الصحافيات: سحر الاضطهاد الخفي!

الرابط المختصر

تبدو النساء العاملات في قطاع الإعلام مطمئنات النفس لواقعهن راضيات بما أتيح لهن من مكان، وهذه مفارقة تسم الاعلاميات دون سائر كثير من العاملات بمهن أخرى
تبدو النساء العاملات في قطاع الإعلام مطمئنات النفس لواقعهن، راضيات بما أتيح لهن من مكان، وهذه مفارقة تسم الاعلاميات دون سائر الكثير من العاملات في المهن الأخرى، رغم ما يقع من استغلال وتمييز وتحرش في كثير من الأحيان.
علامات الرضى التي تبديها النساء الاعلاميات تتأتى من كون هذا القطاع يشهد اقبالا متزيدا للمرأة على هذه المهنة، خلال ايامنا الاخيرة هذه. فعدد العاملات في تزايد، والكليات المتخصصة تكاد تخرج من النساء اكثر من الرجال. وتجد الكثير من الاعلاميات في بعض الاحيان القدرة على منافسة زميلها الرجل في الحصول على المعلومات، وسهولة في الاتصال مع المسؤوليين، وتفضيلا في التوظيف خاصة في قطاعي الاعلام المرئي والمسموع. وكل هذا بإضافة تفاصيل اخرى، يخلق شعورا "زائفا" بالرضى.
إحصاءات تخالف الرضى
يشير كتاب "النساء قادمات" الصادر عن مركز الإعلاميات العربيات عام 2004، الى ان الرجل بقي مهيمنا على مهنة الصحافة في شكل عام. فقد ضمت نقابة الصحفيين الأردنيين (594) رجلا مقابل (90) امرأة، ومن بين اعضاء مجلس النقابة الاحد عشر لا يوجد سوى صحفية واحدة.
قد لا تعكس أرقام نقابة الصحفيين الواقع بدقة، خاصة مع وجود عدد من الصحفيين خارج سجل العضوية، والزيادة الملحوظة في عدد الصحفيات العاملات في الصحف اليومية والأسبوعية من المتخرجات حديثا في الجامعات المحلية.
الصحفية حنان الكسواني فهي تؤكد على وجود تمييز ضد المرأة في الرواتب ايضا: "بالنسبة للراتب تشعر الصحفيات أن هناك فعلا تمييز، قياسا مع الجهد المبذول وهذا قياسا على دراسة قامت بها الباحثة علياء تفاحة عام 2003 في رسالة ماجستير، كما أني من خلال دراستي للماجستير قمت ببحث مماثل للكاتبات في الصحافة كشفت هذه المشكلة. مشكلة تدني الراتب ومشكلة الحصول على المعلومة".
وتقول: "في بحثي قدمت دراسة عن مشكلات المرأة الصحفية العاملة في وسائل الإعلام، وتطرقنا الى ثلاث مشكلات تواجه الصحفيات (اجتماعية واقتصادية ومهنية). أكثر التمييز الذي توصلت له الدراسة في الراتب بينها وبين زملائها، كما أن التمييز بينها وبين الصحفيين أنها لا تستطيع التأخر في العمل وبالتالي ينعكس على عملها".
ومع ذلك ففي سؤالنا عن وجود تمييز ضد المرأة في قطاع الإعلام، اجمعت اجابات اغلب المستطلع آرائهن، وهن كثر، على مخالفة هذه الحقائق.
الصحفية فرح، العاملة في يومية محلية، ترى أنه "لا يوجد فرق بين شاب وفتاة كلنا نعمل نفس الجهد ونناوب أوقات ليلية ونأخذ مكافآت متساوية. وهناك صحفي الشهر التي يحصل عليها الشباب والفتيات. لا يوجد تمييز من حيث الرواتب لأنه دخلنا على نفس سلم الرواتب، انا لا اشعر ان هناك شاب يأخذ أعلى مني".
وبالنسبة للصحفية عايدة العاملة في صحيفة يومية، فالأمر نفسه: "لا يوجد تمييز بالرواتب لان هناك سلم رواتب لكل الموظفين".
وهو كذلك عند ليندا، صحفية في يومية محلية، اذ تؤكد أنه "لا يوجد تمييز ضدي من قبل رؤسائي في الراتب والمعاملة، اقوم بتغطية قطاع الامن، لو كان هناك تمييز لكان الذي يغطي القطاع شاب، لان هذا القطاع حساس".
