الحقيقة ما تزال أولى ضحايا الحروب فهل لدينا الاستعداد للبحث عنها؟

صرح  للجنود العثمانيين الذين قضوا في السلط

مع مرور أكثر من شهر على الحرب الجارية في أوكرانيا علينا دائما ان نتذكر ان الحقيقة غالباً أول ضحايا الحرب.

فرغم وجود الكم الهائل من المعلومات ومنها تقارير مصورة يتم بثها بصورة حية ومباشرة من الميدان في أوكرانيا إلا أنه علينا دائما أن نبقى دفاعاتنا مرتفعة قبل ان نقبل ما نسمع او نقراء وكأنه الحقيقة المطلقة وقد نحتاج الى سنين وعقود كي تنكشف كل أو غالبية الحقائق وقد تبقى بعد الحقائق غائبة او مغيبة حتى بعد مرور زمن طويل.

تذكرت قول ضحية الحقيقة أثناء الحرب خلال احتفال جرى في العاصمة الأردنية عمان الاسبوع الماضي  بمناسبة صدور كتاب مصور بعنوان "روابط تشكلت تحت النار" . الكتاب يهدف الى تخليد العلاقة الأردنية الاسترالية وخاصة ما جرى إبان الحرب العالمية الأولى في بعض المدن الأردنية ومنها عمان والسلط ومناطق الأغوار.

بعد استماع الكلمات المنمقة من أمراء ووزراء وسفراء كان آخر المتحدثين باحث استرالي شرح كيفية العمل على الكتاب المصور وتعرج خلال كلمته الى ماجرى في الأردن في ربيع عام 2018 وذكر عبارة استوقفت عندها حيث عبر عن الأخطاء التي جرت حول بعض المعارك بين قوى التحالف البريطاني والاسترالي والنيوزيلاندي مع الجيش العثماني آنذاك.

 

سألت الخبير الأسترالي جيمس برو بعد انتهاء المراسم عما كان يعنيه عندما عبر عن وجود أخطاء فرد علي انه كانت هناك أخطاء كثيرة في المعارك، ولكن أكبر الأخطاء كان في ما قام به المؤرخون. "هل تعلم  تاريخ بعض تلك المعارك مدون بصورة خاطئة وخاصة في لوم قبيلة بني صخر في مسؤوليتها عن خسارة معركة السلط الثانية. فقد تم وضع اللوم عليهم لعدم الوفاء بوعدهم بالمشاركة في المعركة ولكن الحقيقة أنه لم يكن هناك وعد من قبيلة بني صخر بالمشاركة في تلك المعركة ولم يتم اعلام الأمير فيصل بالمعركة والحقيقة أنه لو شارك كل أبناء قبيلة بني صخر لما تغيرت النتيجة حيث كانت المعركة غير متكافئة ولم يكن هناك فرصة للفوز بتلك المعركة ولكن المؤرخين لم يذكروا ذلك بل فقط وضعوا اللوم على القبيلة العربية. سألت الخبير وهل تم تصحيح تلك المعلومة فرد أنه رغم وجود فقرة في كتابات المؤرخ الخاص للجنرال اللنبي صادقة في وصف ما حدث إلا أن الغالبية العظمى من المعلومات المنشورة والتي يتم تكرارها بدون وجه حق تضع اللوم على القبيلة العربية.

 

بعد مرور عدة أيام التقيت مع صحفي أردني من شمال المملكة وسألته ماذا تعرف عن معركة السلط الثانية التي جرت في شهر نيسان من عام 1918 وفوجئت انه يعرف عن تلك المعركة، ولكن وللأسف كانت معلوماته أيضا مغلوطة حيث قال لي بأسف الحقيقة اننا العرب سبب خسارة تلك المعركة. قمت بتصحيح المعلومة والتي من الواضح أنها أصبحت متوارثة ليس فقط في المؤلفات الغربية بل حتى في ما يتم تداوله محلياُ.

 

لاشك أن الحقيقة ضحية الحروب ولكن الأمر المؤسف هو اننا نقبل بالمعلومات الخاطئة ولا نقوم بالتمحيص والتأكد منها. إن أهم ما يقوم به الباحثين والخبراء الأكاديميين هو ما يسمى peer review أي المراجعة والتاكد من قبل الزملاء في نفس التخصص. وأعتقد أنه عند تطبيق مثل هذا الأمر فإن البعض يوافق على دراسات الزملاء من قبيل الخجل وعدم الاحراج بدل من قول الحقيقة حتى إن كانت تضر دراسة لزميل.

 

نحن بحاجة إلى ثورة حقيقية في مفهوم المصداقية ليس فقط تلك الحقائق التي تكون أولى ضحايا الحروب ولكن الحقائق المرة التي نمر عليها مر الكرام ولا نقوم بالنقد الذاتي والنقد البناء والذي إن تم يمكن أن يجنبنا الكثير من الكوارث.

وتبقى الحقيقة والبحث عن الحقيقة هدف نبيل علينا أن نعمل على الوصول إليه كان ذلك في وقت الحرب ووقت السلم.

 

 

 

أضف تعليقك