الذهب الأبيض يرى النور على أيدٍ أردنية تحارب البطالة

تشكل البطالة في الأردن التحدي الضاغط على مستقبل الشباب والاقتصاد الأردني، وقد ازداد هذا التحدي بشكل غير مسبوق بعد جائحة كورونا، إذ حقق الأردن المرتبة السادسة عربيا وفق مؤشر معدل البطالة العالمية لعام 2021، الذي يصدر سنويا من قبل منظمة الأمم المتحدة للتنمية البشرية.

 

وجاء الأردن بالمرتبة 34 عالميا من أصل 208 دولة مشاركة في المؤشر متراجعا بذلك 15 مرتبة مقارنة مع عام 2020، حيث كان في المرتبة 19 عالميا من أصل 179 دولة مشاركة، مقابل الترتيب الخامس في 2020 عربيا بعد سوريا وجيبوتي وليبيا واليمن والسودان.

 

البطالة

 

ووفق دائرة الإحصاءات العامة ارتفع معدل البطالة في الأردن في الربع الثالث من العام 2022 الماضي إلى 23.1 %، بارتفاع مقداره 0.5 نقطة مئوية مقارنةً بالربع الثاني من العام نفسه، بحسب تقريرها الربعي، ويظهر المخطط تطور معدلات البطالة في الأردن للأربعةِ أعوام الماضية:

 

البطالة

 

وأوعز التقرير الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة والذي حمل اسم "الأردن بالمؤشرات الدولية"، أن ارتفاع معدلات البطالة جاء لوجود فرق بين الأجور السائدة في سوق العمل والأجور المطلوبة، بالإضافة إلى غياب العدالة في العرض والطلب على العمل أي أن هناك مناطق جغرافية، يكون الطلب فيها على العمل كبيرا مقارنة بمناطق أخرى، وعزوف الشباب عن العمل بالمجال المهني، بسبب مجموعة من المؤشرات المرتبطة مع الثقافة الاجتماعية السائدة.

وبينت النتائج الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة أن معدل البطالة كان مرتفعا بين حملة الشهادات الجامعية حيث بلغ 26.6% مقارنةً بالمستويات التعليمية الأخرى.

 

البطالة

 

ووصل عدد الخريجين الأردنيين خلال العام الدراسي 2021_ 2022 الى 76,134 طالب وطالبة وفق آخر إحصائية لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

 

البطالة

 

 

فايزة الزبيدي

 

ولأنها تؤمن بالمسؤولية الاجتماعية واعتادت على العطاء، لم تقف الأستاذة فايزة الزبيدي مكفوفة الأيدي أمام جائحة البطالة التي تنهش جزءاً من طموح كل شابٍ أردني كلما تفشت لتصبح ظاهرةً تهدد المجتمع بأسره.

فانطلاقاً من المسؤولية الاجتماعية على حد قولها كأستاذة جامعية، طالت خبرتها الثلاثون عاما في التدريس، وهي أم لأربعة أبناء تخرجوا، تحتسب كل خريجٍ بمثابة ابنها، وبدأت تفكر بإيجاد حلٍ تواجه به البطالة وتقدم شيء للبلد وأبنائه لعلها تساهم في الحد من تلك الظاهرة.

 

تقول فايزة الزبيدي إن فكرة إنشاء مشروع إنتاج الفطر الأبيض المنزلي لم تكن وليدة اللحظة، بل خططت لها منذ سنوات عدة، هي وأخيها بعد تقاعدها تفرغت للمساهمة في محاربة البطالة من خلال إنشاء مشروع توظف به عددا من الشباب وتساعدهم بفتح مشاريع تدر دخلا بدلا من انتظار الوظيفة.

 

 هدفها الأول كان إدخال المادة الأولية إلى الأردن مادة (الكومبوست) وهي السماد العضوي الصالح لزراعة الفطر الأبيض أو فطر الأزرار وهي مادة غير متوفرة في الأردن، بل يتم استيراد الفطر الناتج عنها جاهزاً من هولندا بتكلفة 850 دينار أردني للطن الواحد، وكان الهدف إدخاله وإنتاج الفطر بمواصفات تضاهي المستورد الهولندي وبأسعار منافسة إذ تمكنت من إنتاج الطن وبيعة محليا بتكلفة 400 دينار أردني، بدلا من عناء الشحن الاستيراد المترتبة.

 

والهدف الثاني هو: مساعدة الشباب الأردني للاستفادة من فتح مشاريعهم الخاصة لإنتاج هذا النوع من الفطر في الأردن لما له من مردود كبير وطلب متزايد فيبلغ سعر الكيلو الواحدة من هذا المنتج في السوق الأردني من 4,50 الى 5 دنانير، إذ أن الغرفة الواحدة ذات المساحة 4×4 مترا بإمكانها أن تعطي ربح صافي خلال 52 يوم (فترة الزرع مع القطاف) قرابة 400 دينار أردني.

