الصحافة والافتاء: من المسؤول عن الاثارة..!
عادة ما تتهم وسائل الاعلام بانها مسؤولة عن "الاثارة" فيما يصدر من فتاوى من قبل بعض رجال الدين..؟هذا الاتهام لا يقتصر على هؤلاء، بل انه قول يتفوه به بعض الصحفيين.
فالكاتب سميح المعايطة يرى في تصريحات لـ"راديو البلد" ان الاعلام يعمد
الى :" خلق إثارة من هذه الفتاوى التي تُفهم على عكس الوجه المطلوب بسبب
عدم معرفة ناقل الفتوى بدلالة الكلمات".
والحال، ان المنطقة العربية شهدت خلال شهر رمضان الماضي عشرات الفتاوى "الغريبة".
من مثل "اهدار دم ميكي ماوس" او " تحذيرات الشيخ يوسف القرضاوي من المد
الشيعي في الدول العربية السنية" وقبلها فتواه او وجهة نظره بان "الفرقة
السنيّة هي الفرقة الناجية الوحيدة من بين الفرق الاسلامية"، وهي وجهة نظر
اعتبر فيها البعض تكفيرا للفرق الاخرى وخاصة "الشيعة".
وفي الأردن فقد ورد في الاخبار ان دائرة الإفتاء طالبت بتوقيف الشاعر
والصحفي اسلام سمحان :" ومصادرة كتابه من الأسواق بتهمة الإساءة إلى الدين
الإسلامي، فيما توعدت دائرة المطبوعات والنشر بإحالة الشاعر وناشره على
المحكمة المدنية لاتخاذ قرار بمصادرة الكتاب بعد أكثر من ثمانية شهور على
تداوله في الأسواق.
وكان ديوان «"برشاقة ظل" للشاعر سمحان (27 عاماً) أثار ضجة في الأردن
لاحتوائه على «إيماءات ودلالات" اعتبرها المفتي العام نوح القضاة "مسيئة
إلى الذات الإلهية والملائكة والرسول الكريم".
وقال المفتي في تصريحات لإذاعة محلية إن الشاعر «كافر ومعادٍ للدين»، وطلب
من الجهات المعنية كافة التدخل السريع لوقف الكتاب والكاتب ودار النشر
واتخاذ الإجراء المناسب بحقهما."، نقلا عن صحيفة "الحاية"، ( 8/9/2008).
لكن، هل فعلا اثارت الصحافة الناس حول هذه الفتاوى؟
ادت فتاوى وتصريحات الشيخ يوسف القرضاوي الى موجة من ردود الفعل الاعلامية
في الصحافة العربية، بعد الانتقادات التي وجهتها ايران وزعماء شيعة لهذه
التصريحات. لكن الحال لم يكن كذلك في الصحافة المحلية.
ففي الصحافة المحلية لم يكتب الا 10 مقالات فقط حول فتاوى الشيخ او تصريحاته بالاحرى.
فقد كتب في صحيفة "الغد" اربع مقالات فقط: محمد ابو رمان في "الغد"، 23/9،
يرد على منتقدي القرضاوي ويعتبر انه لم يخطيء. وجهاد المحيسن في نفس
الصحيفة، 23/9، يرى ان القرضاوي لم يخطيء ايضا وانما "ملالي ايران" انفسهم
يسعون الى نشر التشييع في العالم العربي السني. ومحجوب الزويري في نفس
الصحيفة، 26/9، يرى ان التجاوب مع تصريحات القرضاوي جاءت على ارضية انتشار
"ايران فوبيا او شيعة فوبيا". بينما يرى مهند مبيضين في نفس الصحيفة،
5/10، يرى ان القرضاوي :" ناب عن المصريين في الرد على اكاذيب الايرانيين".
وفي باب المقالات المنقولة، تنقل "الغد" مقالا للكاتب الاسلامي فهمي
هويدي، 23/9، بعنوان "أخطأت يا مولانا"، يخطيء فيه القرضاوي. واجمالا فأن
صحيفة مثل صحيفة "الغد" لم تنشر اكثر من سبع مواد، اخبارا ومقالات حول
تصريحات القرضاوي، بينها رسالتين للمحرر.
أما صحيفة "العرب اليوم" فلم يكتب فيها اي مقال لا مع القرضاوي ولا ضده. في حين التزمت بنقل اربع اخبار عن الوكالات.
والحال نفسه مع صحيفة "الرأي"، التي نقلت خلال شهر ايلول الماضي وبداية
هذا الشهر حتى اليوم، خمس اخبار فقط عن تصريحات القرضاوي من وكالات انباء
ايضا دون زيادة او نقصان. اما في باب المقالات فقد كتب صالح القلاب مقالا
بعنوان :" صرخة القرضاوي تساؤلات ضرورية"، 24/9 ، مستهجنا موقف الحركة
الاسلامية من "تدخل" ايران في العالم العربي.
أما صحيفة "الدستور" فلم تحد عن نهج باقي الصحف فخلال نفس الفترة لم تنقل
سوى خمس اخبار عن الوكالات العالمية في حين ان كتب ثلاثة من كتّابها حول
مقالات حول الموضوع.
