الصرف الصحي "يُهجّر" سكان لواء بني كنانة

الرابط المختصر

 

اضطرت أم حسام عبندة إلى هجرة منزلها في قرية سمر بلواء بني كنانة (شمال غربي إربد)، بعدما سكنته عشرين عاما، إثر عدم احتمال الروائح الكريهة والحشرات والقوارض الناتجة عن تدفق المياه العادمة في الوادي المحاذي لمنزلها. 

يعتمد السكان في اللواء (عددهم 153 ألف نسمة)، على الحفر الامتصاصية للتخلص من المجاري بدل عن شبكة الصرف الصحي، التي لم تتوفر في المنطقة حتى اليوم. 

 

ونظرا لغياب الشبكة، يتوجب على السكان التخلص من المياه العادمة من خلال صهاريج النضح، مقابل دفع 55 - 60 دينارا عن كل مرة. ويفترض أن يتخلص أصحاب الصهاريج من المجاري في مكب "الأكيدر" بمنطقة الرمثا، المخصص لمحافظات الشمال الأربع.

لكن عددا من أصحاب صهاريج النضح لا يلتزمون بالإجراءات المفروضة، و يتحايلون على نظام التتبع الإلكتروني المعتمد على كل صهريج في المملكة، ويطرحون المياه العادمة في الأودية بدل نقلها إلى المكب، رغم أنهم يتقاضون الرسوم من المواطنين، وهو ما أجبر أم حسام على ترك منزلها. 

 

بوكس

يحتاج البئر الامتصاصي المصمت (بئر ينتهي بقعر) إلى تفريغه من المياه العادمة مرة كل شهر أو شهرين حسب السعة، ويلجأ سكان لواء بني كنانة لحفر آبار امتصاصية في كل منزل نظرا لعدم وجود شبكة صرف صحي.

 

كذلك الحال بالنسبة إلى أم صهيب من قرية قرية أبو اللوقس، إذ اشتكت من تحول الوادي الذي يبعد عن حيها نحو حوالي 100 الى 120 مترا إلى مكب مياه عادمة من قبل أصحاب الصهاريج، ما أدى إلى تلوث عين مياه في المنطقة، كما تقول.

وتذكر أن جيرانها تقدموا بشكوى ضد صاحب الصهريج وتم محاكمته إلا أنه لم يرتدع، وأصبح يفرغ حمولته بين أشجار الزيتون في الوادي.

 

تصريف المياه العادمة في الأراضي الزراعية والأودية يؤدي إلى قتل التربة، بسبب ما تحمله من مواد سامة ناتجة عن المعادن والفلزات، وفق دكتور علم الجيولوجيا الخبير البيئي أحمد الشريدة. مشيرا إلى أن "تسربها إلى طبقات الأرض يرفع درجة حرارة الأرض وقلوية التربة وحموضتها بالتالي تصحرها وقتلها". 

 

علاوة على ذلك، تنتشر الروائح الكريهة والحشرات والآفات والجراثيم والفيروسات والبكتيريا بشكل كبير، يحذر الشريدة.

 

لكن لماذا لا ينقل أصحاب الصهاريج حمولاتهم كلها إلى مكب "الأكيدر"؟، أجاب أحدهم: "بدك الصراحة، عشان صاحب الصهريج يمشي شغله إلا ما (يزرق) نقلة في اللواء (الأودية) عشان توفي معه، خمسين دينار ما بتوفي أقسم بالله".

 

وبالنظر إلى المسافة المقطوعة من قرية سمر الكفارات إلى مكب الأكيدر، نجد أنها 44.7 كم، وتحتاج 60 دقيقة بين ذهاب وإياب، وتصل تكلفة وقود الديزل قرابة 25 دينارا، إلى جانب 20 دينارا رسوم التفريغ في المكب تدفع شهريا.

 

وفي رده، يقول مدير عام شركة مياه اليرموك منتصر المومني إن البديل لأصحاب الصهاريج يوجد في محطة التفريغ الثانية بمناطق الشمال وهي قريبة من بني كنانة وتقع في قرية الشونة الشمالية في لواء الأغوار الشمالية.

 

 

لا ضوابط رادعة لأصحاب الصهاريج

 

كثير من الشكاوى وصلت الحاكم الإداري في لواء بني كنانة عمر القضاة "قمنا بمتابعتها وتم تحويلهم إلى المحكمة، ونربطهم بكفالات وغرامات وبعدها يعاودون الكرة". وبحسب القضاة فإن الصهاريج التي يعمل بها هؤلاء الأشخاص "غير مرخصة ولا تحمل نمرا (لوحات تسجيل) لا خلفية ولا أمامية". وما يعقد من عملية الرقابة أن أصحاب الصهاريج يختارون أوقات الليل لتفريغ المياه العادمة في الأراضي الزراعية أو الحرجية القريبة من السكان، كما يقول. 

 

في عام 2017، أطلقت وزارة البيئة الأردنية نظام تتبع إلكتروني، لمراقبة صهاريج المياه العادمة (عددها 700) والزيوت المستهلَكة ومركبات نقل النفايات الخطرة، وأماكن تواجدها وإلقاء حمولتها، ويعتبر تركيب النظام شرطا عند تسجيل المركبة أو تجديد ترخيصها.

 

لكن بعض أصحاب الصهاريج تمكنوا من التحايل عليه، وفق القضاة "وصلوا لمرحلة فكّ النظام عن مركباتهم ووضعه على سيارات أخرى، حيث تظهر الإشارة أنها متوقفة"، قائلا: إنهم فئة قليلة لكن التأثير كبير على البيئة.