 

إستمع الآن

 

تقول الزبيدي بأنها اطلعت على تجارب عربية سابقة لنفس المشروع رأت النور في تلك البلدان مثل تونس وتركيا ، وأرادت أن تدخل تلك التجربة إلى الأردن وتوسيع مشروعها، فحصلت  الزبيدي على الكومبوست من الخارج وبدأت مشروعها أولا بأول حتى فتحت معمل النعمة الخضراء ووظفت عددا من الشبان والمهندسين العاطلين عن العمل في منطقتها الواقعة في بلعما والتابعة لمحافظة المفرق ، حصلت على دعم من جهات مختلفة فكان الداعم الأكبر لها شركة روابي فرح وهي معنية بدعم المشاريع الزراعية،  تقول الزبيدي : روابي فرح دعمتني ووقفت بجانبي وكان لهم الدور الأبرز في إظهار مشروعي و تسويقه إعلامياً  ومادياً وأخصت بالذكر المهندس ليث دويكات الذي فتح لها أبواب شركته فعقدت شراكة استراتيجية معهم  .

و استثمرت خبرتها كأكاديمية جامعية لتدريب الشباب والشابات الراغبين في فتح مشاريع لزراعة الفطر الأبيض من خلال توفير المادة الخام لهم و بدورة تدريبية تكلفتها 25 ديناراً اردنياً، وبإشراف عدد من المهندسين والمزارعين الذين لهم باع طويل في زراعة هذا الفطر، من خلال تدريب نظري وعملي وبإشراف مستمر لجميع مراحل الإنتاج حتى يصبح جاهزاً للقطاف، حتى يتمكنوا هؤلاء المتدربين من الزراعة بشكل فردي ويعتمدوا على أنفسهم، ولقت هذه الدورة طلباً متزايدا إذ بلغ عدد المتدربين قرابة 300 شاب وشابة.

 

إستمع الآن

 

مجد الحموري شاب أردني يبلغ من العمر 28 عاماً، انضم إلى فريق العمل في معمل فايزة الزبيدي، بعد المعاناة التي خاضها من تجاربٍ باءت بالفشل في إيجاد فرصة عمل ثابته تلبي احتياجاته وطموحاته، حتى وإن كانت بعيدة عن دراسته، إذ يحمل الحموري البكالوريوس في اللغة الإنجليزية واللغويات من جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية.

 

يقول مجد : اتجهت للعمل في زراعة الفطر بعد مواجهة صعوبة بالحصول على عملٍ ثابت ، إذ خضت تدريباً كاملاً عن زراعة الفطر الأبيض، في معمل النعمة الخضراء كنت متدرباً والآن أصبحتُ مدرباً ، أدرب الناس على زراعتهِ ، وكانت تجربتي مميزة وغيرت حياتي ، بعد أن غيرتُ مجالي من إنجليزي إلى زراعة الفطر ، والآن أنا فرداً من هذا المعمل ، لدي دخل ثابت ، فدتُ نفسي وعائلتي،  لستُ بحاجة للبحث عن وظيفة ثابتة ؛ لأن العمل في زراعة الفطر مستمر على مدار السنة،  حتى لو وجدت عملاً في مجال دراستي استطيع الاستمرار كمدرب في زراعة الفطر ومزارع أساعد الشباب الذين يعانون ويجدون صعوبات شائكة في الحصول على وظيفة ، في ضل هذه الظروف، أنصح الشباب العاطلين عن العمل بخوض تجربتي والبحث عن فرص أخرى بدلا من أن توقعهم الشهادة في مصيدة البطالة.

 

وذكرت  الزبيدي بأن هذا المشروع يحتاج إلى دعم حكومي كبير لهؤلاء الشبان المتدربين ، ويجب الوقوف إلى صفهم لمواجهة التحدي الأكبر و هو البطالة ، ومساندتهم من خلال تقديم الدعم المالي لهم فالغرفة يكلف تجهيزها حتى تنتج 800 دينار أردني لتهيئة الظروف من مواد خام و مكيفات  لأنها تحتاج إلى سيطرة على درجة الحرارة ونسبة رطوبة ملائمة،  فهو مشروع مجزي ، يحل مشكلةً تفاقمت في المجتمع ، وتطالب الزبيدي و شركائها في روابي فرح الحكومة بوقف الاستيراد وإتاحة الفرصة أمامهم بإنتاج كميات أكبر وبالتالي توظيف عدد أكبر من الشباب والشابات العاطلين عن العمل ودعم المنتج الوطني دون أي معوقات فالتحدي الأكبر الذي يواجههم الأصناف المستورة المنتشرة في السوق.

