الجهل بالحقوق سبب للانتهاك .. فمن المسؤول عن التوعية؟

الرابط المختصر

 

ريم  التي راجعت الطبيب برفقة شقيقتها لإجراء بعض الفحوصات بعد وعكة صحية كانت قد أصيبت بها في ما مضى، اشترط الطبيب دخولها إلى غرفة الفحص بمفردها، بحجة خصوصيته، وطلب منها الإجابة عن بعض الأسئلة المتعلقة بحياتها الجنسية رغم أن الأسئلة لا تمت لطبيعة الفحص المراد إجراؤه بصلة, كما تقول ريم.

 

بصوت غاضب تروي ريم "كانت لمساتة مريبة وما بتشبه أي فحص بنعمل بالحياة. رحت ليكتبلي شوية فحوصات دم بسبب دوخة ووجع راس، فشو في داعي يطلب مني فحص سريري بثير شكي وبحسسني إنه في إشي غلط!"

 

وبعد سنتين من الحادثة، وفي جلسة دافئة مع الصديقات، استجمعت ريم قوتها لتخبرهنّ ما تعرضت له في زيارتها إلى الطبيب، لتُنبهها إحدى الصديقات -والتي تعمل كطبيبة عامة- أنه لا يجوز للطبيب أن ينفرد مع مريضته في عيادته، "بس حكتلي هاي الجملة حسيت متل كأنه حقي راح والحياة كلها ما بتعوضلي ياه"، تقول ريم.

وهذا ما نصت عليه المادة 8/ و من قانون المساعدة الطبية,  التي تحظر على مقدم الخدمة الكشف السريري على مراجع من غير جنسه دون حضور طرف ثالث إلا في الحالات الطارئة.فتجسد ريم حالة عامة في المجتمع من بين كثيرين يجهلون حقوقهم، ما يجعلهم يقعون ضحية الانتهاك أيا كان شكله أو مصدره.

 

"ما كان عندي أدنى فكرة إنه القانون بجرم إساءة الأفراد لبعضهم داخل الشغل أو خارجه" يقول كرم بلسان مقهور بعد أن تعرض للإهانة من مديره في إحدى اجتماعات العمل حين وصفه ب"قليل الفهم وقليل الإدراك".

 

حالة كرم واحدة من حالات مختلفة ومتعددة، فقدت حقوقها أو تعرضت لاستغلال وانتهاكات عمّالية مختلفة, "لكن مهما كان العدد المتخيّل للمتضررين فلا يمكن إثباته بشكل علمي؛ لأن الجهل بالقانون ليس ذريعة يؤخذ بها أصلًا لعمل إحصاء على عدد المتضررين"، كما يرى المرازيق مدير إدارة التوعية والتدريب في المركز الوطني لحقوق الإنسان.

 

هل يكتب القانون بلسان الناس؟

 

مصطلحات القانون جامدة عصية على المواطنين وفي كثير من السياقات لا تكون مفهومة أصلًا, "فمن الطبيعي عدم فهم الناس للكثير من القوانين" تقول المحامية نورالإمام, "فاللغة التي تصاغ فيها القوانين تختلف عن اللغة العادية المتداولة والبسيطة بين عامّة الناس لوجود مصطلحات مصممة ليتعامل معها ويفهمها المجتمع القانوني من محامين وقضاة وعاملين في قطاع العدالة.

 وتتميّز المصطلحات بأنها ذات مدلولات قانونية، من شأنها أن تبيّن إجراءات معينة أو تصف فعل معين يترتب عليه جزاء،  وغيرها من الأمور التي تبني القواعد القانونية، وبالتالي فالقوانين تصدر بلغة يفهمها المختصون ودارسي القانون".

 

 

الدربكة التشريعية.

تتطور المجتمعات وتنمو لتتغير أنماط حياتها وأنظمتها التي تحكمها, ومع الزمن تكون القوانين أيضا عرضة للتعديل أو للإيقاف، لكنّ هذه التعديلات قد تسبب إرباكًا في بعض الأحيان وهو ما وصفه المحامي المرازيق بـ "الدربكة والتخبط التشريعي" فالقانون يتعرض لأكثر من تعديل في فترات متقاربة, كقانون المالكين والمستأجرين الذي تعرض لما يقارب السبعة تعديلات حتى الآن "أحدثت إرباك لنا كمحامين, فماذا عن المواطن العاديّ؟".

  

مسؤولية التوعية, على عاتق من؟

القاعدة الأساسية أن كل انسان يجب أن يكون مطلعا على القانون، ولا يجوز له ادعاء خلاف ذلك في حال انتهكت حقوقهم بسبب جهلهم القانوني. فبحسب القاعدة القانونية "لا يجوز الدفع بالجهل بالقانون"، أي أن الجهل ليس ذريعة كافية أمام القضاء للاعتداد به في حال أدى إلى ضياع حقوقهم أو التعدي عليها.

 ويرجع ذلك إلى ما هو متعارفٌ عليه في المملكة من نشر القوانين وتعديلاتها -بعد الموافقة عليها- في الجريدة الرسمية، وهي الوسيلة التقليدية لإعلام جمهور المواطنين والأشخاص القاطنين في المملكة بصدور تشريع معين.

في حين يقع على عاتق الدولة مسؤولية تقديم المساعدة القانونية بمفهومها الذي يشمل رفع الوعي القانوني لكافة فئات المجتمع، وذلك استنادًا إلى  أن الدستور الأردني  والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان قد كفلت الحقوق والحريات العامة.

 

لكن وبرغم من أن لا نص قانونيًا يلزم الدولة بمؤسساتها على توعية المواطنين بحقوقهم إلا أنه عند إقرار أي تشريع أو تعديله أو توقيع على اتفاقية دولية لحقوق الإنسان فهناك مراحل تمر بها هذه العملية، منها مرحلة الحماية، والحماية تكون من خلال تعريف الناس بالتشريعات والأنظمة التي تحكم حياتهم، فأي إقرار لأي قانون يجب أن يرافقه نشر على نطاق واسع.

 

كذلك تتولى نقابة المحامين ومراكز المساعدة القانونية تقديم هذه الخدمة، ووزارة العدل أيضا مطالبة بهذا الامر، لكن المرازيق يرى أن خدمة تقديم المساعدة القانونيّة تعترضها خلافات بين المحامين ومركز المساعدة القانونية، ما يجعلها بحاجة إلى "ضبط وإعادة صياغة، مشيرًا إلى البديل عن هذه الخدمة هو في وحدة المساعدة القانونية في وزارة العدل والتي لم تفّعل بعد.

 

آمال حقوقية

تتطلع المحامية نور الإمام لتمكين دولة القانون والمؤسسات مع إنهاء المئوية الأولى من عمر الدولة، وتتطلع ليوم يتم فيه تدريس الثقافة القانونية في المدارس أسوة بباقي العلوم وذلك لكي ينشأ جيل متسلح بالقانون ومطلع على حقوقه وواجباته القانونية.

 

تتنوع الجهود المبذولة في التوعية القانونية من مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية والوطنية المستقلة كما المؤسسات الرسمية, لكنها بوصف المرازيق "جهود خجولة جدًا" ولا يمكن البناء عليه لتكوين ثقافة قانونية لتوعية المواطنين بحقوقهم".

الجهل بالحقوق سبب للانتهاك .. فمن المسؤول عن التوعية؟

 

أضف تعليقك