 

واستذكر القضاة حادثة تلوث شبكة مياه صحية نتيجة اختلاطها بمياه عادمة في شهر نيسان/ أبريل الماضي بمنطقة "المخيبة" في الحمة الأردنية. وحتى اللحظة يُحرم المواطنون من مياه الشبكة لحين صيانتها، ويعتمدون على مياه الصهاريج ما يشكل عبئا على ملف إدارة المياه.

 

ولتجاوز المشكلة، يقول القضاة إنه تم إنجاز دراسة شاملة لجميع مناطق اللواء لاشراكهم بخدمة الصرف الصحي. توصلت الدراسة إلى حاجة المنطقة أكثر من محطة تنقية نظرا لوجود جبال وأودية كثيرة فيها. ونظرا لتكلفة المشروع العالية تم تأجيل تنفيذه لحين الحصول على الدعم من الدول المانحة.

 

خمس شركات ألمانية كانت بصدد تقديم تمويل لتنفيذ مشروع محطة تفريغ وتنقية داخل لواء بني كنانة عام 2018، إلا أن جائحة كورونا بداية 2020 كانت عائقا أمام التنفيذ، بحسب عضو مجلس اللامركزية في محافظة إربد إيمان الزعبي، إذ تم تحويل المبالغ المخصصة للمحطة إلى "مشروع الصحة العالمي". 

لكن الزعبي تشير إلى بوادر إيجابية من شأنها إحياء مشروع المحطة، إذ من المقرر استضافة الجهات المانحة الألمانية في الأردن يوم 13 أيلول/ سبتمبر المقبل، لعقد مؤتمر يبحث سبل دعم المشروع. 

 

من جهته، يقول أمين عام وزارة التخطيط مروان الرفاعي، إن الجهة الحكومية المعنية بتحديد الأولويات في قطاع المياه والصرف الصحي في المملكة هي وزارة المياه والري (سلطة المياه) وهي التي تحدد أولويات المشاريع حسب التمويل المتاح.

 

الرقابة البيئة

ينفي مدير مديرية حماية البيئة في محافظة إربد فوزي العكور وجود مخالفات من قبل أصحاب الصهاريج في الآونة الأخيرة، بفضل نظام التتبع الإلكتروني الذي يضمن تفريغ حمولة الصهريج في محطة التفريغ المخصصة، مضيفا: "لو تمكنا من رصد مخالفة يتم تحويل رقم الصهريج وصاحبه إلى الحاكم الإداري لاتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية بحقه".

 

لكن العكور يناقض نفسه حينما قال: "أحيانا تحدث حالات تجاوز من قبل أصحاب الصهاريج في ساعات المساء في الأودية والسهول، وعليه نقوم بإبلاغ الإدارة الملكية لحماية البيئة حتى تقوم بدورها المنوط بالمراقبة الليلة لأكثر المناطق التي نتلقى عليها الشكاوى، وبدورها تقوم بتحويل المخالفين للحاكم الإداري".

 

وردا على الاتهامات بعدم جدية نظام التتبع، يقول العكور إنه "يتتبع حركة الصهاريج المرخصة حتى دون ورود شكاوى، وهو يعمل من خلال إدخال رقم الصهريج على النظام لتحديد تحركاته، وإنه أثمر في رفع الوعي لدى أصحاب الصهاريج وتعاونهم مع الجهات المعنية لعلاج الخلل في نظام التتبع في حال حدوثه".

 

بوكس

ينص قانون سلطة المياه وتعديلاته رقم 18 لسنة 1988 في المادة الخامسة منه على أن: "تتولى الوزارة المسؤولية الكاملة عن المياه والصرف الصحي في المملكة والمشاريع المتعلقة بها ووضع السياسة المائية ورفعها الى مجلس الوزراء لإقرارها".

 

مواطنون لا يشتكون

يرى رئيس الإتحاد العربي للبيئة يوسف العبيدات أن المواطن في بني كنانة بطبعه "لا يشتكي" لأنه لا يرى جدوى من الشكاوى، نظرا لأن الحكومات المتعاقبة بعيدة عن اللواء وربما لا تعرف بوجوده أصلا، على حد تعبيره. 

ودعا أهالي اللواء لزيارة الديوان الملكي للمطالبة بحل القضية، نظرا لعدم وجود أي جهة (حكومية أو خاصة) تهتم بقضية اللواء بشكل فعلي.

 

من جانبه يقول رئيس مجلس المحافظة خلدون بني هاني، إنه لغاية الآن لم يتطرق أعضاء المجلس (اللامركزية) لهذه القضية في لواء بني كنانة، باعتبار أن المخصصات المالية للمجلس التي تبلغ 15% من موازنة الدولة، لا تكفي لتوفير شبكة صرف صحي لقرية واحدة ووفقا للتوقعات عن تكلفة المشروع كاملا فهو لا يقل عن مئة مليون دينار أردني.

 

وعن أصحاب الصهاريج المخالفين فهم معروفون لدى الدولة، وأغلب المخالفين يتمركزون في منطقة محددة وجار العمل على تتبعهم وأخذ الإجراءات القانونية بحقهم، يقول بني هاني. مشيرا إلى نية المجلس تشكيل لجنة لمخاطبة جميع الجهات المعنية لمتابعة المشكلة ووضع الحلول لها.

 

ينتظر المواطنون في بني كنانة حلولا لمشكلة الصرف الصحي من المؤكد أنها لن تكون في القريب المنظور. وإلى حين إيجاد الحلول، يتجه اللواء الزراعي الأهم في إربد إلى مزيد من التدهور، قد يحوله في المستقبل إلى مكرهة صحية لا تصلح للزراعة ولا حتى السكن.