التحديث السياسي بين مخاض الإنقاذ أو الإجهاض

الرابط المختصر

مشروع الإصلاح الملكي بأهدافه الوطنية الكبيرة لمستقبل الأردن السياسي، يرواح مكانك سر، بهذا العزوف الشعبي والإحباط العام، الذي بات يهدد بإجهاض بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، وفق ما جاء بالارادة السياسية الوطنية من الملك، لإحداث نقلة نوعية بالحياة السياسية والبرلمانية والحزبية، وصولاً لتشكيل حكومات برلمانية حزبية كنمودج ديمقراطي اردني متجدد ونابع من الذات الوطنية الأردنية، ومن خلال الإرادة الشعبية نحو إعادة الإنتاج السياسي للدولة، بتحريك الطاقات والكفاءات الكامنة في المجتمع، ولتمكين الشباب من قيادة التغير والتجديد، وهم يشكلون أغلبية المجتمع الأردني. والمرأة الأردنية بكفاءتها، لقيادة رياح التحول الديمقراطي المنشود بالبلاد .

والأسئلة المطروحة لغايات المراجعة والتقيم ، لماذا كان هذا العزوف الشعبي، وعدم الثقة بمسار التحول الديمقراطي ؟

 

أبرز المحددات والعوامل التي كان لها تأثير سلبي على مسار التحديث :

- مبادرة شخصيات برلمانية وأعيان في تشكيل أحزاب، وهذا حق مشروع، ولكنه أعطى الانطباع العام لدى الرأي العام، بأن مشروع التحديث السياسي، ما هو إلا تدوير لذات النخب، وأن مشروع التحديث السياسي ليس للقوى الشعبية والفئات الإجتماعية وفي كافة مناطق المملكة، فأصبح العمل الحزبي، مختصراً على جذب الأعضاء كروافع للنخب القائمة، لإعادتها إلى مواقع السلطة البرلمانية، ومن ثم لتشكيل الحكومات الحزبية مستقبلاً . وهذا أيضاً ترك إحجاماً عن المشاركة السياسية على مستوى الكفاءات، كاساتذة الجامعات وأصحاب بيوت الخبرة والعقول، كالاطباء والمهندسين ورجال القانون ومنتسبي النقابات المهنية ، وإحجام الطبقة الوسطى، كالمعلمين والموظفين، رغم منحهم اجازة بدون راتب لغايات الترشح للإنتخابات ولتجديد النخب السياسية في الوطن ،

- غياب استراتيجية دولة، للتعامل مع مشروع التحديث كمشروع دولة، وهذا جلياً من خلال أداء بعض الوزارات والمؤسسات، كوزارة الثقافة والشباب والشؤون السياسية.

- التخوف والهواجس من الإنتساب للعمل الحزبي، لظروف مراحل سابقة، وغياب مفاهيم الحزبية البرامجية كنمط جديد يعتمد في إدارة شؤون الدولة، وأن الحزبية، أصبحت معتمدة بقانون الانتخابات النيابية، وأنها جزء من هيكل الدولة السياسي والنظام السياسي، وهي أصبحت آلية برامجية انتخابية تحت مسمى حزب. 

- غياب خطة وطنية إعلامية، وبقي دور الإعلام من باب رفع العتب، في شرح وتفصيل نمط الحزبية الجديدة، كأحزاب برامج، وكل من يتنطح الان على الإعلام، ليسو من ذوي الفكر الإصلاحي البرامجي، وليس لديهم فكر حزبي لمفهوم الحزبية البرامجية ونمطها الجديد. ولا زالت تصريحات لمسؤولين ليس من شأنهم عمل حزبي، وعديدهم خصوم للعمل الحزبي، وهذا أوجد حالة من التناقض مع الرأي العام ومصداقية الإصلاح والتحديث.

