العاملات في قطاع البنوك: التمييز بزي أنيق!

الرابط المختصر

تبدو صورة المرأة العاملة في
قطاع البنوك كما لو كانت زاهية تماما، فهي تشكل نسبة كبيرة من العاملين في هذا
القطاع، وقد حصلن على حقوق كثيرة، أساسها عدم التمييز قانونيا.
ولكن واقع الحال ليس كذلك، فنظرة أكثر عمقا ستظهر مدى التمييز والمضايقات
التي تتعرض لها النساء العاملات في القطاع المصرفي.

نسبة العاملات في قطاع البنوك كبيرة، بما تؤكده لغة الأرقام، اذ يشكلن ما
نسبته 40% من حجم العمالة في القطاع، فيما يشكلن نصف أعضاء الهيئة العامة لنقابة
المصارف، ولهن ثلاثة مقاعد في جمعية البنوك الأردنية من أصل 10 أعضاء، وهو رقم جيد
إذ أن عضوية الجمعية تقتصر على مدراء "البنوك".

ثمة سبب ما خلف هذه النسبة الكبيرة للنساء العاملات في قطاع المصارف، فالأمر
يعود إلى ان القائمين على البنوك يفضلون عمل المرأة لما له من وقع حسن على
المتعاملين والزبائن، بما تمتلكه النساء من قدرة على الصبر والتحمل وجمال المظهر
وحسن المعاملة.

ولكن المرأة العاملة تبقى مرغوب ومرحب بها طالما بقيت عزباء، لا تحبل ولا
تلد، وإلا يبدأ التمييز والمضايقة، وغالبا "التطفيش" بكل الوسائل.

التمييز ضد الموظفات لا يستند إلى قوة القانون، فالقانون أعطى حقوق متساوية
للجنسين، فقد ضمن المشرع، على سبيل المثال، أن يحصل أطفال العاملات على الرعاية
وفقاً للمادة 72 من قانون العمل، ونصها "على صاحب العمل الذي يستخدم ما لا
يقل عن عشرين عاملة متزوجة تهيئة مكان مناسب يكون في عهدة مربية مؤهلة لرعاية
أطفال العاملات الذين تقل أعمارهم عن أربع سنوات، على أن لا يقل عددهم عن عشرة
أطفال".

المشكلة تكمن في تطبيق القوانين، فكثيرا ما يتجاهل صاحب العمل القانون،
مستندا الى العرف السائد، فيصبح الواقع اقوى من نص القانون.

ناديا
الشاويش، المرأة الوحيدة بين 11 عضو في الهيئة الإدارية لنقابة المصارف، مضى على
عضويتها عام لم تر خلالها إمرأة واحدة تشتكي إلى النقابة تمييزا ضدها في العمل،
رغم أن النقابة أنشأت لجنة مكونة من ثمان نساء. وتقول: "الأصل أن ينتسبن
إلى نقابة المصارف، ويشتكين عن أي إجراء خاطئ بحقهن في مؤسساتهن، وعندها نستطيع أن
نساندهن".

من يطبق القانون

تعتقد سوزان، موظفة في بنك منذ عام 1988، وام لطفلين، ان التمييز بين الرجل
والمرأة حاصل، وتحديدا مع المرأة المتزوجة، رغم التقدم. وتقول: "في ذلك
الوقت (1988) كان عدد الموظفات المتزوجات قليل جدا لأن البنك لا يوظف المرأة
المتزوجة وهذا الأمر ينطبق على كل البنوك، وحتى المرأة التي تتزوج وهي على رأس
عملها، كان يطلب منها أن تستقيل، ويقوم البنك بصرف مكافأة مالية لها من باب
التشجيع ومن ترفض كانت تتعرض لمضايقات".

غير ان إيمان وهي موظفة بنك ايضا،
لها رأي مختلف قليلا، فتقول: "هناك تمييز بأمور غير مباشرة، مثل الترقيات،
الاولويه للرجل، واذا كانت بعض النساء وصلن الى ترقيات، فقد جاءت بعد عناء، فتجد
ان بعض الشباب وقد توظفوا قبل الفتاة بخمس سنين، وشهادتهم نفس الشهادة، الا ان
تطورهم بالعمل أسرع، فالأولوية للشباب من ناحية السفر والعلاوة، وهذا يلاحظ
بشكل واضح من خلال مشاركة الشباب في دورات خارج البنك بحجة ان المرأة عندها بيتها
والتزاماتها وأطفالها، فهكذا ينظر المسؤول".

