المؤسسات الاجتماعية، هيئات متخصصة تتصف بالحيادية والنزاهة وغير مرتبطة بأي شكل من الأشكال بالجهة مقدمة الخدمة أو المشرفة على هذه المؤسسات. إن التحقيق في حالات تعرض الأطفال في دور الرعاية الاجتماعية للعنف من قبل لجان من نفس المؤسسة، وخاصة إذا كانت حكومية، يتصف بالسطحية ونادرا جدا ما يخضع المعتدين للمحاكمة، وعادة يكون أعضاء هذه اللجان غير راغبين في إخضاع زملائهم المتورطين لإجراءات تأديبية أو للمحاكمة، أو يخشون الوصمة السيئة للمؤسسة التي يعملون بها، وبالتالي فإن الإخفاق في إخضاع مرتكبي العنف للمساءلة ومحاسبتهم يؤدي إلى استمرار العنف، وإلى تولد بيئة يكون بها العنف ضد الأطفال أمرا مقبولاً ومعتاداً.

وأوضح  جهشان أن التصدي للعنف ضد الأطفال في مؤسسات الرعاية الاجتماعية يتطلب التعامل مع مراحله المختلفة، فإن الوقاية الأولية للعنف قبل وقوعه في المؤسسات أمر بالغ الأهمية وهذا يتطلب التعامل مع محورين هامين أولهما الحد من العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى إيداع الأطفال في المؤسسات، والثاني هو توفير بدائل للمؤسسات نفسها مما يتطلب عملا متعدد القطاعات المهنية على المستوى الوطني. كما وأن العمل على خفض نسبة العنف ضد الأطفال في مؤسسات الرعاية الاجتماعية يتطلب توفير بيئة آمنة للأطفال يشرف عليها موظفين مدربين لهم أجور ملائمة، وتخصصات مهنية تستجيب لاحتياجات الأطفال المتفاوتة حسب مراحل تطورهم، والإشراف المحسن وشفافية الإدارة.

أما عقب حصول العنف ضد الأطفال في مؤسسات الرعاية الاجتماعية فيجب اتخاذ الإجراءات التي تمنع المسئولين عن هذا العنف من الإفلات من العقوبة، وذلك بوضع آليات فعالة وشفافة للتبليغ والمراقبة والتحقيق والمساءلة.

وقال "لضمان ما سبق قانونيا ينبغي أن يتضمن التشريع الأردني مواد تضمن عدم استمرارية كون مؤسسات الرعاية الاجتماعية مواقع مغلقة دونما الخضوع للمساءلة، من مثل التفقد المهني المنظم لهذه المؤسسات من قبل مؤسسات حقوق الإنسان والمحامين والمنظمات غير الحكومية، ووسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المهني بما لا يتعارض والاحترام الواجب والخصوصية الفردية للأطفال في هذه المؤسسات.

وأضاف ينبغي أن ينص القانون الأردني على إنشاء نظم فعالة للرقابة والإبلاغ من قبل هيئات مستقلة مؤهلة تتمتع بالكفاءة لها سلطة المطالبة بمعلومات مستمرة حول الظروف القائمة في مؤسسات الرعاية الاجتماعية وكذلك سلطة التحقيق في البلاغات عن ارتكاب العنف ضد أطفال هذه المؤسسات. ويجب أن يضمن التشريع أن يُتاح للأطفال في المؤسسات الاجتماعية آليات واضحة للشكوى، تكون مأمونة ومستقلة وبسيطة وسهلة المنال بما في ذلك توفر حق الاستئناف للأطفال أو ممثليهم إذا لم يقتنعوا بالاستجابة التي نالتها شكواهم.

وأكد د جهشان أن الاستمرار في عدم الإقرار بمشكلة العنف ضد أطفال المؤسسات الاجتماعية وحلها على المستويات التشريعية والإدارية والإجرائية يعتبر انتهاكا صارخا لحقوق هؤلاء الأطفال المهمشين وتميزاً ضدهم، فهم يستحقون الحماية ويستحقون الحياة.