الصحافة وتصريحات أبو عودة: بين هدوء التغطية وضجيج التعليقات وإثارة الأسبوعيات

الرابط المختصر

كادت
تصريحات المسؤول السابق عدنان أبو عودة لقناة "الجزيرة"، على أهمية
الشأن المحلي الذي تناولته، أن تكون قضية عابرة بين الأخبار، لولا أن بعض الصحافة
الأسبوعية، أرادت على جري عادتها، استغلالها لإثارة الغرائز، ولولا "الفزعة
الكتابية" لبعض المعلقين، بسبب تعبير الكاتب في "الدستور"، راكان
المجالي.في
الثامن والعشرين من الشهر الماضي بثت قناة "الجزيرة" الجزء الثاني من
مقابلة مع رئيس الديوان الملكي والوزير والمستشار السابق عدنان أبو عودة ضمن
برنامج "زيارة خاصة" وهو من البرامج المسجلة مسبقا.

وفي
الحلقة هذه آثار أبو عودة قضية الأردنيين من أصل فلسطيني، معتبرا أن الدولة
الأردنية انتهجت سياسات أدت الى إقصاء هؤلاء عن المشاركة في العمل السياسي.


وكان
أبو عودة في المقابلة يعبر عن وجهة نظر طالما أعرب عنها ووضعها جميعها في كتاب
أصدره باللغة الانكليزية عام الفين بعنوان "الفلسطينيون في الأردن"، وهو
صاحب التعبير المشهور "الحقوق المنقوصة".


ومن
سوء حظ أبو عودة أن القناة القطرية اختارت، عن سوء طوية أو عن حسنها، بث الحلقة في
سياق أزمة سياسية معلنة بين عمان والدوحة.


أن
يثير أبو عودة قضية "الإقصاء" أو "التهميش" السياسي للأردنيين
من أصل فلسطيني، وعلى فضائية "الجزيرة"، وفي سياق الأزمة السياسية بين
البلدين، الأردن وقطر، كان من شأنه أن يفك عقدة ابن الشيطان في "الصالونات
السياسية"، وخلف كواليس السياسة والإعلام. بيد أن حساسية التصريحات أو
الحساسية الخاصة لمحرري الصحف والسياسيين حول القضية التي أثارها المسؤول السابق
دفعت بالصحف اليومية، وهي الأكثر تحفظا في تناول القضايا الداخلية الحساسة، الى
التعامل بتحفظ شديد مع هذه التصريحات لدرجة الابتعاد عن الدقة والمهنية في تحري
الأنباء.



بعد
الثامن والعشرين من الشهر -تاريخ بث المقابلة- التزمت الصحف اليومية والأسبوعية،
الصمت التام وأحجمت عن نقل التصريحات أو بث المقابلة التي شاهدها الآلاف من
الأردنيين، أو متابعة الأمر مع صاحب الشأن، أو مع أصحاب الرأي المخالف، خاصة وان
أبو عودة طرح قضايا عدة تتعلق بتاريخ البلد السياسي، وخالف الكثيرين من معاصريه
خلال مرحلة، هي من أهم مراحل تشكل الدولة الأردنية.


على
أن الضجة التي أحدثتها التصريحات بين النخب السياسية في البلد ما كان يمكن تجاهلها
فبدأت الصحف بنشر أخبار منذ الحادي والثلاثين من الشهر جميعها تتعلق بردود الفعل
على التصريحات، فكان أن نشرت صحيفة "الدستور" أولا خبر انتقاد "التيار
الإسلامي المستقل" للتصريحات ومطالبته اتخاذ إجراءات عقابية بحق أبو عودة،
وعمدت الصحيفة الى نشر الخبر بشكل مختصر دون أي خلفية عن التصريحات مما يترك
القارئ غير المتابع أو من لم يطلعوا على المقابلة في عدم إدراك لرد الفعل هذا
وسببه، وعادة ما تتجاهل الصحف عندنا مسألة خلفية الخبر، إما نقصا في المهنية أو
اعتقادا من المحرر بافتراض أن جميع القراء على اطلاع مسبق، وهذا عيب مهني من
المفترض التخلص منه.


