التعديلات الدستورية بين ترحيب حزبي تشكيك في فعاليتها
تباينت آراء ومواقف الأحزاب السياسية من التعديلات الدستورية التي سلمتها اللجنة الملكية لمراجعة نصوص الدستور؛ فمنهم من اعتبرها خطوة إصلاحية تاريخية؛ اعتبر البعض الآخر بأنها خطوة إيجابية إلا أنها غير كافية؛ فيما اعتبر آخرين انها لم ترتقي لأدنى المطالب الشعبية.
التعديلات التي أقرتها اللجنة الملكية المكلفة بمراجعة نصوص الدستور اشتملت على عدد من اﻹيجابيات في نظر البعض تمثلت بإنشاء محكمة دستورية وإنشاء هيئة مستقلّة للإشراف على الانتخابات، ومحاكمة المدنيين أمام المحاكم المدنية باﻹضافة غلى إناطة محاكمة الوزراء بالمحاكم العليا المدنية وتحديد صلاحيّات السلطة التنفيذية بوضع قوانين مؤقتة بثلاث حالات.
هذه التعديلات لاقت تجاوباً إيجابياً من قبل بعض اﻷحزاب السياسية؛ حيث أشاد أمين عام حزب البعث العربي التقدمي فؤاد دبور بالتعديلات معتبرها خطوة إيجابية على الطريق.
وهو ما حظي بترحيب لدى العضو القيادي في حزب الرسالة يحيى الطريفي الذي أكد على إيجابية التعديلات الدستورية مبيناً أن الاردن وصل إلى قمة اﻹصلاح بها.
إلا أن الجانب اﻵخر اعتبر أنه تم أخذ العناوين وإفراغها من مضامينها بالتعديلات الدستورية وهو ما أفاد به النائب الثاني للأمين العام لحزب جبهة العمل اﻹسلامي نمر عساف؛ حيث بين أن موقف حزب جبهة العمل اﻹسلامي من التعديلات الدستورية أن تحدث التعديلات تغييراً في بنية النظام السياسي وهو ما لم يحصل.
وأضاف عساف بأن التعديلات الدستورية لم تحقق للشعب الأردني أي تقدم على المستوى السياسي؛ فهي أحدثت تعديلات طفيفية لا ترتقي إلى الحد اﻷدنى من المطاالبات الشعبية؛ مبيناً أن المطلوب هو حكومة نيابية من الأكثرية النيابية وأن تكون حكومة حقيقية تدير شؤون البلاد.
وفي إضاءة على الثغرات التي استندت عليها بعض اﻷحزبا في عدم كفاية التعديلات التي أقرتها اللجنة الملكية؛ بين عضو المكتب السياسي في حزب الوحدة الشعبية عماد المالحي أن المادة 34 والمادة 35 من الدستور بقيت كما هي دون تعديل بحيث يكلف الملك رئيس الوزراء بتشكيل الحكومة وهو ما يعني بالضرورة انعدام تشكيل حكومات برلمانية.
وحول إنشاء محكمة دستورية والتي كانت مطلباً لدى معظم الأطياف السياسية وبالرغم من رضى بعض اﻷحزاب عنها؛ إلا أن الغموض الذي يكتنفها أمر انتقدته بعض اﻷحزاب اﻷخرى؛ حيث أضافت هذه المادة (59) صلاحيات جديدة للملك بتعيينه لأعضاء المحكمة الدستورية، وهو ما انتقده المالحي بقوله أن أعضاء المحكمة الدستورية يتم تعيينهم بقرار باﻹضافة إلى الجدل القائم على أن تكون رئاسة الأعيان تتولى رئاسة المحكمة.
هذا الانتقاد وجه أيضاً من قبل بعض الحركات السياسية التي اعتبرت أن الأصل أن يكون الأعضاء مسميين من خلال مواقعهم بحيث تكون رئاسة المحكمة لرئيس السلطة القضائية القائم.
حصر تعيين أعضاء المحكمة الدستورية بالملك يراه البعض أمر إيجابي لا سلبي؛ حيث اعتبرالطريفي أن الملك عندما يعين أعضاء المحكمة الدستورية فإنه يعينهم بناء على تنسيب من مجلس قضائي.
المالحي بدروه بين أن اﻹشكالية في المحكمة الدستورية لا تقف فقط عند تعيين أعضائها بل تتعداه إلى أن عملية الطعن في هذه المحكمة لا تكون إلا من قبل مجلس اﻷعيان والنواب ورئاسة الوزراء.
ثغرة أخرى ألقت بظلالها على التعديلات الدستورية وانتقدتها بعض الأحزاب وهي تعيين مجلس الأعيان؛ حيث اعتبر المالحي أن الأصل أن يكون هنالك مجلس استشاري يحيط بالملك.
تعيين مجلس الأعيان من قبل الملك يمثل ثغرة لدى بعض الاحزاب نظراً لما يمثله المجلس من تعطيل للتشريعات الصادرة عن مجلس النواب؛ حيث يبين عساف بأنه لا يجوز أن يكون هنالك مجلس معين يسيطر على عملية تمرير القوانين.
واضاف العساف بان هذا مجلس معطل يجب أن يكون منتخباً؛ مبيناً أنه إذا أراد الملك أن يكون له مجلس استشاري فله ذلك.
جانب آخر قد يراه البعض منطقي في وجود مثل هذه المادة؛ حيث أوضح رئيس مجلس اﻷعيان طاهر المصري في المؤتمر الصحفي الذي عقدته اللجنة الملكية المكلفة بمراجعة نصوص الدستور بأن الحياة الحزبية لم تتطور بعد لينتخب المواطن مرشحه على أسس برامج حزبية باﻹضافة إلى أن انتخاب مجلس الأعيان ليس أمراً متاحاً لأن الهياكل الحزبية في الأردن ليست مؤهلة بعد لانتخاب رئيس مجلس الأعيان.
ومن الثغرات الأخرى في التعديلات بحسب البعض؛ حذف مفردة "الجنس" التي غابت عن الفقرة الأولى من المادة (6) من التعديلات الدستورية ونصها «الاردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين»؛ فقد بين المالحي أن غياب هذه المفردة جاء بعد تدخل الاجهزة الأمنية؛ مبيناً أنها قد وردت في المسودة وسحبت في اليوم ذاته؛ وهو ما يدلل على وجود رؤية أمنية للتعاطي مع الحياة السياسية.
وفي ثغرة أخرى للتعديلات؛ بين المالحي أن التعديلات لم تلغي محكمة أمن الدولة والتي كانت من ضمن المطالبات الشعبية بل رفعت مرتبة اختصاصتها بدلاً من إلغائها؛ حيث أن اﻷصل إلغاء جميع المحاكم الخاصة.
ورغم هذه الانتقادات والثغرات التي يرى بها البعض أساساً لا تجميلياً؛ اعتبر البعض اﻵخر أن هذه خطوة إيجابية تدلل على أن هنالك إرادة حقيقية بالمضي قدماً نحو الاصلاح السياسي؛ وبين هذه الرؤية وغيرها فيبدو أن ضعف البنى الحزبية ما زالت تلاحق الأحزاب حتى عند إعلان مواقفها من التشريعات.