لا يختلف اثنان، بأن المدينة المقدسة لها وضع خاص واستثنائي من كافة الجوانب والمناحي الحياتية اليومية، كونها مازالت ترزح تحت كيان الاحتلال الساعي بكل الإمكانيات المتاحة لشطب معالمها العربية، وتزوير تاريخها، وسلخ ثقافتها الأصيلة التي تكالبت عليها العديد من الحضارات القديمة والتي مازالت ماثلة أمامنا حتى اللحظة تجابه العدوان المنظم تجاهها، فعلى الرغم من الواقع الصعب الذي تعيشه المدينة المقدسة بفعل سياسة بلدية الإحتلال التي تعمل جاهدة على شطب الهوية الثقافية المقدسية العربية بتغريبها وأسرلتها عن واقعها الفلسطيني العربي عبر العمل ليل نهار على ذلك.
وفي هذا الصدد، قال الكاتب جميل السلحوت، "في القدس صراع ثقافي واضح، فالاحتلال يحاول فرض ثقافته وطمس ثقافة المدينة، وتهويد المدينة بشكل متسارع لفرض سياسة الأمر الواقع، كما يمارس سياسة التطهير العرقي، و يزيف تاريخ ملامحها، كتجريف مقبرة مأمن الله عند باب الخليل، وتغيير أسماء الشوارع في المدينة، وإعطائها أسماء عبرية".
وحول ما تعانية الحركة الثقافية تابع السلحوت، "الثقافة المقدسية جزء من الثقافة الفلسطينية، وهي جزء من الثقافة العربية، لكن هناك خصوصية معينة تنبع من البيئة والواقع المعاش، وهناك نواقص كثيرة تتمثل بعدم رعاية المؤسسات الثقافية كما يجب، وعدم رعاية المثقفين وتفريغهم لخدمة الثقافة، وقلة دعم طباعة الكتب والإبداعات كي تصل للقارئ بسعر زهيد".
وفي ذات الصدد، بين السلحوت، أن لا مأسسة للنشاطات الثقافية. "لدينا نشاطات منتظمة مثل ندوة اليوم السابع الثقافية، و ندوة دواة على السور، ونشاطات نادي الصحافة والمسرح الوطني والحكواتي ومؤسسة يبوس، وهي تعتمد على الجهود الذاتية بشكل أساسي وتفتقر للدعم والمتابعة".
وبدوره القاص والأديب محمود شقير رأى أن الحركة الثقافية المقدسية ما زالت محدودة الحضور مقارنة بما كانت عليه قبل سنوات، فكانت مركزاً للنشاط الثقافي يأتيها المثقفون من كل المدن الفلسطينية إلا أنها انحصرت بفعل فصلها عن محيطها الفلسطيني بجدار الفصل العنصري والحواجز".
ويبرق الأديب شقير رسالة للسلطة الفلسطينية والمؤسسات الأهلية لإيلاء الحركة الثقافية المقدسية مزيداً من الاهتمام والرعاية، لدعمها وتعزيز حضورها وتعزيز مشاركة الناس في أنشطتها، حيث أن الجهود الفردية وحدها لا تكفي، ولا بد من جهد جماعي منظم للنهوض بالحركة الثقافية في القدس.
ووصف الأديب والناشط إبراهيم جوهر الحراك الثقافي المقدسي بأنه " نشاط متواضع، مسيّج بأوامر الصد والمنع من قبل الاحتلال، وكل نشاط له روح الانتماء والأصالة والعودة إلى الجذور ممنوع. مضيفاً "توجد في القدس أنشطة ومهرجانات ومسابقات ونقاشات وصالونات ثقافية، وندوات أدبية، وفرق للدبكة الشعبية ومسارح ومعارض ومراكز ، لكن الإنسان الذي تتوجه إليه هذه الأنشطة والمراكز الثقافية غائب".
وأردف قائلا، "نشاطنا هو أقل القليل وأنا لست راضياً عن النشاط الثقافي المقدسي بنتائجه وتوجهه وشمول أهدافه والوصول إلى جمهوره ،لأن سقف طموحي عال بعلوّ سقف القدس ومكانتها وروحها ومعناها، ويرجع ذلك لأسباب " نقص التنسيق بين الأنشطة، وعدم وضع خطة إستراتيجية، ولذلك ينقصنا الصدق لا أكثر ولا أقل حين نعمل في القدس، لأجل القدس، ويلزمنا الإيمان بدور الثقافة كمحرك للتغيير والتعمير والصمود".
بدورها الأديبة والروائية ديمة السمان قالت، "على الرغم من غياب الحرية والحصار الثقافي ورقابة الاحتلال العسكرية، إلا أن الحركة الثقافية المقدسية اتخذت ملامح ومعالم ذات طابع وهوية وطنية مميّزة، حملت هموم المقدسيين، ونقلت معاناته ، وأساليب نضاله، وتناولت أحلامه بالتحرر السياسي والاجتماعي والاقتصادي".
وأضافت السمان، "لم يأت تسجيل اليونسكو مدينة القدس ضمن المدن الثقافية العالمية التي يجب الحفاظ عليها وصيانتها وترميمها من فراغ، فالقدس لها أهمية تاريخية ودينية وحضارية، وعلى هذا الأساس تم اعتبارها عاصمة دائمة للثقافة العربية، وعلى الرغم من كل هذا، فمي مازالت تعيش انعزالا ثقافيا منذ ضمها عام (67)بفعل المخططات الاحتلالية التي تستهدفها وتسعى لتهويد جل معالمها، وتعدم المؤسسات والمراكز الثقافية التي تعنى بإحياء الذاكرة الفلسطينية والتراث والفلكلور الفلسطيني الأصيل، وتزور وتسرق التراث مدّعية أنه ملكها، فلم تترك أيّ معلم ثقافي إلا وسعت لتهويده وأسرلته".
إنها القدس ولأنها الثقافة التي تبني الإنسان بروحه وكيانه ومستقبله وواقعه، في ظل واقع مرير، تشقّ الحركة الثّقافيّة طريقها عبر كل هذه العقبات والمعيقات، وعلى الرّغم أنها تحبو، إلا أنها تمضي قدماً بثبات، بفضل المثقفين الفلسطينيين المقدسيين الذين يعون تماماً صعوبة وخطورة المرحلة، حيث جندّوا أدوات إبداعاتهم كل بطريقته ومهارته، بالقلم والريشة والمسرح، لنقل صوت القدس وألمها إلى العالم، لدحض إدعاءات إعلام الاحتلال الذي يساهم في ترسيخ تزوير الحقيقة، والذي يبدع في تحويل الذئب إلى حمل والحمل الى ذئب، والحفاظ على الموروث التاريخي العربي بالمدينة المقدسة.
المصدر: شبكة هنا القدس للإعلام المجتمعي