وفي
الثاني من الشهر الجاري، تقدم عدة مواطنين على رأسهم مفتي جرش على الى مدعي عام
عمان بدعوى على أبو عودة بتهمة إثارة النعرات والفتنة، وقد قرر المدعي العام
استدعاء السياسي الأردني وتحويله الى محكمة امن الدولة. وقد نشرت الصحف اليومية
جميعها الخبر، وأيضا بدون أي خلفية عن التصريحات وبقي القارئ غير المتابع في حيرة
من أمر هذه الضجة، وكان على وكالة "روتيرز" وحدها أن تتخذ المبادرة
وتسأل أبو عودة رأيه في الضجة والقضية المرفوعة بحقه فكان أن نقلت الصحف تصريحات
الرجل للوكالة وأيضا باختصار شديد.


في أي
حال، فأن الصحف اليومية الرئيسية، اختارت أن تتعامل بـ"هدوء" وهي تتناول
تصريحات أبو عودة ففي كل الأحوال لم يتجاوز عدد أخبار التصريحات وردود الفعل عليها
أكثر من عشرة أخبار عند جميع اليوميات، وكانت التغطية "متحفظة" جدا وقد
ابتعدت عن لغة الإثارة، وان اعتورها بعض العيوب من نمط عدم التذكير بتصريحات أبو
عودة أو إعادة بث المقابلة كما هي وإطلاق القراء عليها وفتح باب الحوار حولها كما
طالب بعض المعلقين.


وقد
انتهت تغطية "الحدث" مع يوم الرابع من الشهر، عندما قرر مدعي عام امن
الدولة حفظ القضية فحفظت الصحافة عليها أقلامها وتوقفت عن التعاطي معه إخباريا.


الصحف
الأسبوعية: بين المتاجرة والتأليب والابتزاز

إذا
كانت الصحف اليومية ارتأت الابتعاد عن تغطية تصريحات أبو عودة أو تناولها بأقل
القليل من النبأ، فان الأمر عند بعض الأسبوعيات أصبح مادة دسمة لإثارة الغرائز
والمتاجرة وحتى التألب على القمع.


ويبدو
أن صحيفة "المحور" شكلت المثل الأبرز في صحافة "الإثارة" وعدم
التعامل بحس المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية للصحافة ودورها، فهي اختارت أن
تتعاطى مع شان مهم بحجم القضية التي أثارها أبو عودة باستخفاف شديد يصل الى درجة
الاستهانة بعقل القارئ والتلاعب بمشاعره. فقد صدر عددها الذي يحمل الرقم (197) في
الثاني من الشهر الحالي بعنوان غلاف مثير جاء كتالي "المحور تكشف اخطر مشروع
صرحه قبل سنوات وتم رفضه فلسطينيا وأردنيا وعربيا وإسلاميا: فضيحة مشروع عدنان أبو
عودة للتنازل عن القدس الشريف"، كما اشتمل العنوان على "مفاتيح" اثارة
أخرى، غير أن المادة التي وصفها العنوان بالوثيقة الخطيرة كانت مجرد مقال لـأبو
عودة نشر قبل سنوات كثيرة جدا في مجلة "فورن افيرز" الأميركية يدعو فيه
أبو عودة الى تقسيم القدس كحل لهذه المشكلة من ضمن مفاوضات الوضع النهائي بين
الفلسطينيين وإسرائيل، وقد باتت وجهة نظر أبو عودة وجهة نظر رسمية تبنتها مبادرات
السلام العربية مع بعض التحوير. غير أن الصحيفة التي أرادت الإثارة والتهويل صورت
وجهة النظر دون أن تورد تفاصيلها بالطبع على أنها "خيانة وطنية ودينية"،
وهو ما يؤكده مقال رئيس التحرير الذي طالب بسحب الجنسية من أبو عودة، هل وجدت
الصحافة للدفاع عن حق الناس في الرأي أم لتأليب أجهزة الدولة وتحريضها على القمع!