تقسيم عمل غير متساو
كيف يمكن ان تكون الرواتب والمكآفات التي تحصل عليها النساء متساوية مع الرجل، وهي لا تستطيع ان تؤدي نفس العمل الذي يقوم به الرجل. فنظرة المجتمع لها والواجبات المناطة بها في المنزل، بخاصة اذا كانت متزوجة وأم، تحد من حركتها سواء كانت عزباء او متزوجة، وتاليا منافسة الرجل بشكل حر دون عوائق.
تشير منار، صحفية في جريدة يومية، الى هذه المشكلة الجدية التي تواجهها المرأة خلال عملها: "عندنا جدول مناوبات واحد للبنات والشباب حسب ساعات العمل، هناك بعض القطاعات يتطلب العمل فيها لوقت متأخر، لذا يتعاطفون معنا".
لكن نظرة "التعاطف" هذه لا تبدو كذلك، فتقول منار: "هناك نقطة مهمة، القطاعات السيادية التي تحتاج لجهد ووقت اكثر لان فيها الحراك اكثر، يفضلون فيها الشباب، وهنا يمكن ان يتفوق زميلي من حيث عدد الاخبار التي ينتجها".
وجمانة العاملة في صحيفة يومية وأسبوعية، تقول: "في نطاق قسمي قد يكون هناك تمييز في تكليف إجراء التحقيقات، هناك بعض القضايا لا تستطيع الصحفية ان تقدمها وتقوم بها لانها قد تحتاج الى بيات خارج المنزل مثل تحقيق عن عمليات التهريب وهذا يتطلب يومين في الصحراء".
وتؤكد حنان: "لدينا مشكلة، فمهنة الصحافة تحتاج الى التأخر ليلا في العمل، ومعظم الصحفيات المتزوجات وحتى الشابات ليس لديهن القدرة على التأخر في العمل، خاصة بعد الساعة 12، وقد تستطيع أن تتابع عملها في منزلها إذا كان هناك أحداث طارئة لكن التأخر يتضارب مع أسرتها وعائلتها".
ريمون، الصحفية بجريدة يومية، تخالف زميلاتها اللواتي تحدثن عن عدم وجود تمييز، فتؤكد ان محدودية قدرتها على العمل تسبب عدم مساواة في الرواتب: "في الصحيفة الحالية اشعر بتمييز من حيث الراتب لأنني فتاة أخرج من بيتي الساعة 10 واعد الساعة 9 مساء، وهو شيء غير مقبول في مجتمعنا، ولذا فيجب ان اكافأ بمقدار عملي. لا اجد تقديرا لعملي على الأقل ماديا، فيما أجد أن الشاب يأتي منذ الساعة 10 حتى 5 ويعود لبيته ويأخذ راتبا اكبر مني".
وفي جانب آخر من الصورة، ترى بعض المؤسسات تكاد تخلو من النساء. تؤكد الصحفية سهير العاملة في وكالة الانباء المحلية على انه: "يوجد في وكالة الانباء خمسة عشر صحفية"، وبالطبع فأإن عدد العاملين في الوكالة من صحفيين يزيد على المائة وخمسين صحفيا".
اذا كان هذا الامر بحد ذاته ينطوي على تمييز في النظر إليها كـ"ضلع قاصر"، فهو ايضا يمنعها من تطوير نفسها، والارتقاء بها مهنيا ومواقع مسؤولية.
يظهر كتاب "النساء قادمات" تراجعا كبيرا في وضع المرأة الاردنية في مراكز القرار الاعلامي غير الرسمي، اذ ان عدد النساء من بين رؤساء التحرير لم يزد عن امرأة واحدة في الصحف اليومية. ففي عام 1998 كان هناك (7) رؤساء تحرير رجال بدون أية رئيسة تحرير، وكان هناك (13) رجلا بمنصب رئيس تحرير مقابل امرأة واحدة في الصحف الأسبوعية. وفي عام 2003 كان هناك أربعة رجال رؤساء تحرير في اليوميات مقابل امرأة واحدة كانت رئيسة تحرير بالوكالة، بينما زاد عدد رؤساء التحرير في الصحف الاسبوعية الى (18) رجلا. اما في عام 2005 الذي شهد زيادة في عدد الصحف اليومية وصلت الى ست صحف بدخول صحيفة "الأنباط" الى السوق فإن الرجل بقي مسيطرا على منصب رئيس التحرير. وقد عيّنت جريدة "الأنباط" الصحفية رلى حروب في منصب "رئيس هيئة التحرير".
