الصحافة والامانة: تآمر ام دور مهني؟
يقول تقرير لصحيفة "القدس العربي" (19/10) :" في الوقت نفسه توقفت الحملة التي تشنها التقارير الصحفية على عمدة العاصمة.."، هل فعلا كانت الصحافة شنت حملة على امين العاصمة؟ ام انها قامت بدورها في مسألة دائرة تنفيذية عامة؟في السابع من الشهر نشرت صحيفة "العرب اليوم" تقريرا حول قيام امين العاصمة،عمر المعاني بصرف مكافآت لمسؤولين فيها.
وجاء في التقرير ان : "المعاني قرر حسب ما صرح به احد مدراء الدوائر في الامانة لـ "العرب اليوم" صرف مبلغ 15 الف دينار لمدير مدينة عمان ومبلغ 10 الاف دينار لكل نائب من نواب المدير الخمسة ومنح 5 الاف دينار اخرى لكل مدير تنفيذي من المدراء الذين تم اختيارهم مؤخرا اضافة الى منح 3 الاف دينار الى عدد من المدراء الذين تم اختيارهم".
وقبل ذلك في (9/10) كان موقع "عمون" الاخباري قد نشر نفس الخبر وجاء في الموقع ان :"
اتفق اعضاء في مجلسي النواب وامانة عمان اليوم على توجيه استجوابات لامين عمان المهندس عمر المعاني لما اسموه "شبهة فساد واساءة استخدام سلطة وطرح عطاءات لمحاسيب"..
وقال عضو مجلس ل"عمون" أفضل عدم ذكر اسمي الآن لانني ساواجهه - اي المعاني - في الجلسة القادمة بوثائق واوراق تكشف مدى ممارساته واستخدامه لوظيفته الرسمية وخاصة فيما يتعلق بالعطاءات وارساء المنافع لمحاسيب "..
وكانت صحيفة "الغد" نشرت في وقت سابق (8/10) تقريرا حول العجز في موازنة الامانة جاء فيها ان العجز بلغ نحو 85 مليون دينار.
هذه الاخبار لم تكن قد قدمتها الامانة للصحفيين بطريقة "شرعية"، لكن، كما هو معروف فأن الصحافة حصلت على هذه الاخبار من مصادرها الخاصة.
الامر الذي دفع الامين الى الاستغناء عن خدمات ثلاثة من الصحفيين العاملين في الدائرة الاعلامية للامانة، طه ابو ردن و حسن الحموري و زيد المحيسن، وقال تقرير لصحيفة "الغد" (9/10) ان اقالة هؤلاء جاء على خلفية نشر اخبار في الصحف عن وجود عجز في موازنة الامانة، وصل الى نحو 85 مليون دينار خلال العامين الحالي والماضي، وعن مكافآت كبار موظفين فيها بمبلغ يفوق 100 الف دينار".
هذه الاخبار او "التسريبات"، التي تم التأكد من صحتها على اي حال دفعت بامين العاصمة وعدد من اعضاء مجلس الامانة الى اتهام الصحافة بشن حملة على الامانة، جاء في تقرير لموقع عمان نت التالي:" تناوب عدد من أعضاء مجلس أمانة عمان عند بداية جلسة الأمانة الشهرية العادية (الحادية عشرة) عبر كلماتهم بتجديد دعمهم للأمين عمر المعاني ولسياساته، معتبرين أن "الأمانة والأمين" يتعرضان لهجمة "غير مسبوقة" من قبل بعض وسائل الإعلام المختلفة.".
لكن، هذه الاتهامات لم تسكت عنها الصحافة، فكتب فهد الخيطان في "العرب اليوم"، (16/10):" مشكلة الامين مع وسائل الاعلام اليوم تتعدى الصورة الاعلامية او ما يقال عن مؤامرات تحاك للاطاحة به،, انها مشكلة تتصل بغياب الشفافية وحالة الاغتراب التي تتعمق بين مؤسسة الامانة والجمهور إما بسبب سياسات وقرارات خاطئة او عجز عن تفسير التوجهات والاستراتيجيات. لا احد ينتقص من قرارات المعاني وليس صحيحا ان كل ما يفعله من اجل عمان غير صائب، الرجل يجتهد وينجز ويقول كل من تعامل معه عن قرب انه يملك تصورا شاملا لمستقبل المدينة.".
ورفض الكاتب الصحفي حلمي الاسمر، لعمان نت، وصف ممارسة الصحافة لدورها بانه "تآمر"، واعتبر في الوقت نفسه ان تعامل الاعلام مع مسربي الاخبار في المؤسسات العامة امر يسجل لصالحه وليس ضده.
وقال "احب ان اسجل بداية انني لست متابعا للتجاذبات (بشان هذا الموضوع)، لكن من حيث المبدأ، الاعلام لا يتآمر".
واضاف ان "الاعلام هو كلب حراسة يحرس مصالح المجتمع ومؤسسة الامانة مؤسسة متداخلة في اجراءاتها وسلطاتها مع مصالح الناس، فهي عرضة للمساءلة والموازنة وتقييم الاداء، وهذا لا يمكن ان يندرج تحت باب المؤامرة".
وتابع قائلا انه "اذا كانت هناك مؤامرة، فانه يكون هناك استهداف للامين، فبم يستهدف الامين؟ ثم كيف تتفق الصحافة كلها –والصحافة متنوعة المشارب والمذاهب والاتجاهات- كيف تتفق كلها وتجلس وتمكر بليل وتقرر التآمر على امين عمان..هذا شئ لا استطيع تصوره".