على
أي كل، فان صحف اخرى تعاملت بنفس المنهجية مع التصريحات وإن بشكل أكثر هدوءا مثل
صحيفة "الحقيقة"،(1/11/) التي تابعت التصريحات مع عدة شخصيات مخالفة
لعدنان أبو عودة، ومع أن الصحيفة أوردت رأي أبو عودة الى أن التركيز على مخالفيه
يعطي الانطباع بقصدية المحرر وتوجيه الخبر أو التقرير.


وفي
صحف اخرى" كصحيفة "شيحان" (2/11)، اختارت أيضا أن "تشخصن"
الحدث فأوردت "خبرا" تحت عنوان "هل باع أبو عودة الأردن مقابل
الحفاظ على منصب نجله سكرتيرا لرئيس الوزراء القطري".

في
الصحف الأسبوعية أكثر من خبر وتقرير كهذا، بما يعطي الانطباع على مدى فقدان
المهنية لدى بعض الصحف الأسبوعية وعلى تعدمها إثارة غرائز الجمهور بغض النظر عن
مدى جدية القضايا ومخاطر التلاعب بعقول الناس في مسائل حساسة.


التعليقات

إذا
كانت التغطية الإعلامية تراوحت بين "الهدوء" عند اليوميات، و"الإثارة"
عند بعض الأسبوعيات، فالأمر لم يكن كذلك مع أعمدة الرأي أو التعليقات فقد كان
النقاش والتعليق أكثر غزارة واشد تنوعا.


كان
كتاب صحيفتا "الغد" و "العرب اليوم" الأكثر تعليقا على
التصريحات، وقد كتب بعضهم معلقا على التصريحات نفسها مبتعدا عن "الشخصنة"
والتهجم، مطالبين بفتح الحوار حول القضايا التي أثارها أبو عودة في المقابلة، وعلى
هذا المنوال كانت مقالات : محمد أبو رمان ، ياسر أبو هلالة، حسن البراري، باسم
الطويسي، وأيمن الصفدي في الغد، كما كتب في نفس السياق طاهر العدوان وفهد الخيطان
في "العرب اليوم، وراكان المجالي في "الدستور"، وقد فتحت تعليقات
هؤلاء الكتاب بابا للجدل الموضوعي حول قضية حساسة، قد يكون من شأن الصحف اليومية
المهنية التصدي لها ومناقشتها عوضا عن تركها للإثارة والمتاجرة أو "كنسها تحت
السجادة".


غير
أن بعض الكتاب اختاروا الابتعاد عن النقاش الموضوعي والالتجاء الى "العواطف"
"ولملمة الموضوع كما حاول ذلك باسم سكجها في الدستور. فيما التزم اغلب كتاب
صحيفة "الرأي" الصمت وآثروا عدم التعليق، ولكن هذا لا يمنع أن بعضهم كتب
"مداورة" حل القضية كما فعل عبد الهادي راجي المجالي في مقاله حول
مباراة نادي الفيصلي مع نادي المحرق البحريني في الرابع من الشهر الحالي.


على
أي حال، كان حدث تصريحات أبو عودة، مثال آخر لطريقة تعاطي الصحافة المحلية مع
أحداث حساسة تتناول عمق تركيبة المجتمع المحلي، وإذا كانت الضجة أو الفزعة
الكتابية حول التصريحات انتهت فان موضوع العلاقة الأردنية الفلسطينية والمواطنة
والحقوق المنقوصة كان مثار جدل وقد أبدى الكثير من الكتاب، آراء جديدة تستحق أن
تكون محورا لنقاش تتصدى له الصحافة اليومية الجادة والمهنية دون خوف من تفكك مجتمع
بسبب تصريح هنا ومقال هنالك.


أضف تعليقك