الصحافة والطقس: التغطية المتقلبة

الصحافة والطقس: التغطية المتقلبة
الرابط المختصر

عندما مرت العاصفة الثلجية على البلاد قبل نحو أسبوعين وتسببت في اضرار كثيرة من بينها حصار مئات المواطنين، كشفت عن عيوب عديدة في أداء الاجهزة الحكومية المعنية.

ولقد استدرك الاعلام نفسه فقلب عاصفة الثلج الى عاصفة انتقادات للحكومة التي رأت نفسها مجبرة على تشكيل لجنة تحقيق بعد دخول البرلمان على خط النقد، وقد خرجت اللجنة بتقرير اهمل تماما من قبل الاعلام اهماله لمتابعة الطقس.
والاكثر طرافة في تقرير اللجنة انها حملت المواطن مسؤولية ما جرى، في الوقت الذي تجاهلت فيه دور الاعلام بالكامل بعد ان كان رئيس الوزراء شن هجوما على هذا الدور بما فيه جهاز التلفزيون الرسمي الذي كان له الفضل الاكبر في خدمة المواطن خلال العاصفة وفي تحريك اجهزة الدولة.
ويبدو ان التقرير بتجاهله دور الاعلام بعد ان كان المسؤولين قد انتقدوا هذا الدور، اراد ايصال رسالة واضحة مفادها ليس التهدئة مع الاعلام بل تجاهل دوره وكأنه لم يوجد ولم يؤدي الدور المطلوب منه. وعندما يتحدث التقرير عن غياب المعلومات الدقيقة يتجاهل دور التلفزيون تحديدا الذي كان يواكب حالة الطقس والمحاصرين لحظة بلحظة.
التقرير الذي خرجت به اللجنة ونشر نصه كاملا عبر صفحات الصحف نقلا عن "بترا"، بتاريخ (4/2) اهملته الصحافة بالكامل، على ما فيه من نتائج طريفة اهمها تحميل المواطنين مسؤولية ما جرى والحديث عن دور القوات المسلحة الايجابي، وهو فعلا كذلك ولكن هذا الدور لم يأت لسرعة تحرك الحكومة بل انقاذا للحكومة، وجاء بفعل تدخل الملك بعد ان عجزت الحكومة عن التعامل مع العاصفة.
ويحفل التقرير ايضا بمفارقات كان ممكن لها ان تشكل مادة اعلامية تضع الحكومة امام مسوؤليتها وتكشف على الاقل عن مدى استخفاف الحكومة في معاجلة تقصير بهذا الحجم. وكان يمكن للصحافة والاعلام بشكل عام متابعة ما كانت بدأته في خدمة المواطن من خلال تناول التقرير، ولكن مع كل ذلك فقد مر تقرير لجنة التحقيق مرور الكرام على الاعلام، ما يعكس مدى تقلب الاعلام في التعامل مع القضايا التي تخدم المواطن بشكل مباشر، وخاصة مسالة الطقس التي دائما ما ينظر لها بطريقة تبسيطية شديدة او يتم التعامل معها كشأن غير ذي اهمية اطلاقا.
ويبدو ان الوحيد الذي تنبه للتقرير كان الكاتب الصحفي سميح المعايطة في مقاله بجريدة "الغد" اذ يقول: "اخيرا اعلنت الحكومة عن تقريرها الخاص بأزمة الثلج، عبر تصريح صحافي مقتضب وقصير لوزير تطوير القطاع العام. التصريح الذي جاء مساء الثلاثاء، برر ما جرى بأن الثلجة لم تأت على الاردن منذ عشرين عاما. واعترف الوزير بوجود اخطاء، لكنه لم يقدم تفصيلا، وقال ان الحكومة ستعاقب المقصرين. لكن العقوبات، كما اشار الرئيس خلال لقائه مع عدد من الكُتّاب، ستكون سرية وغير معلنة، وهذا ما تحدث عنه الوزير.
