الصوم "حالة وراثية"

الرابط المختصر

بثت قناة الجزيرة قبل أيام تقريرا للزميل حسن الشوبكي عن صيام الأبناء. وأشار التقرير الى قضية هامة وطريفة في نفس الوقت تتعلق بالكيفية التي نورث فيها شهر رمضان وعبادة الصوم الى ابنائنا واطفالنا، وهو أمر ربما لا يلفت انتباه الابناء ولا الاباء او الامهات، لأننا جميعا نحقن اطفالنا بمفهوم للصوم وشهر رمضان من خلال سلوكياتنا وما نفعله خلال الشهر. فرمضان ينمو داخل اطفالنا في صورة الاب والام والكبار من حولهم.

الأب الذي يستقبل رمضان بحالة كآبة وغضب وهم وغم، ثم يحول ساعات النهار الى صراخ وغضب وهوشات مع الام او الفران او بائع الفجل والبصل الاخضر. هذا الاب يورث لأطفاله صورة رمضان من خلال سلوكه. والاب الذي يقضي ساعات اليوم يحوم حول المطبخ ويفتح اغطية (الطناجر) ويزيد الملح هنا ويصرخ على الأم مرات، او يعمم على كل من حوله أنه في ساعات رمضان يتحول الى منطقة محظورة، يمنع الاقتراب منها، لأنه صائم ولأنه جائع او بحاجة الى سيجارة، كل هذا يتحول عند الاطفال إلى صورة كئيبة لرمضان وشهر للمشاكل والهوشات والنكد والصراخ.
ونرسم صورة سلبية ونورث لأطفالنا رمضانا غير ما يجب عندما يكون الأب والأم فيه خلال النهار منكوشي الشعور، يجتاحهم النوم والنعاس والتثاؤب في كل زمان ومكان، وتكون المصطلحات بين الزوجين متوترة صاخبة، وكل واحد يصرخ من غير سبب والتبرير الدائم ( حل عني، انا مش شايف الضو من الصوم) وغيرها من اشكال التواصل وكأن البيت جزء من مصحة نفسية ليس فيها عاقل.
ونورث لأطفالنا رمضانا خاصا عندما يرتبط بالمسلسلات والأراجيل وغيرها من المظاهر التي لا علاقة لها برمضان، بل مرتبطة بحالة فش غل من ساعات الحرمان النهاري من الاكل والشرب والدخان.
وعنما ينشأ الطفل في البيت على هذا النوع من رمضان يرث عن أسرته مفهوما مشوها لسلوك الصائم وما يجب ان يفعله في ساعات نهار الصوم، ولا نقدم له مفهوم الصبر والعبادة والتعامل الهادئ.
طبعا نحن لا نتحدث عن ملائكة، فالناس كلهم يجوعون ويعطشون في رمضان، لكن قيمة رمضان أنه يحول هذه المعاناة الى عبادة وشهر هو من ايام الله في طلب الخير او على الاقل ان لا يكون الصائم قنبلة موقوتة من الشتائم والعصبية. فكل هذا لا يتناقض فقط مع مفهوم الصوم، بل يرسم صورة مشوهة لهذا الشهر الفضيل لدى الابناء والبنات عندما يصبحون كبارا. وتتكرر ذات الصورة والمشاهد مع كل جيل.
على الآباء والأمهات ان ينتبهوا جيدا. فكلنا نورث لأبنائنا وبناتنا مفهوم رمضان عبر ما نفعله في أيام الصيام، وعبر كل سلوك وحتى الشتائم التي يطلقها الأب، وهو صائم، يورثها لابنه، يوم أن يصبح الابن قادراً على إطلاق الشتيمة، وكأنها جزء من شعائر ساعات الصوم.