الحرارة في عمان... فنون!!

الرابط المختصر

وسط هذه الموجة الحارة التي تعم المملكة، يتوقف المواطن الأردني عند عدد من المظاهر الغريبة، والتي ربما لن تتكرر..يلاحظ مثلا، انخفاض أعداد المارة في الطرق، ليريحوا تلك الأقدام المتعبة بالجلوس تحت ظلال البنايات ومظلات المحال التجارية، هربا من أشعة الشمس الحارة، وبانتظار سيارة أجرة، يتملص سائقها في أحيان كثيرة، من إنقاذ أحد ضحايا هذه الشمس الحارقة، إلا إذا كنت، أو "كنتِ" تحتملين هذه الدرجات المرتفعة من الحرارة، وفي حالة وقوف السائق لإحداهن، فإنه سرعان ما يجد سيارته ملأى بركاب غير مرغوب بهم..

في الطريق، ازدحام غير معقول وتلاصق مريب بين المركبات، لا أحد يكترث لما يمكن أن يحصل، أو لما يمكن أن يكون قد حصل بالفعل، إذ أصبح مألوفا أن نرى عددا من المركبات المحطمة، والتي لا يزال سائقوها يقودونها بالطريقة العشوائية نفسها، بالوضعية نفسها، اليد اليمنى على المقود و اليسرى خارج النافذة، أو ممسكة بهاتف خلوي  لمتابعة مكالمة يعتقدون بأهميتها رغم اصطدام سياراتهم ..
 
داخل المحال التجارية، باعة على مقاعد مريحة، تحت هواء المبردات أو المراوح، يتابعون برامج تلفزيونية، غافلين عن وجوه مبللة، تدخل وتخرج باستمرار، تقلب عددا من البضائع، وربما جميعها، في محاولة لكسب دقائق أو ثوان معدودة، برفقة الهواء البارد، ومن ثم الخروج بوجوه جديدة في مواجهة لأشعة الشمس غير البريئة..
 
حتى أصحاب تلك المحال أنفسهم، لم يعودوا يكترثون بحركة البيع في هذا الوضع غير المأمول فيه، باستثناء أصحاب الدكاكين، الذين سئموا ملء براداتهم بالمشروبات الخفيفة، التي تحتل دون منافس الجزء الأكبر من أمعاء  المواطنين، ولعل إعلانات هذه المشروبات، أيضا، تحتل الجزء الأكبر من إعلانات التلفاز والراديو والصحف اليومية، فالمنافسة اليوم على أشدها بين تلك المشروبات، للحصول على أكبر قدر ممكن من مستهلكين آخر ما يهمهم، الأسماء التجارية..
 
ويبدو من البديهي جدا، وسط درجات حرارة كهذه، أن يكرر الشخص عددا من الجمل، يتفوهها من الصباح حتى المساء، خلال أوقات متفاوتة، دون وعي منه، ولعل من البديهي أكثر، أن يبدي المستمع اهتمامه بالموضوع نفسه، في كل مرة يستمع فيها له، ولربما يضيف التعليق ذاته الذي علقه في أول مرة، وأيضا، دونما وعي..
 
للملابس أيضا، نصيب في المشاهدات اليومية لهذه الموجة الحارقة، إذ أن أول ما يلفت انتباهك، هو العلاقة العكسية بين حجم قطع القماش التي تغطي الجسد، وعدد التعليقات التي تتلقاها كل عابرة طريق، لا ذنب لها، سوى ارتفاع درجات الحرارة..
 
مارة يترنحون أو يقعون أرضا على الأرصفة، بعد إصابتهم بما يسمونه ضربة شمس، وآخرون يراقبون عن كثب، أعراض هذه الضربة دون أي تدخل منهم، كي لا يأخذوا نصيبهم منها، ويبدو أن الشمس هذه الأيام كالناس، لا تحتمل المزاح..
 
يذكر أن هذه الموجة الحارة التي تتأثر بها المملكة، ستستمر حتى نهاية الاسبوع الحالي حيث يبقى الطقس حارا وجافا في مختلف المناطق، وتبلغ درجة الحرارة العظمى 38 درجة، مسجلة ارتفاعا عن معدلها السنوي بـ(5-6) درجات، وتدرس وزارة الزراعة، على ضوء هذا الارتفاع، من خلال مديرياتها، تأثيرات موجة الحر على المزروعات في منطقة وادي الاردن والاغوار، التي تصل درجات الحرارة فيها الى 44 درجة مئوية، وهو ما أدى إلى انهيار أسعار تلك المزروعات، لتتحول من ثمار مطمئنة على تربة ساخنة، إلى عينات تحتويها احشاء المتسممين والمتألمين، كي يتم تحليلها في المختبرات الطبية التي تعيش حالة غير مسبوقة من الانتعاش..
 
هكذا تسير الحياة في عمان، هذه الأيام ..

أضف تعليقك