التقنين خطوة شعبية للتصدي للغلاء
دفع الارتفاع المتزايد للأسعار العديد من المواطنين تغيير نمطهم الاستهلاكي للتكيف مع الظروف الاقتصادية الحالية
وقلب ارتفاع الأسعار أولويات المواطن الأردني رأسا على عقب كل حسب دخله الشهري.
فلم تعد سلع أساسية كالبيض والأسماك واللحوم مدرجة على القائمة الغذائية لإبراهيم سائق السرفيس، إذ تراجعت هذه السلع في سلم الأولويات "ليحافظ الخبز على صدارة القائمة" كما يقول.
ويطبق المواطن الأردني هذه الأيام المثل القائل " على قد لحافك مدر رجليك" إذ استبدل المواطن أيمن أبو الروس احتياجاته من الزيوت المستوردة بالزيوت المحلية من باب التوفير والاقتصاد، كما أعرض عن شراء أصناف محددة من الحليب بسبب ارتفاع الأسعار، واستبدل الليمون الطازج بعصير الليمون الجاهز ليستخدمه في وجباته الغذائية، ورب البندورة عوضا عن البندورة الطازجة التي ناطح سعرها الدينار في الأسواق اذ لم لم تعد مقلاة البندورة في متناول اليد في أي وقت كما هو سائد".
البعض الآخر يجد في المؤسستين الاستهلاكيتين المدنية والعسكرية ملاذا لتوفير اكبر قدر ممكن النقود مستغلين قرار الحكومة تخفيض الهامش الربحي للصفر في المؤسسات الاستهلاكية، الأمر الذي دفع مواطنين لشراء كل حاجاته الشهرية من المؤسسة دفعة واحده، كما يفعل سلامة 53 عاما الذي " يوفر 5 دنانير شهريا" بسبب فرق السعر في المؤسسة".
تخفيض الهامش الربحي للصفر في المؤسسة المدنية والعسكرية خلق منافسا قويا للمجمعات التجارية الكبرى، التي تداركت هروب زبائنها للمؤسسة بسبب فرق السعر الأمر الذي دفع هذه المحلات التجارية لإتباع سياسة العروض التجارية المغرية والخصم، لتخلق ثقافة استهلاكية جديدة لدى المواطن يصفها البعض بالثقافة الايجابية وهي "التسوق وقت التخفيضات".
ويقول د.موسى شتيوي أستاذ الاجتماع الأردني ومدير مركز الأردن للدراسات الاجتماعية " ارتفاع الأسعار دفع العديد من المواطن لإعادة النظر في سلوكهم الاستهلاكي للتكيف مع ارتفاع الأسعار، والسلوك الأبرز هو ترشيد الاستهلاك، وتقول القاعدة عندما تكون السلع أسعارها رخيصة يكون هناك استهلاك زائد والعكس صحيح، لكن الحاصل الآن هناك تقنين للسلع الإستراتيجية التي تشهد ارتفاعا كبيرا وهذا التقنين ايجابي ويظهر ما يطلق عليه المستهلك الذكي الذي يعمل ضمن ميزانيته".
لكن المشكلة تكمن لدى ذوي الدخل المحدود –كما يقول شتيوي- "تغيير النمط الاستهلاكي قد يطال الأساسيات ويتم البحث عن بدائل عنها، مثلا كأن يجد المواطن بدائل عن اللحم البلدي بالتوجه لأصناف غذائية أخرى، السلبية قد تكون على المدى المتوسط حيث ستتأثر سلع أساسية وخدمات مهمة وتتراجع على سلم الأولويات كالتعليم والصحة".
تغيير النمط الاستهلاكي لم يكن مقتصرا على فئات محددة من المجتمع بل شمل مجتمعات عرفت بتقليديتها وتمسكها بممارسات مبالغ فيها في المناسبات الاجتماعية كالا فراح والأتراح، اذ اتفقت عشائر مدينة السلط على تغير بعض عاداتهم الاستهلاكية، كوقف التبذير في المناسبات والتخلص من التقاليد السلبية التي ترهق المواطنين اقتصاديا مع إحياء العادات الايجابية وهذا الأمر مرشح بأن يتم اعتماده على الأقل أدبيا في باقي المحافظات نظرا لأن ارتفاع الأسعار هو مشكلة وطنية لا تقتصر على فئة أو مدينة دون غيرها.
لكن هل ستغير هذه الوثيقة في النمط الاستهلاكي فعلاً؟ يجيب عضو اللجنة العليا للوثيقة الإعلامي عدنان خريسات " قام عدد من أبناء السلط بإحياء الوثيقة الموضوعة منذ عام 1981 مع إجراء تغيرات كبيرة عليها خصوصا في ضوء التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، فمنذ السبعينات والثمانينات كانت الأسعار ميسره على عكس الحاصل هذه الأيام لذا أتت الوثيقة للتخلص من العادات والمبالغات في الممارسات الاجتماعية وخاصة في مناسبات الأفراح التي يهدر فيها الطعام مع إحياء العادات الايجابية، وتضمنت الوثيقة بنود من شأنها التخفيف اقتصاديا عن المواطن خصوصا في المناسبات كان يعفى أهل المتوفي من إقامة وليمة الغداء بان يفتح بيت العزاء بعد الثالثة عصرا، وان يقتصر عدد المناسف لعشرة تأكل بالأطباق لضمان عدم الهدر، ولا تعتبر الوثيقة ملزمة بقدر ما هي ميثاق شرف يلتزم به أبناء السلط سعيا لتعميمها على كافة محافظات المملكة لتكون وثيقة الأردن ككل".
هذا التوجه الذي أعادت مدينة السلط إحياءه بعد سنوات عديدة من إطلاق وثيقتها الأولى في العام 1981 هو مثال حي على خروج الموطن الأردني ليس من قالب نمط الاستهلاك القديم ولكن أيضاً من قوالب الحلول الجاهزة والاتهامات العديدة التي يوزعها ما بين الحكومة والقطاع الخاص"التجار" وتحميلهم مسؤولية فحش الغلاء متناسيين أن للمواطن دوراً في هذه الدائرة التي تطالنا جميعاً أفراداً ومؤسسات، بقراره بشكل حاسم بتغيير نمطه الاستهلاكي نحو التقنين.
إستمع الآن