التغيير الحكومي والصحافة المحلية: لا جديد في تغطية حدث متكرر

الرابط المختصر

في السابع من شهر نيسان الحالي أقسمت حكومة السيد عدنان بدران الجديدة اليمين أمام الملك لتكون الحكومة الـ89 منذ تأسيس الأردن الحديث عام 1921 والسادسة "تغييرا وتعديلا" في عهد الملك عبدالله الثاني. فما الجديد الذي يمكن ان تحمله التغطية الاعلامية وكتابات المعلقين حول عملية التغيير الحكومي الاخيرة في بلد سجل رقما قياسا بين دول العالم في سرعة تغيير الحكومات.



لا يمتاز الاردن في سرعة تغيير الحكومات فحسب، إذ ان معدل عمر الحكومات في الاردن لا يزيد على سنة وثلاثة اشهر، فقد اصبح حديث التغيير أو التعديل سمة ملازمة للحياة السياسية في البلد ولا يكاد يمر شهر أو بضعة شهور على تشكيل حكومة ما حتى تبدأ الاشاعات ثم التسريبات عن تعديل وزاري متوقع أو تغيير حكومي وشيك.



واسهم عدم استقرار الحكومات ووجود ما يعرف بالصالونات السياسية التي تعتبر مصدرا للمعلومات أو الاشاعات عن الحكومة في خلق جو أثر بشدة على الصحافة التي وان كانت لا تسهم كثيرا في عملية صنع السياسية وبالتالي في التغيير الحكومي بقدر مساهمة الاعلام الخارجي الذي اصبح واضحا في السنوات الأخيرة، إلا ان الصحافة المحلية كثيرا ما تكون او "تستخدم" عن وعي أو عن "غير وعي" كـ"مطية" لهذه الصالونات السياسية التي تقوم بعملية التسريب خدمة لمصالحها أو مناكفة بالحكومة الموجودة وقد دفعت الصحافة ثمنا غاليا في هذا من موضوعيتها ومصداقيتها، فالكثير من الأخبار التي نشرت في الصحف عن التعديل أو التغيير الحكومي كان يعوزها الدقة.



وتركت كل حكومة بصمتها على الجسم الصحفي، فلم يعد سرا الحديث في الأردن ان لكل رئيس وزراء "جماعته" من الصحفيين أو "محاسيبه". ولم يعد أمرا غريبا ان تسمع في الاردن ان هذه الصحيفة الاسبوعية مثلا مدعومة من رئيس الوزراء الفلاني السابق أو الوزير السابق. او ان صحيفة اسبوعية تلقت "هبة" مالية كبيرة من الحكومة ولا تجد فيها ما يستحق فعلا هذه الهبة سوى أنها لا تكل عن "كيل المديح" للحكومة وسياساتها ومهاجمة معارضيها والتشكيك في وطنيتهم.



وفي هذا الصدد ترى ان بعض الصحفيين وهم ينبرون مدافعين عن حكومة ما أو شخصية سياسية ما يخلطون عمدا بين مصلحة الوطن والدفاع عنه ومصلحة الحكومة فيستوي الأمران عندهما.



وكل حكومة جديدة تأتي تبدأ ايضا حملة تغيير واسعة في رؤساء المؤسسات الاعلامية ومجالس الاعلام والصحافة والنشر والمطبوعات واحيانا رئيس تحرير الصحيفة الاولى "الرأي" بما يخلق حراكا في الوسط الصحفي ويعيد تدوير "النخب الصحفية" فيقرب هذا ويبعد ذاك.



وتعمد بعض الحكومات إلى استمالة عدد كبير من الصحفيين من خلال منح "الهبات و"العطايا" واغداق الإعلانات الحكومية على صحفهم أو نشراتهم الاسبوعية أو الشهرية أو تلك التي تصدر عند كل مناسبة يتوفر فيها عدد من الإعلانات أو اختيار هذا الصحفي أو ذاك لمرافقة وفد حكومي في مهمة ما. "الهبات" والتعيينات منحت لصحفيين وصحف ومنعت عن آخرين، بيد أن الأمر الظاهر للعيان كان كثرة توظيف الصحفيين في المؤسسات الحكومية كمستشارين أو مقدمي برامج او ناطقين اعلاميين لوزارات ومؤسسات.