ماهر ابو طير، كتب بتاريخ 27/9، منتقدا تصريحات الشيخ. ما اثار ردود فعل
كبيرة من القراء وقد استدعى الامر ان يكتب ابو طير في اليوم التالي ردا
على منتقديه اذ كانت اكثر التعليقات مؤيدة لتصريحات القرضاوي.
وكتب ياسر زعاترة في الصحيفة،16/9، مقالا بعنوان :" هجوم إيراني شرس على
القرضاوي"، معتبرا ان ايران تشن هجوما على الشيخ القرضاوي وان:"هذا الهجوم
عليه هو تصعيد عملي ضد علماء أهل السنة...".
وبتاريخ 24/9، كتب حسين الرواشدة في الصحيفة مقالا بعنوان " شيخنا
القرضاوي.. ومخاوف "التشيع". وهو يرى ان تصريحات القرضاوي تحتاج الى
مراجعة.
ويرى الكاتب راكان المجالي في نفس "الدستور"، 26/9، ان :" ومع كل الاحترام
للشيخ القرضاوي فانني لا اعتقد ان هنالك خوفا من التشيع لا في مصر ولا في
بقية ارجاء العالم الاسلامي وحتى لو سعت ايران لذلك بكل امكانياتها فانه
لا يمكن ان تحقق ذلك".
على اي حال، ما يمكن الخروج به من استنتاج والكون اليه، هو ان الصحف
المحلية لم تتبع وسائل الاعلام العربية او غيرها في اضفاء "الاثارة" على
تصريحات القرضاوي او الرد الايراني والشيعي عليه. وبقيت اخباريا ناقل
ومزود للخبر بحسب الوكالات وحسب.
اما المقالات فقد كانت قليلة جدا قياسا الى عدد المقالات التي تكتبت في الصحف يوميا ويزيد معدلها على التسين مقالا.
تكفير وفتاوى...
بعيدا عن فتاوى وتصريحات الشيخ القرضاوي، فقد حفل الشهر الماضي، وكان
رمضان، بعشرات الفتاوى التي اثارت الجدل وفتحت شهية الصحافة على الاخذ
والرد.
بيد ان فتوى تكفير الشاعر والصحفي اسلام سمحان، التي اشرنا اليها سابقا،
لم تحظ بأي تغطية اعلامية من قبل الصحف والمواقع الالكترونية جميعها وعلى
حد سواء.
مع ان هذه الفتوى تتعلق بحرية الرأي والتعبير، الا ان تجاهل الصحف لها
يثير اكثر من علامة استغراب. فهل الامر منوط بجهل الصحافة ام بخوفها من
"التيارات الدينية" ام ان محرري الصحف يتفقون مع فتوى تكفير الشاعر.
اسئلة برسم الاجابة..؟
وفيما تجاهلت الصحف هذه "الفتوى"، فقد كانت تخصص قسما للفتوى خلال شهر
الصيام لدى المسلمين وقد اعادت نشر عشرات الفتاوى من نمط " هل تبطل الدورة
الشهرية الصيام او هل تأثم المرأة اذا صامت حياء من اهلها، وحكم بلع
النخامة والقيء واستخدام المسواك ومعجون الاسنان وافطار المرضى والمسافرين
...الخ".
جدل ام اثارة؟
يقول المعايطة ان " نقل الفتاوى الشرعية أحينا يدخل فيها البحث عن الإثارة
و تخرج عن نص الفتوى الحقيقية، كما ان نقل الفتوى يجب أن يكون من جهة تفهم
المصطلحات ودلالة الكلمات لكي لا يقع بالخطأ".
لكن هل اسهمت الصحافة المحلية في هذه الاثارة، خاصة في الفتاوى التي اقل ما يقال فيها انها اثارت الجدل؟
المتابع لصحافة المحلية قد يخرج باستنتاج هو ان متابعتها لهذه الفتاوى لم تخرج عن باب النقل والجدل.
في باب النقل فقد اوضحنا ان الصحف نقلت اخبار هذه الفتاوى عن وكالات الانباء بغض النظر عن مدى "دقة" النقل التي يشير اليها المعايطة.
اما في باب الجدل فقد كتب عدد من الكتّاب مقالات تعبر عن رأي هؤلاء في هذه الفتاوى.
الكاتب الاسلامي ياسر الزعاترة في "الدستور"، 28/9، يعلق على كيفية تعامل
وسائل الاعلام مع الفتاوى المثيرة للجدل بالقول:" في زمن ثورة الإعلام
والاتصال ، وفي ظل موجة من العداء للإسلاميين بشتى تصنيفاتهم ، يتخصص
كثيرون في تصيّد أخطاء المشايخ ووضعها تحت المجهر ، ومن ثم السخرية منها
ومنهم ، وفي هذا السياق تبرز مؤسسات سافرة العداء للأمة ، إلى جانب عدد من
وسائل الإعلام المحسوبة على المسلمين ، والتي يمكن وصفها بالصفراء التي لا
تخلو في أكثر الأيام من "صيد ثمين" تستغله في لعبة التشويه المتواصلة دون
كلل أو ملل.".
