الصحافة الأردنية تكتفي ذاتياً من أخبار الجرائم المحلية

الصحافة الأردنية تكتفي ذاتياً من أخبار الجرائم المحلية
الرابط المختصر

طيلة عمر الصحافة الورقية عموماً لم تتوقف أخبار الجرائم المنشورة فيها عن كونها الأكثر جاذبية. ولا تعتبر الصحافة الأردنية استثناء من ذلك منذ نشأتها، بل إن كثيراً من الصحف الأولى كانت تحمل زاوية ثابتة تحت مسميات مثل "جريمة العدد" أو "قضية العدد" أو "من أروقة المحاكم" أو "من أدب القضاء" أو ما شابه، وفي أغلب الحالات كانت الصحف تلجأ إلى ما هو منشور عن جرائم غير محلية وتتابعها من الألف إلى الياء. وبالطبع، ما دام الكلام عن جريمة خارجية فإن المحرر يجد نفسه حراً في اختيار ما يريد من عناوين.

إلى زمن قريب كانت أغلب الصحف الأسبوعية وخاصة في فترة "العز" التي عاشتها في تسعينات القرن الماضي تَعْمَد إلى المبالغة في أخبار الجرائم باعتبارها أخباراً "بياعة"، وكانت تُجري التمويه اللازم بحيث تجذب القارئ المحلي، وفي كثير من الأحيان تختار الصحيفة عنواناً صارخاً حول جريمة ما مع إيحاءات أنها محلية ليتبين بعد فتح الصحيفة أن الأمر مجرد خبر قصير تم اقتطاعه من إحدى الصحف وخاصة المصرية صاحبة الخبرة في هذا المجال.

لكن هذا لم يكن يمنع من الجرأة في تناول الجرائم المحلية، إلا أنها لم تكن كافية من حيث الكم والنوع لتغطية الطلب المتزايد والملح من القراء.  

بالنسبة للصحف اليومية، فهي لا تزال أكثر تحفظاً من الأسبوعية غير أنها كانت متحفظة بالمطلق فيما سبق، وقد كان خبر الجريمة المحلية ينشر باقتضاب شديد، وكثيراً ما كان يجري إغفال أية إشارة إلى شخصية مرتكبها وأحياناً إغفال الموقع الذي جرت فيه. والأجهزة الأمنية والقضائية كانت متحفظة بدورها عن الإدلاء بمعلومات وخاصة فيما يتعلق بالجرائم ذات الصلة بالأوضاع الاجتماعية لمرتكبيها، ولم تكن أخبار الأحكام الصادرة على المجرمين تنشر بالضرورة.

غير أن الصورة أخذت تتغير وبتسارع شديد فلا يكاد يخلو يوم من جريمة صالحة للنشر، ولسوء حظ مرتكبي الجرائم في عهد الانفتاح الديمقراطي أن المعلومات حول جرائمهم اندرجت في سياق حق الوصول والحصول على المعلومات، ويتحدد صنف المتابعة الصحفية المناسب بحسب نوع الجريمة وجاذبية وقائعها. 

ومن قبيل الإخلاص للتاريخ المتحفظ فيما يتعلق بالجرائم المحلية اخترعت الصحافة الأردنية صيغة خاصة للتعامل مع الجرائم الكبرى التي تحصل في البلد، وذلك من خلال وصفها بأنها "غريبة عن طبيعة مجتمعنا"، وهي العبارة التي تكررت كثيراً في السنوات الأخيرة، وقالتها الصحف وقالها كتاب ومعلقو الصحف على سبيل المساهمة في الموعظة الحسنة، وغير الحسنة، المطلوبة في هذه الحالات. وإلى جانب ذلك لم تتوقف الصحف عن ترديد التوصيف الرسمي بأن الجرائم البشعة لم تتحول إلى ظاهرة وأنها لا تزال حالات متفرقة. 

في هذه الأثناء توقف الطلب الصحفي على الجرائم غير المحلية، فهناك الآن إنتاج محلي كافٍ من الجرائم بما يشبع رغبات القراء ويزيد، لكن الجديد هو توفر وسائل إعلام أخرى غير ورقية تتكفل بإكمال نواقص الخبر المنشور في الصحافة الورقية، فالقارئ اليوم يستطيع قراءة الورق باعتبار أنه ما يزال أكثر مصداقية وتوثيقاً من غيره، لكن الخبر الورقي عادة ما يكون ناقصاً ومشفراً بالأحرف الأولى. لقد أصبح بمقدور القارئ النشيط متابعة التفاصيل وإكمال الخبر في المواقع الالكترونية بصورة أوضح خالية من الرموز والإشارات. إن وسائل الإعلام صارت تكمل بعضها البعض في هذا المجال.

أخيراً.. إلى متى ستصمد الصيغة عن "جرائم غريبة عن طبيعة مجتمعنا"؟ وهل تستطيع الصحافة أن تضمن أن "طبيعة مجتمعنا" نفسها ثابتة لا تتغير؟ وهل ستكون الصحافة قادرة على طرح الأسئلة الحقيقية حول تحولات "طبيعة مجتمعنا" بما يسهم في تمكين هذا المجتمع من تقديم الأجوبة اللازمة؟ بعبارة أخرى هل ستتمكن الصحافة من "التطبيع" مع "الطبيعة الجديدة" لمجتمعنا؟