وتقول احدى الموظفات، التي لم ترغب بذكر اسمها، ان اصحاب العمل "لا
يعطون المرأة الحق الكامل في العمل، فهم يعتقدون أنها تأخذ إجازات أكثر من اللازم،
فمثلا يتم تأخير ترقياتها بحجة انها تأخذ إجازة ثلاثة أشهر (اجازة الامومة)، وكأن
الامر هبة او منحه منهم".

اذا كان قانون العمل لا يجيز فصل موظفة، إو إنذارها بالفصل في فترة الحمل،
أو إجازة الأمومة، فإن كثير من إدارات المصارف تعمد الى "تطفيش" المرأة
المتزوجة، وهو ما يعكسه رأي نهيلة، موظفة بنك، فتقول: "حقوق المرأة،
خصوصا في الإنجاب، مهضومة جدا في القطاع الخاص، دون مراعاة ظروف حملها".

ويظهر التمييز وعمليات "التطفيش" عندما يتعلق الامر بساعة الرضاعة
التي منحها القانون حقا للام المرضعة. تقول نهيلة: "لا يلتزم به الجميع
بحق العاملة بساعة الرضاعة، وفقا لما نص عليه قانون العمل، ويبقى ذلك مجرد قانون
مكتوب لا ينطبق على واقع الحال".

أميرة، موظفة في بنك حكومي، كانت اكثر وضوحا في الحديث عن عمليات
"التطفيش"، فتقول: "هناك ضغوطات على النساء المتزوجات، فساعة
الرضاعة ألغيت، اذ ان الادراة تتعمد ان تعطيها للام في منتصف الدوام وليس في
بدايته أو نهايته، ولدينا موظفات يسكنّ مناطق بعيدة عن عمان، لا يستطعن الذهاب
والعودة في نفس اليوم، ومن غير معقول أن تذهب من عمان في منتصف الدوام الى الزرقاء
مثلا لمدة ساعة ثم تعود. نطالب ان تكون في أول الدوام أو في نهايته. إنهم
(الادارات) يريدون منعنا من العمل، بشكل غير مباشر، من خلال تضييق الوضع علينا".

وتثني إيمان على كلام زميلتها فتؤكد: "بالنسبة لفترة الحمل
والحقوق، هناك ضغوط نفسية على المرأة مثل قولهم (أن تحملي وتأخذي إجازة 70 يوما، كثير!).
كذلك فاننا لا نأخذ ساعة الرضاعة المستحقة، اذ لم يسبق ان تمتعت أي امرأة بهذا
الحق في البنك واخذت ساعة رضاعة".

وتضيف ايمان قائلة: "اما موضوع الولادة فهو يؤثر على تقييمها، اذ
ينظر اليها بانها لم تعمل 360 يوما، ويقولون (غيرك أولى بتقييم أفضل)".

وتعتقد سوزان، ان هنالك قصورا في مطالبة المرأة بحقوقها في هذا الجانب،
تقول: "كان التمييز واضحاً في البنك، فقد كان يتم تخفيض التقييم والزيادة
السنوية للموظفة المتزوجة، وقد تعرضت لهذا في الحالتين التي أنجبت بهما طفلي.
فقد كانت زيادتي السنوية قليلة على الرغم
من تميز إنتاجي، اذ كان يتم محاسبة المرأة لأنها غابت فترة الأمومة".

وتضيف سوزان: "الموظفات اللواتي أنجبن أطفالا لم يكن على قدر من
الجرأة للمطالبة بساعة الرضاعة وفقا للقانون".

وتعطي سوزان حالتها كمثل في تحصيل الحقوق، عندما يمتلك الموظف الشجاعة لفعل
ذلك، فتقول: "عندما عدت للعمل عام 2001 بعد ولادتي الثانية، كانت إدارة
البنك قد تغيرت، من ضمنهم مدير شؤون الموظفين، وكان من المتنورين. ولما تقدمت بطلب
ساعة الرضاعة، وأشرت لقانون العمل تم إعطائي إياها، مما شجع باقي الموظفات الأمهات
على طلبها".