وحول ما اذا كان يرى ان هذا النهج الاتهامي للاعلام من قبل الامانة يعني نوعا من الافلاس في مواجهة ما ينشر حولها عن تجاوزات، قال الاسمر "انا لا اقول هذا، انا اقول ان تقارع الحجة بالحجة، تنشر الصحافة معلومة، تنشر الامانة نقيضها وتوضح موقفها، تقارع الحجة في الصحافة بالحجة".
وحول رأيه في مدى اخلاقية تعامل الصحافة مع مسربي الاخبار من الموظفين في المؤسسات العامة، قال ان "من مصادر الصحفي معارفه واصدقاؤه في أي مؤسسة..وحتى في التشريعات الدولية نافخو الصفافير محميون بالقانون. اذا شعر احد الموظفين ان هناك خطرا في مؤسسته فهو مكلف ان يخبر الصحافة حتى يمنع وقوع مثل هذا الخطأ..وفي التشريعات الدولية هناك حماية لنافخي الصفافير".
واتفق الاسمر مع الراي القائل بان تعامل الصحافة مع نافخي الصفافير هؤلاء لا يضير الصحافة، لا بل هو امر يسجل لصالحها.
من جهته، دافع رئيس تحرير صحيفة "المحور" هاشم الخالدي، احد المتهمين بالحملة على الامين، عن الدور الذي تلعبه الصحافة في كشف "التجاوزات" في الامانة والمؤسسات الاخرى، واعتبر التسريب اداة مشروعة للحصول على المعلومات في ظل ما وصفه من القيود والتكتم الرسمي.
وقال ان اتهامات امانة عمان ومجلس الامانة للاعلام بالتآمر "باطلة خاصة واننا نتحدث كاعلاميين وكوسط اعلامي انطلاقا من وثائق ومعلومات موثقة ومثبتة..وهذا امر لا مجال للطعن فيه. وايضا جميع المعلومات التي كانت المواقع ووسائل الاعلام الاخرى تنشرها هي حقيقية، وقد اعترفت بها الامانة".
وضرب الخالدي مثلا على المعلومات التي نشرها الاعلام في هذا الصدد قائلا ان "الامين دفع 400 الف دينار تكاليف صيانة لمكتبه والمكاتب المجاورة، واعترف بصرف مكافات بلغت 150 الف دينار لمساعديه وللمدير المالي، واعترف احدهم عبر قناة نورمينا انه حصل على 15 الف دينار كعيدية".
واضاف ان "الصحافة عندما تتحدث عن وجود شبهة باحالة عطاء على احد اعضاء المجلس، راسم بدران، واعترف الامين صراحة بوجود العطاء، وقام اثر تناول الصحافة للموضوع بتجميد عضوية بدران، ثم وجه كتابا الى رئيس الوزراء طلب فيه اعادة بدران الى عضويته في المجلس بحكم خبرته الطويلة".
وقال الخالدي الذي يدير ايضا موقع "سرايا" الاخباري ان "الاعلام عندما يكتب الحقيقة يفاجأ من المؤسسات بانها تتهمه بالتآمر والابتزاز..واعتقد ان هذه الحجة في الرد على الهجمات التي تشنها الصحافة هي حجة الضعيف الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه امام حجم التجاوزات في مؤسسته".
وفي الوقت الذي نفى فيه ان يكون هناك تسريب للمعلومات حول الامانة، وهي التهمة التي تحدثت تقارير عن ان الامين وجهها الى مدير المركز الاعلامي طه ابو ردن، الا ان الخالدي اعتبر التسريب امرا مشروعا في حال كان "يكشف عن تجاوزات".
وقال "لم يكن هناك تسريب، والمركز الاعلامي كان الاكثر تكتما على الصحافة وساهم بشكل كبير في ايجاد الفجوة بين الاعلام والامانة".
واضاف "في الاردن هناك قانون حق الحصول على المعلومات، وهو غير مفعل ويشتمل على قيود كثيرة جدا، ولذلك ما يرشح من أي مؤسسة وهو النزر اليسير من المعلومات هو من حق الصحافة التي تواجه بالتجاهل".
واكد الخالدي ان "التسريب اخلاقي لانه يكشف عن تجاوزات لا نقبلها، ولا اعتبره تسريبا، بل هو حق من حقوقنا كاعلاميين في الحصول على المعلومات".
على اي حال، اذا كان المقصود الصحافة فأن صحفا مثل "الرأي" لم تنشر اي خبر لا عن المكافآت ولا عن العجز في الموازنة. واما صحيفة "الدستور" فقد اكتفت بنشر خبر مقتضتب بتاريخ (19/10) نقلا عن الامين نفسه جاء فيه :" صرح أمين عمان ، المهندس عمر المعاني امس أنه قبل استقالة الدكتور زيد المحيسن ، مدير مكتب الأمين ، الذي خدم الأمانة لمدة طويلة.
وقال المهندس المعاني أنه أقال كلا من: طه ابو ردن مدير المركز الإعلامي ، وحسين الحموري مدير العلاقات العامة اعتبارا من يوم امس ، متمنيا لهما كل التقدم والنجاح في أية مواقع يشغلونها في المستقبل."..
أمانة عمان قالت كلمتها، او على الاقل بعضا من اعضاء مجلسها دافعوا عن الامين معتبرين ان من حقه صرف مكافآت للموظفين، والصحافة ايضا قالت كلمتها، وما وصفته صحيفة "القدس العربي" بأنه "حملة على العمدة"، توقفت. فهل كان الاعلام يتآمر حقا على امين عمان؟ أم ان الامر لا يعدو كونه ممارسة للصحافة لدورها في الرقابة على اداءا مؤسسات عامة.











