واذا كانت المرأة قد عجزت عن الوصول الى مراكز صنع القرار في المؤسسات الاعلامية بسبب ما يفرض عليها من قيود، فهذه القيود حدت بشكل كبير من قدرتها على تطوير نفسها مهنيا. فما يثير الانتباه في الصحافة المحلية هو اقتصار دور النساء بشكل عام على العمل كمراسلات او مندوبات اخبار ومنهن من قضى سنوات طويلة في هذا المجال دون الانتقال باتجاه مهام عمل اخرى كرئيس تحرير او مدير تحرير او محرر او كاتب رأي.
وكذلك فان سيطرة الرجل مطلقة على أعمدة الرأي، حيث تغيب المرأة بشكل شبه كلي عن اعمدة بعض الصحف. كما ان المرأة مغيبة تماما عن اقسام متخصصة مثل الاقتصاد والتحقيقات والتكنولوجيا، بخاصة اذا ما تحدثنا عن المناصب المقررة في هذه الاقسام كمدراء التحرير او رؤساء الاقسام.
وهو امر تؤكده جمانة، وتقول: "في القسم عندنا محررة واحده فقط، باقي الاقسام المحررين فيها ذكور، في القسم الذي انا فيه، يوجد ثلاث صحفيات، انا واحده منهم مقابل خمس صحفيين".
وعايدة كذلك تؤكد: "أعد تحقيقات وخصوصا ذات الطابع الانساني. عدد العاملات الصحفيات عشرين لكن لا يوجد اي منصب تحريري تشغله امرأة، انا من اوائل الصحفيات اللواتي عملن في الاردن، وكامرأة انا مرتاحة، لكن الرجل يأخذ درجة اعلى من المرأة بشكل عام".
انجازات نسوية.. ولكن!
اذا كانت المرأة حققت انجازات مهمة في قطاع الاعلام مظهره الرئيسي تمثل في الزيادة الكمية لعدد الإعلاميات، فإن الامر لم يعكس نفسه مطلقا على نوعية محتوى الاعلام. فقد بقي هذا المحتوى ذكوريا بامتياز. وقد يكون السبب في ذلك سيطرة الذكور على مراكز صنع القرار في المؤسسات الاعلامية بما يؤدي الى سياسة تحريرية تغيّب قضايا المرأة، وقد يعود ايضا الى الثقافة السائدة والى عدم تمكن المرأة من قضاياها ومن الدفاع عن نفسها والا كيف نفسر غيابها عن النقابة ومجلسها.
على ان هناك تفسيرات لم تعد تخفى على احد، في سبب تفضيل بعض المؤسسات تشغيل النساء اكثر من الرجال، وهو امر يوضح الى حد ما الزيادة في عدد الاعلاميات. ففي قطاعات الاعلام المرئية تصبح المرأة مطلوبة كمظهر جمالي يسر الناظرين ويسهم في جلب الجمهور، وكذلك الحال في قطاع الاعلام المسموع فصوت المرأة وحضورها كفيل بشد آذان المستمعين. وفي الصحافة المكتوبة فهي اكثر قدرة على الاتصال بالمسؤولين الذين يفضلونها امرأة في العادة. وفي كل هذا يكون المطلوب الجسد، وهكذا تبقى المرأة غير قادرة على عكس الزيادة الكمية في المحتوى الذكوري للاعلام طالما هي دمية او صوت حسن او مرغوبة وبعيدة عن مركز صنع القرار.
ولكن من اين تأتي المرأة بكل هذا الرضى عن واقعها بكل ما فيه من تمييز، تجمل رئيسة تحرير صحيفة "الأنباط" هذا الواقع بقولها: "المرأة نادرا ما تكون خارج السرب، فهي تلحق دائما بالسرب كي لا توسم بالتميز والاختلاف، وهما تهمتان للأسف للمرأة الشرقية التي تربت على ان تضع رأسها بين الرؤوس، ونشأت على الأعراف والتقاليد المتداولة".
وتضيف: "من عملي أعتبر نفسي خارج السرب المألوف بمعنى أنني دائما أضع امام عيني البحث عن الحقيقة خدمة المصلحة العامة حتى لو وضعني ذلك خارج السرب الإعلامي الذي يغني في كثير من الحيان في اتجاهات واحدة".
وتضيف: "أريد التحدث عن ثقافة عامة وموروث سائد، لان المرأة موسومة بالتبعية، ونحن نعرف أن المجتمعات العربية وليس فقط الأردني لا تعملان للمرأة، وضمن هذا فالمرأة العاملة كثيرا ما تتعرض للتمييز، لكن الصحفية تظهر لأنها تحت الأضواء فكثيرا ما تتعرض للتمييز وبنفس الوقت كثيرا ما تعطى امتيازات لمجرد كونها امرأة وهو أيضا تمييز وهاتان المعادلتان قد تعملان لمصلحة المرأة أو ضدها".

أضف تعليقك