وفي الاردن ظاهرة شديدة المرارة أشار إليها بصراحة ووضوح الملك في حديث له مع صحيفة "نيويورك تايمز" خلال تواجده الشهر الماضي في الولايات المتحدة حيث قال أن مخرجات التعليم في البلد تدفع بالطلبة ذوي العلامات المتدنية الى دراسة الصحافة والإعلام وهو امر يشكل الى جانب تدني مستوى معيشة الصحفيين أسبابا لنجاح الحكومات في استمالة عدد كبير من الصحفيين قليلي الخبرة والكفاءة المهنية فيجدون بالتقرب من الحكومة مدخلا مناسبا للشهرة أو لتحسين الوضع المالي.



كما دفعت الصحافة من حريتها واحيانا كما حصل عندما أوقفت حكومة رئيس الوزراء الاسبق علي أبو الراغب (في شهر كانون الثاني عام 2002) الصحفي فهد الريماوي رئيس تحرير صحيفة "المجد" الاسبوعية بعد نشره خبرا عن تغيير وزاري وشيك، إذ اعتبرت الحكومة خبر الصحيفة مساسا بالأمن القومي وتم توقيفه بناء على تعديلات كانت أدخلت على قانون العقوبات بشكل مؤقت ووضعت مزيدا من القيود على حرية الصحافة.



وبالمناسبة فقد احتسبت الصحافة المحلية لرئيس الوزراء المستقيل فيصل الفايز انه كان أول رئيس وزراء اردني يتحدث علنا عن تعديل سيجري على وزارته عندما أعلن في تشرين الأول 2004 عن تعديل يشمل 10 وزراء وسبق بذلك التسريبات والتوقعات وبورصات المرشحين.



التغطية الإعلامية للتغير لا يحمل تغييرا



إذا كانت سرعة تغيير الحكومات لم تعد "تدهش الأردنيين"، على ما يقول الكاتب سميح المعايطة في "الغد" (6/4)، ولم تعد تثير اهتماما شعبيا كبيرا، على ما يقول المعايطة أيضا في نفس الصحيفة (8/4)، فإن تغطيتها الاعلامية أصبحت على شاكلتها لا تحمل جديدا سوى في بعض المعلومات البسيطة من نوع أسماء وصور الوزراء الداخلين حديثا على الحكومة. ويستطيع المراقب ان يلحظ أن الأخبار المتعلقة بأسماء الوزراء الجدد تحظى باهتمام الصحفيين ربما اكثر من اهتمامهم بجوانب اخرى مثل خطاب التكليف أو رد الحكومة عليه ولعل هذا التركيز من قبل الصحفيين على متابعة التشكيلة الحكومية يعكس واقعا مجتمعيا ينهبه الفضول لمعرفة اسماء الوزراء لاسباب شتى تتعلق بالمصالح الاقتصادية أو بالأصول والمنابت والتنوع الجغرافي والعشائري اضافة الى الاسباب الذاتي المتعلقة بالصحفيين انفسهم.



وما حصل في التغيير الحكومي الاخير كان شاهدا على ذلك فقد انخرطت الصحف جميعها في أيام (6 و7/4) في التكهن بالتشكيلة الحكومية الجديدة ونشرت صحف كبرى مثل "الرأي" التي كانت لسنوات سابقة تمتنع عن الدخول في مثل هذه التكهنات اخبارا عن الاسماء المتوقع دخولها الحكومة، وقد عادت الصحيفة في (8/4) إلى نشر خبر في المحليات عن "صدق نبوءة الصحف" في موضوع أسماء الوزراء والامر الذي لم تقله الصحيفة ان معلومات كهذه لم تعد سرا تحتاج الى تقصي من الصحفي فهي كانت مبذولة قبل ساعات طويلة وربما ايام عند الصالونات السياسية وفي أروقة البرلمان وحتى في الفئة التي باتت تعرف في البلد بـ"المستوزرين" الحريصين على عدم شغل خطوط هواتفهم أملا باتصال ما من "الديوان" أو من "الدوار الرابع.



خبر التغيير الحكومي نقلته الصحف اليومية الرئيسية في الثامن من الشهر عن وكالة الانباء الرسمية "بترا" بتشابه لا جديد فيه فكان مانشيتا رئيسيا متقاربا عندها وحملت الصحف ايضا نفس الصورة الجماعية للحكومة مع الملك ونشرت جميعها رد الحكومة على خطاب التكليف الملكي الذي كان نشر في اليوم السابق مع خبر تكليف بدران تشكيل الحكومة. كما نشرت تصريحات بدران بعد عقد الجلسة الاولى للحكومة وتصريحات وزراء آخرين واسماء وصور الوزراء منفردين أو وهم يؤدون القسم ونشرت "الدستور" و"الرأي" (8/4) نبذة عن كل وزير...التفاصيل في صفحة برنامج عين على الإعلام


أضف تعليقك