السائقون يطالبون بتحسين صورتهم عند الأردنيين

الرابط المختصر

حال السائق هيثم يشبه حال الكثير من السائقين الأردنيين، فهو يعاني من صورة سلبية أثرت على حياته. "لما هذه الأذية، ماذا فعلنا لهم كي نعامل بهذه الطريقة غير الإنسانية"،

ما الداعي والدافع الذي أجبره على اتهام الناس جميعا بالفوقية وعدم احتراهمة السائقين، "هل لأني سائق يعني أني حرامي وأزعر ولا أمان مني أنا لست كذلك".

ولأن فئة السائقين الأكثر تواصلا مع المواطنين واحتكاكا فيهم، فلهم النصيب من المشكلات والنظرة السلبية "المؤثرة عليهم"، والتعميم حالة لا يمكن الخلاص منها لكنها باتت قضية تؤرق مجتمع السائقين بأكملهم.

الشاب أمجد عمايرة يعلق: "كل سائق لا يشبه الآخر في الأخلاق، لكن بعضا منهم معروف عنه عدم احترام الآخرين في القيادة ويغلق المسرب المار فيه، ولا يتقيد بالتعليمات وقواعد السير، ولأن عملهم في القيادة فهنا المشكلة الكبيرة، إضافة إلى عدم احترام بعضهم لمن يصعد معهم في السيارة".

سباق محموم يعيشه السائق لأجل الحصول على راكب وإذا كان الراكب فتاة فالسابق يزداد سخونة، وهنا يجعل أمجد وفئة كبيرة من المواطنين يعتقدون بأن السائق يبحث عن الجنس الناعم والمتعة فقط، ورغم ذلك يقول أمجد "الخير يخص والشر يعم"، وهذا ما ينطبق على السائقين فمنهم الصالح والملتزم بالقواعد والقوانين لكنه يذهب بمعية السيء.

القيادة فن وذوق وأخلاق.."لو حاولنا أن ّنقيم أكثر السائقين على الفن والذوق والأخلاق لما كان منهم سوى القلة ناجحة بهذا الامتحان الهام لنا جميعاً" والكلام لأمجد.

سائقون عاملون وسائقون باحثون عن المتعة

ويقول أمجد "أكثر من سائق لم يقف لي رغم أني كنت أقف قبل الفتاة ومع ذلك وبدون اكتراث وقف لها وأخذها وأنا واقف ولي الأولوية، إذن كيف لأكثرنا أن لا يحكم عليهم سوى بأنهم باحثين عن المتعة والتسلية لا على العمل".

كان بإمكان امجد أن يشتكي على سائق لم يكن لائق التعامل معه لكنه أراد أن يختصر تعب ووقت مهدور وبدون فائدة، "صدقني هذا ما يفعله أكثر الركاب الذين يعانون من تصرفات السائق السيء".

إلى أي جهة يشتكي المواطن من السائق غير السوي! إلى النقابة أم إدارة السير! فنمط الشخصية عند كل سائق لا عقوبة عليه، لذا فأخلاق السائق شرط من شروط الرخصة العامة وأحد أبجديات الحصول على الرخصة الالتزام بـ(فن وذوق وأخلاق) تلك المهنة.

ورغم ما عانه أمجد من بعض السائقين تجده يقول "السائق شقيان يكفي أنه يجلس طوال اليوم وراء المقود، ويعمل تحت الشمس والمطر دون كلل لأجل لقمة العيش".

"التعامل السيء والحديث دون مراعاة ما حوله هو ما يخلق حاجز بين السائق والراكب" كما يقول الشاب جهاد. معتقداً أن إسقاط نمط شخصية على الآخرين أثر على عموم السائقين، والحل برأيه "مخالفة من يشتكى عليه أكثر من مرة وإخضاعه لدورات حسن التعامل مع السائقين".

كنترول الباص الأسوأ

أكثر ما يشتكي منه جهاد هو كنترول الباص، ويقول: "أكثر ما يزعجني هو الكنترول الفج في تعامله مع المواطنين ويطالبهم بالأجرة كما لو أن الراكب على قلبه جالس، ويعامل من حوله بأسلوب سيء وبطريقة تخلق يومياً المشاكل بينهم وبين الراكب وهو شخصيا كغيره يتحاشى التعامل معهم أما البعض الآخر لا يحتمل قلة الاحترام التي تخرج من لسان الكنترول خصوصا عند مطالبته الركاب بالأجرة".

سمير أبو طاعة يقول أن فئة شاذة من السائقين لا تعمل إنما تبحث عن المتعة مع الركاب، "منهم من يجاريه ومنهم من يهرب منه وهنا الكثيرين لديهم الكثير من القصص حوله".

