الصدق الإعلامي ينتصر على الحكم الشمولي

الرابط المختصر

عندما أعلنت لجنة نوبل بتقديم جائزتها المرموقة للسلام للصحافيين في الفلبين وروسيا فإن صدى ذلك القرار ُسمع في العواصم العديدة من العالم. الفائزان يديران مواقع إخبارية مستقلة في دول يسودها الحكم الشمولي. وفي حالتي ماريا روسا الفليبينية وديميتري موراتوف الروسي فإن صمودهما في بلادهما وتحديهم من خلال أعمال مهنية ومستقلة شكل الحافز للجنة نوبل الإسكندنافية لدعم مواقفهم وتقوية شجاعتهم في استخدام الإعلام لتحدي البطش الحكومي وقالت اللجنة إن حرية التعبير مهددة في أنحاء العالم ولذلك تم تسليط الضوء على الصحفيان بهدف تقويتهم وزملائهم أمام  حكام بلادهم ذوي النزعة الشمولية في الحكم.

اعرف الفائزان حيث تجمعنا عضوية مجلس المعهد الدولي للصحافة ومقره فيينا وتابعنا قبل عدة أسابيع أساليب الضغط الحكومية المتعددة الممارسة ضدها لثنيهم عن القيام بعملهم. ففي الفليبين تناضل ماريا في محاكم بلدها لمجموعة من الإجراءات القضائية مفتعلة تهدف الى ابعادها عن القيام بتحرير المواد على موقعها الإلكتروني الذي اشتهر بنشر تحقيقات استقصائية أحرجت رئيس الفيليبين.

أما ديمتري مارتوف فقد صرح أنه ينوي توزيع المبلغ المخصص للجائزة مع عائلات ستة صحفيين روس قضى نحبهم بسبب سعيهم للقول الحقيقية من خلال الاعلام.

تأتي جائزة نوبل للسلام للصحافيين في الوقت الذي ازداد بصورة مفرطة التدخلات الحكومية في الإعلام والإفلات من العقاب لمن يقوم بالتعدي على الصحفيين بسبب أعمالهم.

أما منطقتنا العربية فحدث ولا حرج. فلا تزال قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي بدون حل ولم يتم العثور على مكان وجود جثته بعد أن دخل القنصلية السعودية مشيا على الأقدام. وقد يكون العالم العربي أقل المناطق اعتداء على الصحفيين لان الحكام العرب يسيطرون على الاعلام من خلال ملكيتها او التحكم بمن يرأس تحريره الامر الذي خلق ظاهرة مؤسفة وهي الرقابة الذاتية وقد تجلت تلك المشكلة في الأردن وغيرها من خلال قيام الصحفيين طوعا بالامتناع عن النشر مثلا في موضوع وثائق باندور. من الصعب لوم الصحفيين في حين انه بات واضحا ان من يتحدى السلطات الحاكمة ومن يمثلها في إدارة المؤسسات الإعلامية سيجد نفسه بدون إمكانية للعمل وتوفير لقمة عيش كريمة لعائلته.

إن الدرس من جائزة نوبل للسلام للصحفيين واضحة في مغزى تلك الجائزة وهي عبارة عن انتصار للحق والصدق امام الكذب والتضليل الرسمي.

لمعالجة كل تلك الأمور علينا أن ندشن ثورة حقيقية في مجال حرية التعبير تبدأ في الإصرار على حرية التعبير وضرورة تغيير قوانين ملكية الإعلام وتستمر في حق كل صحفي المبادرة لإقامة نقابة تمثله بعيدا عن النقابات المغلقة الموجودة حاليا والتي تمثل بالأساس أصحاب الاعلام الرسمي. كما وعلينا البحث الجاد عن إيجاد طرق لتمويل الإعلام المستقل بعيدا عن التدخل الحكومي وتدخل رأس المال الذي يعتبر شريكا للحكومات في بلادنا.  وعلينا كإعلاميين مستقلين ان نبحث عن طرق للتعاون فيما بيننا وخلق أطر لتبادل المقالات والتقارير المهنية لكي تزداد قوتنا وقوة عملنا المهني أمام الملايين التي تصرف من قبل الحكومات ومن قبل العائلات الحاكمة في منطقتنا.

لقد استفادت ماريا وديمتري من الثورة المعلوماتية بإقامة مواقع إخبارية مستقلة تضاهي الإعلام الرسمي وتتحدى الحكام من خلال الخبر الصادق والتحقيق المعمق الذي لا يهاب حاكم.

نحيي زملائنا الفائزين ونستلهم من شجاعتهم وندعى الإعلاميين المستقلين أن يوحدوا جهودهم في الوقوف أمام أي جهة رسمية أو خاصة تحاول منع عمل الإعلام وتحدد حريته. المطلوب في الأردن ليس تكرار مقولة الملك  غير المفعلة أن سقف الحرية هي السماء ولكن العمل على تحقيق الحرية للإعلام المستقل من خلال المهنية العالية والشجاعة في تحدي أساليب الدولة في السيطرة على الفكر والمعلومة والرأي المخالف.