تقول
الشاويش: "لم أجد أية مؤسسة بنكية تلتزم ببند إنشاء حضانة مثلما يحدث في
المؤسسات الكبرى في الأردن، لكني اعتقد أن المؤسسات ليست هي السبب في توفير
الحضانات لأبناء الأمهات العاملات، فإذا كانت الأم العاملة نفسها لم تطلب هذا
الحق فكيف ستوفره المؤسسة".

وتضيف:
"صحيح أنه موجود في القانون هذا الحق، لكنه لا يفرض على المؤسسات، نصف من
يعمل في البنوك هن نساء ومجموعة كبيرة منهن متزوجات، لكنهن لا يأتين حتى للنقابة"
.

امتيازات منقوصة

لا يقف التمييز بين المرأة
والرجل في قطاع المصارف، في مسائل الأمومة والحمل والرضاعة فقط. هناك ايضا ما قد
يكون أسوأ، وهو حرمان الموظفة المتزوجة من حقوق التأمين الصحي لأطفالها ولزوجها حتى
لو كانت عائلة. تقول نهيلة "كما ان هنالك تمييزا في التأمين الصحي بين زوجة الموظف وزوج
الموظفة، فزوجة الموظف مؤمنة صحيا وتدفع نفقات علاجها الطبية كاملة ومصاريف
الولادة، لكن الموظفة لا تمنح هذه الحقوق".

وتؤكد سوزان نفس الحقيقة بقولها: "يحق للموظف ان يؤمن زوجته
وأطفاله صحيا، ولا يحق للموظفة ان تؤمن زوجها وأطفالها الذين قد لا يكون لهم تأمين
صحي. ومن القضايا الأخرى التي تميز بين الرجل والمرأة في البنوك تمتع الرجل بحق
تعليم ابنائه على حساب البنك، بينما لا يحق للمرأة ذلك"
.

وتتفق غادة مع ما ذهبت إليه سوزان، حيث تقول: "لا اعتقد ان المرأة
أخذت حقها في نفس المعاملة التي يتلقاها الرجل، وهذا واضح في البنوك، حيث ألحظ في
أكثر من فرع لأكثر من بنك ان المدير رجل"
.

وطالما
ان القائمين على البنوك يحبذون تشغيل النساء العازبات، فهم في المقابل يفضلون
الرجل عندما يتعلق الامر بالمناصب العاليا والاعمال المصرفية البحتة. فترى رشا، موظفة في بنك "انهم
يفضلون الرجل في كل شيء، خصوصا في المناصب العليا، ودائما الأولوية للرجل في
الامتيازات والعلاوات، وبنسب عالية تصل إلى 80%، والمناصب العليا تذهب دوما للرجال،
ويتم تحديد الراتب حسب الخبرة".

وتلمس مها، موظفة بنك، بتجربة شخصية، مدى التمييز الذي يمارس ضدها في مجال
عملها وتراجع فرصها في الحصول على ما تستحقه مقابل ما تقدمه، وتقول: "هناك
تمييز، وعادة فإن ضغط العمل أكثر على
المرأة، والاتكال عليها أكثر، بينما الزيادات المادية تذهب للرجل وتكون اكبر، فعلى
سبيل المثال، أنا رئيسة قسم وعندنا زميل رئيس قسم، لكن زياداته أعلى مني".

وتزيد نهيلة: "يوجد فرق في الرواتب بين الشباب والفتيات، في العادة
رواتب الشباب اكبر من الفتيات، مع ان المرأة قد تحمل نفس درجة التعليم ونفس خبرة
زميلها ويمكن ان يكون عملها افضل منه".

وإذا كان هذا هو واقع حال القطاع الخاص، فان واقع المؤسسات
الحكومية او شبه الحكومية ليس افضل.

تقول منار: "يوجد تمييز في العمل بين المرأة
والرجل، انا اعمل بالضمان (الاجتماعي) منذ 23 عاما ولم احصل على أي شيء، هناك
امتيازات للرجال اكثر من المرأة فيما يتعلق بالرواتب والحوافز".

وتتفق معها زميلتها بنفس المؤسسة، نورا: "هناك انحياز للرجل
اكثر فيما يخص العلاوات وبعض الامتيازات، هناك زملاء لي ترفعوا قبلي على الرغم من أنني
أقدم منهم، وهذا سبب لي احباطا تجاه العمل، ولم اتقدم بشكوى للإدارة لأن ما
حصل هو في النتيجة رأي المسؤولين".