عريب الرنتاوي في نفس الصحيفة،26/9، يرى ان ما يحدث هو :" فوضى افتاء
فرّخت ظاهرة جديدة هي "تهافت" الافتاء و"إسفافه" ، وهي ظاهرة لا تقل خطورة
أيضا ، تستخف بعقولنا وتجعل منّا أمة من الحمقى طالما أن هذا هو مستوى
"علمائنا" وتلكم هي سويتهم".
مقال عريب هذا اثار حفيظة القراء الذين ردوا بتعليقات تنتقد موقفه من
"فوضى الافتاء"، فرد بمقال اخر في اليوم التالي:" حمل علينا بعض قرائنا
لما اعتبروه "تطاولا" على "العلم" و"العلماء" ، حين سخرنا من فتوى إهدار
دم (قطن) "ميكي ماوس" و"جيري"...لم يقل أي منهم رأيه في موضوع الفتوى فيما
انتقاداتهم تركزت حول "جواز" انتقاد "العلماء" من عدمه ، ولوحظ أن
غالبيتهم مالت إلى استنكار نقد "العلماء" ، خصوصا حين يصدر النقد من صحفي
أو كاتب "متفلسف" لم تطاول قامته المعرفية قامات هؤلاء "الجهابذة".
وفي نفس الصحيفة كتب خالد الحروب، 29/9، كتب منتقدا فوضى الافتاء هذه خصاة
فتاوى النقاب ذو العين والواحدة واهدار دم الدمية الكرتونية ميكي ماوس.
وكتب حلمي الاسمر، 26/9، :" مضحك حد البكاء والقهر ما يجري في سوق الفتوى
بين حين وآخر ، كم هو مؤلم أن نرى وسائل إعلام الدنيا تضحك وتسخر منا ومن
بعض علمائنا ، بسبب سطر هارب من فم فقيه لم ينتبه إليه ، فتحول فتوى مضحكة
تثير السخرية".
وحياة الحويك عطية في نفس الصحيفة، 15/9، تؤكد مقولة ياسر زعاترة في تصيد
الاعلام الغربي لفتوى الشيوخ وتقول:" كثيرا ما افسد الخطاب مضمونه ،
وكثيرا ما اساء محامي دفاع او اتهام ، لقضيته باسلوب تقديمها.
فمنذ الامس ووسائل الاعلام الغربية تتلقف بشغف فتوى الشيخ الوحيدان بقتل اصحاب المحطات الفضائية العربية التي تنشر الخلاعة...".
على اي حال، فأن ما كتب في الدستور خلال الشهر الماضي من مقالات تناولت
موضوع الفتاوى بلغ 13 مقالا بعضها دافع ان حاول التخفيف من وقع "الفتاوى
المثيرة للجدل".
اما باقي الصحف الاخرى فكان كتابها اقل احتفاء بكل "فوضى الفتاوى".
رشا عبدالله سلامة في "الغد"،18/9، تشكك في نوايا اصحاب هذه الفتاوى التي اطلقت بالتزامن مع ذكرى احداث 11 ايلول.
وموسى برهومة في نفس الصحيفة، 29/9، يصف اصحاب الفتاوى الغريبة بفقهاء
الظلام ويطالبهم بتخصيص وقتهم في حل القضايا المصيرية التي تعاني منها
الامة العربية.
الحال، ان التحليل الكمي والنوعي لمضمون الصحف المحلية الاربع خلال شهر
ايلول الماضي، وهو شهر ديني بامتياز حيث تكاثرت فيه الفتاوى، يظهر ان
الصحافة تعاملت برزانة بلغت حد التحفظ تجاه هذه "الفوضى".
كيف يمكن ان نفسر اتهام الصحافة بـ"الاثارة" وحجم ما كتبته الصحف من مواد اعلامية هو اقل كثيرا من عدد الفتاوى المثيرة للجدل.
وكيف يمكن ان نفسر "صمت" الصحافة على تكفير شاعر شاب، ثم تتهم بالاثارة؟
الواقع ان المتدينيين يعطون لانفسهم الحق في الخطأ ثم يطلبون عدم تصيدهم.
والواقع ان ما اظهرته التغطية الاعلامية لفوضى الافتاء يظهر مدى خشية
الصحافة من التيارات الدينية او مدى تغلل الدين في عقول محرريها وخلطهم
بين الموضوعية وتوجهاتهم الايديولوجية، ولا كيف نفسر سكوت الصحف على فتاوى
التكفير والمحاكمات والفتاوى الغريبة.
أما الكتّاب الذين تجرؤا على معارضة او انتقاد الفتاوى فلم تعبر مواقفهم
عن اي اثارة بقدر ما كانت وجهات نظر ارادت الانخراط بالجدل. فهل اصبح
ممنوعا على الصحافة وكتابها الجدل في شؤون عامة. حتى لا يوصفون بالاثارة











