والمشكلة داخل الحكومة ان اطرافا مهمة فيها تشعر ان هذه القضية بسيطة، ولا تستحق كل هذه المتابعة. لكن هذه القناعة الخاطئة يناقضها قيام الحكومة بتشكيل لجنة التحقيق الوزارية، الا اذا كانت الحكومة تفعل هذا من باب "مداراة" الناس والإعلام ومجلس النواب! ومع ذلك، فليس مهما ان تكون الحكومة مقتنعة بأن القضية بسيطة ولا تستحق كل هذا، بل المهم هم الناس والمتضررون".
وباستثاء متابعة المعايطة، فقد نشرت الصحف التقرير بحيادية كاملة دون أي متابعة او اهتمام. ولو تعلق الامر بتصريح سياسي لمسؤول حزبي لاختلف الوضع، فالسياسة اولا وهي ما يستحق الاهتمام في نظر الاعلام، وليس حالة الطقس على ما في تقرير الحكومة عن العاصفة الثلجية من سياسة ايضا تتعلق بالاداء الحكومي وجدية لجان التحقيق وجدية المحاسبة فقد مر التقرير كما هو دون أي محاسبة وكأن المطلوب هو التحقيق بذاته، لا معرفة ومحاسبة المقصرين. ويعود للاعلام اولا ولمجلس النواب ثانيا وعدم جديتهما في متابعة الامر السبب في ان الحكومة اكتفت باصدار التقرير.
يعامل الاعلام الطقس بزاوية منفردة على الصفحة الاولى في حالات تعرض البلاد لمنخفض جوي، اذا يتم نقل خبر "حالة الطقس" بشكل يومي، فيما تعتبره وسائل الاعلام المسموعة والمرئية خبرا لا يستحق ان يكون في مقدمة النشرة حتى لو كان المنخفض شديدا فهو دائما يأتي في آخر نشرات الاخبار.
ويبدو ان التعامل المتقلب من قبل وسائل الاعلام مع حالة الطقس، اضافة الى ازدراء بعض الصحف وخاصة ذات التوجه الإيديولوجي، من هذا الامر رسخ في ذهن فئة من المواطنين ازدراء لتناول الموضوع، والاستخفاف بأي برنامج او نشرة اخبارية قد يتصدرها خبر حالة الطقس. فعندما خصص الاعلامي محمد الوكيل حلقه من برنامجه "بصراحة" المذاع على "راديو اف ام" خلال المنخفض الاخير قبل اسبوع تلقى العديد من الاتصالات التي تستخف بالموضوع وتستخف بفكرة تخصيص حلقة كاملة لحالة الطقس. مع ان الوكيل كان يؤدي واحدة خدمة للجمهور وهي اساسا فكرة تصب في جوهر العمل الاعلامي بوصفه مكرس لخدمة الجمهور لا تحريضها وتعبئتها كما يفهم البعض دور الاعلام.
ولكن هناك استدراك آخر، فقد بدأت بعض الصحف ووسائل الاعلام الاخرى بإيلاء حالة الطقس اهمية نسبية، وخاصة في الاذاعات المحلية فبعضها بات يضع النشرة عن حالة الطقس في مقدمة النشرات، وفي حالات مرور منخفضات جوية على البلاد يتم متابعة الامر بشكل جدي مع المعنيين، سواء في دائرة الارصاد الجوية او الاجهزة التنفيذية بما يعلن عن استفادة بعض وسائل الاعلام من التجارب التي مرت.
وفي هذا السياق، فقد كان راديو عمان نت مميز في تغطية موضوع الطقس فقد خصص أكثر من حلقة من برنامج "طلة صبح" اليومي الخدماتي لمتابعة الموضوع، ولم تكتف باستقبال المكالمات من الجمهور، انما قامت بإنزال مراسليها إلى الميدان حيث قاموا بتغطية حية للحدث. وكانت الاذاعة اثارت في وقت سابق قضية استعدادات امانة عمان لموسم الشتاء، وأثارت في فترة مفتوحة على الهواء مسألة هذه الاستعدادات عندما غرقت شوارع عمان بالمياه مع أول زخة مطر. وقد اعتادت الاذاعة على استضافة المسؤولين ومساءلتهم في تطبيق حقيقي لدور الاعلام في خدمة الجمهور.

أضف تعليقك