 

وتقول الزبيدي نحن لدينا إمكانيات صناعية وأيدي عاملة وخبرات قادرين على تطوير أنفسنا ، وتغطية متطلبات السوق المحلي من الفطر الأبيض ،   ولكن نقتصر للدعم الحكومي ،فنحن ننتج حاليا 20 طن بالشهر الواحد ،وفي حال فتحت الحكومة أمامنا باب التصدير الى الخارج نكون قد وصلنا إلى هدفنا الأكبر وهو أن نصبح دولة مصدرة على مستوى الشرق الأوسط  لتصنيع الكومبوست المحلي ، نحن ينقصنا مصنع تعليب لأن الفطر المنتج صالح لمدة أسبوعين بعد القطاف داخل الثلاجة ، لذا نحن بحاجة إلى دعم حكومي ومساندة فعليه للنهوض بالمنتج الأردني والقضاء على البطالة ، بإنشاء مصنع تعليب يستوعب جميع المزارعين.

 

وأقر مجلس الوزراء الأردني، في 7 أغسطس/آب الماضي ، نظام صندوق دعم وتطوير الصناعة ،جاء  تنفيذًا لما ورد في برنامج أولويات عمل الحكومة الاقتصادي للأعوام (2021-2023) حول إنشاء صندوق لدعم وتطوير الصناعة ، وقد عملت الحكومة على توفير المخصَّصات الماليَّة للصَّندوق من خلال تخصيص (30) مليون دينار سنويَّاً في الموازنة العامَّة وبإجمالي 90 مليون دينار خلال السنوات الثلاث القادمة (2023 – 2025)، وكان البنك الدولي قد وافق مسبقا على تقديم تمويل قيمته 85 مليون دولار لمشروع مساندة صندوق دعم وتطوير الصناعة والذي يهدف الى تعزيز الاستثمارات والصادرات لدى القطاع الصناعي.

 

 إن الصندوق يهدف للمساهمة في تخفيف عبء كلف الإنتاج والتكاليف الأخرى التي تعاني منها الصناعة الوطنية مما يعزز تنافسيتها لدخول أسواق جديدة تزامناً مع عودة الهدوء النسبي للأوضاع الأمنية في المنطقة إضافة إلى تعظيم استفادة الاقتصاد الوطني من حيث إعطاء المنتجات الأردنية ميزة تنافسية في الأسواق المحلية والعالمية، كما يهدف الصندوق إلى تنويع مصادر الدخل القومي وتوفير فرص العمل والتخفيف من ظاهرتي الفقر والبطالة في المملكة وزيادة الصادرات والمبيعات وتوفير فرص عمل إضافية الى جانب مساهمته في زيادة معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي.

 

 

*مؤشرات الصندوق كما ورد في موقعها على الإنترنت https://industrialfund.jo/home/mediacenter/

 

1: عدد المنشآت الصناعية المستهدفة لبرنامج ترويج الصادرات: 160 منشأة.

٢: عدد المنشآت الصناعية المستهدفة لبرنامج تحديث الصناعة: 195 منشأة.

3: عدد فرص العمل المتوقعة للأردنيين من جميع البرامج: 4,900 فرصة عمل.

4: عدد فرص العمل المتوقعة للإناث من اجمالي فرص العمل: 700 فرصة عمل.

المصدر: "صندوق دعم وتطوير الصناعة /وزارة الصناعة والتجارة والتموين"

 

وبالرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة حيال محاربة البطالة، ودعم المشاريع الوطنية، إلا أن مشروع فايزة الزبيدي لايزال يواجه تحديات تقف عائقا أمام طموحها.

إذ يطلق مزارعي الفطر الأبيض على منتجهم "الذهب الأبيض" لما له من مردود جيد على حد قولهم، ومن فوائده الصحية، يعتبر الفطر الأبيض بديل اللحوم وهو خالٍ من الكولسترول وخالٍ من الدهون، فبعض الدراسات تقول إنه يقاوم أنواعا من السرطانات وله فوائد صحية متنوعة، ومن ميزاته بأن ليس له موسم محدد بل يزرع على مدار السنة

 

تم إنتاج هذا (التقرير) بالشراكة مع مؤسسة مهارات بدعم مالي من أكاديمية دوتشيه فيليه. هذا المشروع هو ضمن "مبادرة للشفافية وحرية التعبير: صمود وسائل الاعلام في الأزمات".

إن الآراء الواردة في هذا (التقرير) هي مسؤولية المنتج/المنتجة، ولا تعبر عن آراء وموقف أكاديمية دوتشيه فيليه او الجهات المانحة لها ومؤسسة مهارات.

 

DW

مهارات

GIZ

 

أضف تعليقك