هل السائق منّزل ولا يخطأ وأن الركاب يتبلون عليه، أم أنه على الخطأ ولا يقر بذلك، أو كما يرى الغالبية "الخير يخص والشر يعم". فالسائق مأمون النتشة يقول "مأخوذ عنا طبع أننا همل ولا نعمل ونتحرش بالفتيات ولا نوفر فرصة إلا وننظر على المرآة على من تجلس في الخلف، ونحاول أن نتلاعب بعداد التكسي، ونتلفظ بألفاظ نابية على مسمع من يركب معنا، كل هذا موجود وأنا أعترف لكن ليس عند الغالبية غنما عند فئة أعتبرها أنها لم تتلق التربية الصالحة".

"لأتحدث لك عن موقف مررت به رغم صعوبة التحدث عنه لأنه يؤلموني لكني سأقوله" هذا ما بدأه مأمون النتشة للحديث عن حادثة مر بها وهي "توقفت لراكب عمره كبير للأسف، وأخذته من منطقة الأشرفية باتجاه البلد، وقد صادفت بطريقنا خالتي وهي حجة مسنة وتمشي على العكازة فاستأذنته لأركبها لأنه شارف على الوصول، لكنه أصر على عدم الوقوف لها وتجاوز الحدود ليبدأ شتمي بألفاظ جارحة حولي ومن ثم أنتم السائقون هكذا وهكذا وهكذا".

أما السائق باسم صالح، فيصعد معه ركاب لا يحترمونه، يقول: "يأمروني وكأني جاري عندهم، ويتحدثون معي بأسلوب سيء للغاية".

"للأسف نسبة كبيرة من السائقين غير متعلمين، وأسهل من الحصول على الرخصة عمومي لا يوجد وهذا ما أدخل فئة لا تبحث عن لقمة العيش إنما التسلية فقط".

السائق منبوذ

والسائق خالد يجد أنهم "منبوذون من جميع المواطنين" وهي صورة يجدها خالد لا يغيرها أو يبدلها أحد لأنها أصبحت وصمة صعب أن تذهب.

الحاج عمر سائق على خط سرفيس يعلق: "أولاد الحرام لم يتركوا مكانة لأولاد الحلال في مجتمع السائقين"، ويقول بانفعال "هل يدرك شعبنا أن نسبة كبيرة من السائقين متعلمة ولديها شهادات بكالوريوس وماجستير ومثقفين ولديهم أسلوب في التعامل ويصبرون على يصمتون على عيوب مجتمعنا هل يدركون شخصيا لا أظن أنهم يعلمون".

فيما تعتقد الشابة رنا أن "أكثر السائقين يستغلونها مادياً، ولم تصادف إلا قلة لم تحاول أن ترجع لها الفكه وهي كثيرة"، معتبرة أنهم "جميعا ينهشون المواطن بالأجرة وتحديدا الفتيات"، وتشاطرها الرأي صديقتها علا وتضيف "أيضا يتناسوا وجود بنت معهم في السيارة ويشتموا على سائقين آخرين يكونوا مثلا قد تجاوزا عنهم في الطريق بلغة بذيئة على مسمعنا وهذه قلة أدب".

"الصورة النمطية السلبية عن السائق" كرستها عدة عوامل، وجود فئة لا تبحث عن لقمة العيش إنما التسلية، وتكريس الإعلام الصورة السلبية عبر أعمال كوميدية تظهره أنه حرامي أزعر يبحث عن الفتيات يغش ويتكلم بلغة غير محترمة، ويواجه المواطن مزاجية من السائق أثرت عليه سلبا؛ فإذا كنت ذاهبا إلى عبدون وصويفية وأي منطقة في عمان الغربية فسيقول لك "تفضل أركب"، أما إذا كنت ذاهبا إلى جبل الحسين أو ماركا أو الجوفة والأشرفية والهاشمي فسيقول لك "ليست طريقي"، فهذه حالة تواجه المواطنين في فترات الذروة وأيام الصيف وبالتأكيد هو ما يعزز الصورة النمطية المكرسة عند المواطنين.

"دخول بعض المؤثرات السلبية على قطاع السائقين أثرت على عمومهم" يقول دكتور الاجتماع من جامعة البلقاء التطبيقية حسين الخزاعي، "كانت مهنة السائق في السابق تكاد تكون محصورة على كبار السن، لكن الآن دخلوا صغار السن لماذا لأن مجتمعنا ازداد ومتطلباته كثرت، وأصبح لدينا إضافة إلى التكسي والسرافيس والباصات الكبيرة والكوستر".

