العجز المالي الذي نريد!
يبدو كأن عجز الموازنة العامة بمثابة
قدر مكتوب لا مناص منه، ففي سنة من السنوات لاحظنا أن كلفة دعم المحروقات
تفوق عجز الموازنة، بمعنى أن العجز كان سيختفي ويتحول إلى فائض لولا دعم
المحروقات. والواقع أن لجنة الأجندة الوطنية اعتمدت على هذه الحقيقة في
رسم سيناريو التخلص من العجز خلال سنوات معدودة.
عندما انخفض دعم المحروقات وتم التخلص من الدعم بعد تعويم أسعار المحروقات
بقي العجز على حاله، بل ارتفع بالأرقام المطلقة، ولم تعدم الحكومة وسائل
أخرى للإنفاق العام بحيث يظل العجز على حاله، حتى بعد المنح الخارجية التي
زادت في السنوات الأخيرة.
يبدو كأن العجز في الموازنة العامة مطلوب لذاته، بحيث لا يتحقق الاستقلال
المالي، ويبقى الأردن بحاجة لاسترضاء الدول المانحة وخدمتها سياسياً
وأمنياً، مقابل حاجتنا لدعمها المالي، أو أننا لم نعد نطيق فكرة الاستقلال
المالي بعد طول الاعتماد على الدعم الخارجي كما لا يطيق العصفور الذي عاش
طويلاً في قفص أن يتمتع بحرية التحليق في الأجواء فيعود إلى قفصه مختاراً.
إذا كان لا بد من العجز في الموازنة والاعتماد المتزايد على المنح
الخارجية، فإن المطلوب على الأقل أن لا يزيد العجز عن قيمة المنح الخارجية
بحيث يبقى عجز قبل المساعدات، ويختفي العجز بعد أخذ المساعدات بالاعتبار.
وهي حالة نعتقد أنها مقبولة مرحليا، لأن هناك نفقات رأسمالية وإنمائية لا
بأس من تمويلها من المنح الخارجية المشروطة.
هناك مقياس آخر أقل تحديداً، يقتضي أن تكون الإيرادات المحلية كافية على
الأقل لتغطية جميع النفقات المتكررة، بحيث لا يستخدم أي جزء من المنح
الخارجية لتمويل نفقات جارية، بل يتم تكريسها بالكامل للنفقات الرأسمالية
الحقيقية، وهي تتحلى بالمرونة بحيث يمكن إعداد موازنتها على ضوء المنح
المتوفرة، ترتفع بارتفاعها، وتنخفض بانخفاضها، ويمكن تأجيلها أو إيقافها
إذا تأخرت أو انقطعت المساعدات لسبب أو آخر.
هذا الترتيب مناسب اقتصادياً ومالياً، ومقبول للدول المانحة التي لا ترغب
في تمويل نفقات جارية، بل تريد أن ترى مشاريع اقتصادية ملموسة للمياه
والطاقة تدل على مساهمتها في دعم البلد.











