قد
تكون بعض المؤسسات الخاصة أكثر تشددا على النساء العاملات من المؤسسات الحكومية،
تقول النقابية نادية الشاويش، "فالقطاع الحكومي اشمل واوسع والقوانين
فيه مسؤولة من الحكومة وليس الأفراد، لكن أصحاب المؤسسات الخاصة أيضا لهم دور في
التشدد على النساء العاملات فقد يكون الأفراد المالكين لهم (استمزاج) في القرار
مثلا في إعطاء ساعة الرضاعة او لا".

أعراف وثقافة اجتماعية

اذا كان التمييز
الواقع على المرأة في هضم حقوقها في الحصول على تأمين صحي لزوجها واطفالها، او في
الحصول على راتب اعلى وامتيازات وزيادات متساوية مع الرجل، فان العلة قد لا تكمن دوما في تطبيق او عدم
تطبيق قانون العمل، فالعلة قد تكون في اسباب اخرى، مثل الثقافة الاجتماعية او
قانون الاحوال الشخصية، فهو في مجمله يصب في صالح الرجل، بصفة أن "المرأة ضلع
قاصر عائل على الزوج"، ما يسبب تمييزا ضدها في العمل.

العادات والتقاليد لا تزال تلعب دورا كبيرا بإعطاء مبرر
لأصحاب العمل في عدم إعطاء المرأة كامل حقوقها الوظيفية، كما تقول نهيلة: "هناك
امتيازات للرجل من ناحيتي السفر والترقية، لأن للمرأة ظروفا تحول بينها والسفر،
لكن يوجد فتيات عندهن طموح ويرغبن في السفر وعندهن رغبة لإثبات جدارتهن، لكنهم
وبسبب العادات والتقاليد يختارون الرجال".

تقول سوزان: "أصحاب العمل يعطون امتيازات للرجل أكثر من المرأة على
اعتبار أنهم يعيلون الأسرة، وهذا يمارس في كل البنوك، فيحصل الرجل على علاوة إعالة
عن أولاده وزوجته، بينما المرأة لا تحصل على هذه العلاوة"
.

والأمر ينطبق على كل
المؤسسات الحكومية والخاصة، ولا يعطى أي اعتبار للمرأة العاملة في مجال هذه
العلاوة، حتى لو كانت هي المعيل الحقيقي للأسرة.

تقول سمر، موظفة في شركة: "المرأة ليست منصفة في مكان عملها، فالرجل
يأخذ مكافآت ورواتب أكثر من المرأة في العادة، بوصفه المسؤول والمنفق على العائلة،
لذا يكون راتبه أعلى على الرغم من توفر نفس الكفاءة والخبرة، وللرجل امتيازات أكثر
كونه رجلا فقط".

وتزيد عالية، موظفة بنك: "هناك امتيازات للرجل أكثر من المرأة، وفي
عملي يقدمونه على المرأة، لأن زوجها يصرف عليها، متناسين أنها تعمل وتصرف على
البيت أيضا".

ليس هذا فقط كل ما تتعرض له المرأة العاملة من تمييز، بل تتعرض للتحرش
الجنسي او للعنف اللفظي والمادي احيانا. وفي بلادنا غالبا ما تصمت النساء على هذا
النوع من التحرش او العنف لانها الملامة.

تقول سوزان من وحي تجربتها الطويلة في العمل المصرفي: "يمكن ان تتعرض
الموظفات لمضايقات وتحرشات، ويترددن بالتصريح أو الشكوى للإدارة. في السابق سمعت
عن الكثير من الحالات، لكن الوضع اختلف حاليا وهذه الحوادث اصبحت اقل".

ولكن سوزان تستدرك قائلة: "حصل ذات مرة أن قام موظف بخرق الاداب
العامة، وفي نفس الوقت خرقت موظفة هذه الآداب، فكان الإجراء المتخذ ضد الموظف التوبيخ
ولفت النظر، اما الموظفة فطردت".

فيما تقول موظفة اخرى: "تعامل الرجال معي في الشغل جيد، لكنهم
يعتبرون أنفسهم دائما على صواب، وإذا ارتكبت خطأ بالشغل يحملوني كل
المسؤولية".

وتقول عزة، موظفة بنك: "نظرة الرجال الى المرأة
دائما أقل بمعنى (بمونوا عليها)، ويضعون على كاهلها شغل اكثر لان الرجال لا
يستطيعون طلب ذلك من زملائهم بسبب كلمتهم المسموعة عند المرأة، وهناك مقوله تترد
دوما على مسامع المرأة "يا تشتغلي يا ما بدنا اياك".