السائق في بعض المجتمعات الغربية لا يتحدث مع الركاب، حتى أن دفع الأجرة يكون عن طريق مكان تضع فيه حيث أن السائق لا يتحدث كلمة واحدة سوى أين المكان الذي يريد أن يصل إليه الراكب، لكن في مجتمعنا فالسائق دائم التواصل مع الركاب والركاب يعني أمزجة وشخصيات وبالتالي يتطلب من السائق مهارة في التواصل مع عدة شخصيات وأمزجة، وهنا لا ينجح البعض في الحديث مع الركاب وبالتالي تحدث إما مشكلة أو مشادة كلامية وعندها تعمم وتصبح نمط مأخوذ على جميعهم.

ويعتقد الخزاعي أن الإعلام ساهم بشكل كبير بخلق صورة سلبية عن السائق، "علينا أن ننظر جيداً أن كثيرا ما نركب سيارات التكسي والسرفيس ونرى أن السائق متعلم ومثقف جداً، ولا نريد أن نخفي العامل الاقتصادي والنفسي الذي أرهقه".

فيما يعلق السائق فريد أن عدة قضايا ومخاطر يتعرض لها السائق جعلته لا يؤمن على من يصعد معه.."هناك الكثير من حوادث كالضرب والتهديد يتعرض لها السائق فهذه لا أحد يهتم أو يتحدث عنها، بينما الصورة السلبية وتعميمها وأنه الأزعر والسارق والصايع معروفة وتروج عنه إلى درجة جعلت أكثر الناس لا يزوجون بناتهم للسائق".

في كل مهنة فيها دخلاء، ومهنة السواقة من أكثر المهن التي دخل عليها أناس غير قاصدين العمل، ويعتقد الدكتور خزاعي أن هذه المهنة باتت سهلة عند الكثيرين وبالتالي أثرت عليها سلباً.

السائق جميل يرمي أسباب النظرة السلبية عليهم على السائقين أنفسهم، "عدم النظافة والأسلوب من قبل بعضنا ساهم بتعزيز هذه الصورة"، بينما السائق هيثم فرحات فيقول: "النظرة العامة علينا أصبح تقول ما يلي الشوفير حرامي مستغل الناس، وقح يعاكس وإذا فقد المواطن شيء في سيارة الأجرة عليه السلام".

شوفرية الجامعات

ويضيف "علينا أن نقسم السائقين إلى فئتين الأولى تعمل في النهار والثانية في الليل، والثانية بعض من بعمل فيها لا يعمل إنما يبحث عن الهمل"، معتبراً هيثم أن إدارة السير وإدارة الترخيص هي الملامة لأنها تمنح الترخيص إلى من هب ودب، "لأنهم يبحثون عن الأماكن المشبوهة والجامعات ونحن نلقبهم بشوفرية الجامعات هم الذين ينبغي مراقبتهم لأنهم خربوا علينا كثيرا".

بمقابل الصورة النمطية عند السائق، تظهر أيضا الصورة النمطية السلبية عند شرطي السير، ويقول الملازم محمد الإبراهيم من المعهد المروري التابع الإدارة السير أن الشرطي أيضا يحملونه ما لا يحتمل من السلبية، لكن منهم الجامعي وأقل تحصيل يكون التوجيهي ولكن هناك شرط بحصوله على البكالوريوس.

ويتابع "لقد استحدثنا الشرطة المجتمعية، لها علاقة قوية بين المجتمع ورجل الأمن العام، وأي مواطن أراد أن يشتكي على شرطي فهذا يدلل على وجود شفافية، وبإمكانه أن يشتكي إلى ديوان المظالم، لذلك يعمل الأمن العام على تحسين صورة الشرطي".

الدخلاء مخربون

كل سائق مطالب أن يكون قدوة لغيره من السائقين، ويعلق الناطق الإعلامي في نقابة السائقين العموميين محمود عبد الهادي، أنهم "حريصون أن يكون السائق مهني في تعامله مع المواطن والمركبة والطريق، ولدينا معهد الحسين للثقافة والتوعية المرورية، نعمل من خلاله على التوعية بأهمية العمل الجاد والتعامل بجدية مع الآخرين، وضرورة تحلي السائق بالأخلاق وحسن المعاملة مع الآخرين، ولكن الدخلاء يفسدون سمعة الباقي".

ويطالب عبد الهادي بتضافر الجهات الحكومية لأجل التكاتف والعمل على منع هذه ظاهرة سواء في مهنة السواقة أو غيرها من المهن.

القيادة فن وذوق وأخلاق، هي شعار وطريقة فالحق ليس على السائق العابث بسمعة هذه المهنة، إنما للواسطة والمحسوبيات التي تعمل على منحه الرخصة القيادة في هذا القطاع، ألا تستحق شروط الحصول على رخصة القيادة العامة مراجعة وتفكير، فالمتضرر الوحيد من وراء ذلك المواطن والسائق معاً وبالتأكيد سمعة بلد كامل بأسره لأن السائق بعرف المجتمع دليل البلد سياحياً وقارئ نبضه عن قرب ألا يستحق الرعاية والاهتمام.

أضف تعليقك