وترى سوزان أن هذه الممارسات لها علاقة
بالثقافة المحافظة لدينا، وهي ثقافة تميز ضد المرأة. "على سبيل المثال
عندما بدأت عملي في البنك، كان عدد الموظفات مقارنة مع الموظفين كبير، لكن معظمهن
كن يعملن في مجال السكرتاريا وحفظ الملفات، وكان عدد قليل منهن يعملن في مواقع
إدارية وفنية متخصصة سواء في الفروع او في الإدارة العامة"
.

التمييز: لمصلحة من؟

لا يكون التمييز ضد المرأة في مطلق الأحوال بسبب جنسها بحد ذاته بقدر ما
يتعلق الأمر بمصلحة أرباب العمل وتفضيلهم عمل الرجل الذي لا يحبل ولا يرضع وليس
مطلوبا منه في العرف الاجتماعي العناية بالمنزل والأبناء وتحمل أعباء التربية. أرباب
العمل، خاصة في القطاع الخاص، ينظرون الى عمل المرأة المتزوجة منهن بصفة خاصة،
بوصفه عبئا عليهم.

بعضهم يعتقد أن التمييز يأتي بسبب الكفاءة والمهنية، لا
بسبب الجنس، ولكن اصحاب هذا الرأي يغفلون عن الواقع الذي لا تستطيع معه المرأة
العمل على تطوير نفسها وزيادة مهنيتها بسبب الثقافة الاجتماعية والأعباء الملقاة
على كاهلها، فيما لو كانت امرأة متزوجة او مسؤولة عن شؤون البيت او ابنة أسرة
محافظة يمنع عنها السفر والتغيب في دورات تدريبية وغيرها.

يقول محمد مصلح، صاحب شركة استثمارية: "لا تمييز واضحا بين المرأة
والرجل في القطاع الخاص، فنحن نعتمد على الكفاءة والمؤهل اكثر من الاعتماد على
الجنس. العملية كفاءة ومؤهلات، كل من يستحق شيئا يأخذه".

ويغفل أيمن، موظف، سبب عدم قدرة المرأة على تطوير
مهنيتها، ويؤكد ان: "وضع العمل في أي مؤسسة يعتمد على المهارات، واذا كان
عند المرأة مهارات عالية، فسوف تأخذ مواقع متقدمة في المؤسسات الحكومية والأهلية
والخاصة، وهناك سيدات يأخذن مواقع قيادية في الاردن بسبب كفاءتهن".

وبالنسبة لنبال التي تعتبر معيار الكفاءة هو السبب في
التميز، لا تستطيع تجاهل العلة التي تقف حائلاً بين المرأة وبين ان ترتقي بوضعها،
فتقول: "في مجال عملي لم يكن هناك امتيازات للرجل عن المرأة، إنما كان
السؤال هو: هل أنت كمرأة عربية لديك إمكانية لتخرجي في أي وقت للعمل؟ هذا هو
الفرق الوحيد الذي يميزك عن الرجل، أما الامتيازات الأخرى مثل العلاوات والرواتب
فكلها متساوية لأننا في عصر الانفتاح".

ولا يتفق جميع النساء على رأي موحد، فبعضهن لا يعتقدن
بوجود تمييز اصلا، وقد يعود السبب في هذا الرأي اما الى ان بعض المؤسسات التي
تديرها عقليات منفتحة قد تخلصت فعلا من النظرة السلبية لعمل المرأة، واما لكون
المرأة تكون في بعض الاحيان "مستلبة" تؤمن بشدة أنها اقل شأنا من زميلها
الرجل.

بيد ان هناك رأيا آخرا لا يمكن إغفاله يتعلق بالمرأة
نفسها او ببعضهن، حين يسمحن بواقع الاستغلال هذا ربما بسبب الحاجة الماسة للعمل.

تقول نهى، موظفة في شركة خاصة: "لا يوجد في
شركتي تمييز بين الرجل والمرأة من حيث الرواتب والعلاوات، لكن عندما توظف المرأة
يتم إعطاءها راتب اقل من الرجل لأنها تقبل بالقليل، هناك حالات عديدة في الأردن
يتم فيها اضطهاد المرأة في العمل".

تقدم ولكن ببطء

هناك تغيير وتقدم
لصالح المرأة، بيد انه يزحف ببطء، غير متخلص بعد من الممارسات السلبية، المعلنة وغير
المعلنة، تجاه الموظفة بشكل نهائي، ما يحرمها من الحصول على حقوقها كاملة ويعيق
تقدمها في مجال عملها وتبقى حبيسة التمييز ضدها.

تقول سوزان: "هناك
تمييز من قبل زملائي كوني امرأة، لكن اقل من السابق. اذكر أن الموظفين كانوا
يتندرون على وجود امرأة تتولى إدارة فرع للبنك، وتختلف بعض العقليات من موظف لأخر،
ففي بعض الأحيان يستكثرون على المرأة أن تكون في موقع إداري معين ويتهمونها بأنها
تتدلع للمدير".

وتؤكد سوزان أن الوضع الحالي العام للموظفة تحسن عما كان في السابق وترى أن
أهم سبب في ذلك "أن كثير من الإدارات السابقة من كبار السن أصحاب عقليات
محافظة تجاه المرأة، لكن المدراء الحاليين من جيل الشباب متفهمون أكثر لحقوق
المرأة".

غير ان سوزان ترى ان السبب الاهم في هذا التغيير هو وعيها بضرورة العمل
وقيمته الحياتية، فتضيف: "المرأة أصبحت تهتم بمسارها الوظيفي، وأصبحت تهتم
بالتخصص والتعلم، والحصول على مهمات فيها تحد لتنمي خبرتها وصارت منافسة
للرجل".

وتتفق مع هذا الأمر نبال
خليلي، موظفة مبيعات في بنك، فتقول: "أصبح عندنا ديمقراطية وانفتاح، وعمل
المرأة كعمل الرجل، في نفس الوقت كل واحد لديه عمله، ووظيفته ونشاطه، وكل منهما له
هدف. في مجال عملي لم يكن زملائي ينظرون لي نظرة دونية على العكس كانوا يشجعوا
المرأة ".

ما تؤكده سوزان عن وعي المرأة بقيمة العمل، يعكسه واقع
اهتمامها بالعمل العام، فقد اتضح ان نصف اعضاء الهيئة العامة لنقابة العاملين في
المصارف من النساء. وهذا الامر يعكس ايضا مدى اهتمام المرأة بتحصيل حقوقها ووعيها
بذاتها والتمييز الواقع عليها. واذا كان التغيير الايجابي الذي تحدثت عنه بعض
الموظفات قد حصل فعلا فهو حصل بفعل كفاح المرأة اساسا. ومن المعروف ان نقابة
المصارف هي من انشط النقابات في الاردن. وسوزان نفسها حالة ايجابية في التعامل مع
حقوقها، حين طالبت ادارة البنك بساعة الرضاعة وحصلت عليه.

أعدت لجنة المرأة
في نقابة المصارف، والتي تجتمع كل أسبوعين، استبيانا يستطلع أولويات النساء العاملات في قطاع
المصارف ورأيهن في عضوية وخدمات النقابة.

وتوضح
الشاويش: "سألنا النساء في الاستبيان إن كانت تريد الانتظام في النقابة
لتحقيق شيء من الحقوق التي تبحث عنها، كالتركيز على ساعات العمل وضمان رعاية
الأطفال والاحترام في العمل ومنع التحرش أو العنف، إضافة الى ضمان التقاعد
والتأمين الصحي والتكافؤ الوظيفي من رواتب مجزية ومكافآت وامتيازات وغيره من تطوير
المهنة والتدريب والصحة والسلامة وإجازة الولادة والأمومة".

هذا
بالإضافة إلى السؤال عن أسباب عدم انخراط المرأة في النقابة: "هل هي أسباب
ثقافية دينية أو بسبب تحفظ الزوج والمسؤوليات العائلية وعدم توفر الوقت أو حتى
الخوف من نقمة صاحب العمل من انخراط المرأة في العمل، وهل هناك صورة سلبية عن
النقابة في ذهن المرأة أو سيطرة الذكور على النقابة تجعلها لا تثق فيها أو تقصير
منا".

في المجمل، أصبح الواقع اقل سوداوية بالنسبة للمرأة،
واستطاعت المرأة بكفاحها وجدارتها تحصيل حقوق كبيرة ولكن المشوار لا يزال طويلا،
غير انها قطعت الخطوات الاولى في مشوار الألف ميل.

أضف تعليقك