- وسائل التواصل وثورة الاتصال عبر الإنترنت، وتأثيرها في صناعة الرأي العام والتأثير فيه، وأخطاء الحكومات وفشل سياساتها وعجز المسؤولين، وفقدان القدرة التواصلية مع المجتمع وإيجاد الحلول لقضاياهم تحت سياسة التبرير، والأحداث اليومية في البلاد ، كل هذه الأمور، تعطي اوراقاً للتشكيك بالدولة وزعزعة ثقة المواطنيين بسلطاتها ومؤسساتها، مما ينعكس سلبياً على المزاج العام الشعبي لأي مشروع إصلاحي . وفي ظل غياب الخطاب السياسي للحكومة، وكأنها أقرب لموظفين الفئة الرابعة في التعامل مع الرأي العام. وهذا العجز للدولة، بأن توجد حزام واقي للرأي العام على أهدافها، وكأن المجتمع يعيش حرب نفسية بإجواء التواصل الاجتماعي، ما بين التشكيك والتشويه، في ظل غياب رجال حكم ودولة تقود المرحلة بمتطلبات المواطنيين ويمكن تلبية العديد منها، بوجود البنية التحتية للدولة ومتوفره، ولكنه غياب الإدارة القوية الفاعلة بهذا الترهل والفشل، وغياب رجال حكم تنال ثقة المواطنيين لمرحلة انتقالية يمر بها الوطن في التحديث السياسي. حتى أصبح مشروع الإصلاح ذاته والنابع من الذات الوطنية الأردنية، في دائرة الإتهام والتشكيك والتشويه بأهدافه الوطنية الكبيرة . 

- السلبيات التي رافقت قانون الصوت الواحد، بالتمثيل الضيق، الذي أنتج نواب على مستوى المصالح الشخصية والتمثيل الضيق، وهذا ساهم في تغيب للشخصية الوطنية، والتفكير الوطني والأداء الوطني العام ، على مستوى الناخب والمرشح . 

- أولويات المواطن الأردني، هي في البطالة والفقر ونوعية علاج وسكن ودخل الأسرة، وهي تتقدم على الإنخراط في العمل السياسي. فالأوضاع الإقتصادية ونوعية الخدمات وتقديمها للمواطنيين، هي أولوية الناس في مناطقهم. وغياب حوارات وطنية حقيقية عن الحزبية ودورها في تقديم الحلول لقضايا المواطنين وحاجاتهم من خلال وصولها للسلطة في برلمان وحكومة . 

- الموروث السلبي من عدم الثقة بالانتخابات النيابية ونتائجها، وبالتالي عدم الثقة بالبرلمان ودوره الوطني في الرقابة والتشريع، وأن يصبح مطبخ مؤثر في السياسات العامة للحكومات.

- تصريحات الدولة، بأن المطلوب ثلاثة أحزاب، وكأن الحزبية تولد من خلال الدولة وليس من رحم الشعب، وتعبيراً عن فئات إجتماعية ومصالح طبقات إجتماعية، وتجاهل الدولة، بأن إعتماد الحزبية كنمط في إدارة شؤون الدولة، تتطلب تحول إجتماعي ثقافي، لغايات توطين الحزبية على مستوى المحافظات والمناطق والدوائر الانتخابية، لتصبح ثقافة إجتماعية في العملية الانتخابية، بديلاً عن الإنتخاب الشخصي والتمثيل الضيق بكل سلبياته. وليس شرطاً بالحزبية تحصيل المقاعد، بل دورها في تعزيز المشاركة بالانتخابات، ورفع نسبة التصويت، وكذلك في تفعيل الحوار بالدوائر الانتخابية على اساس البرامج، وذريعة وجود كتل حزبية قوية في البرلمان، تم الاخذ بها في قانون الانتخاب، بضرورة تشكيل القائمة من تسعة دوائر انتخابية، وعتبة حسم ٢،٥ بالمئه، ويمكن تشكيل ائتلافات حزبية في تشكيل القائمة، والحزبية البرلمانية شرعيتها بالموازرة لبرنامجها في عملية إنتخابية، فالشعب من يقرر قوة الحزب وضعفه، وليس عدد أعضائه، وهذا شأن أحزاب البرامج في النظم النيابية، بكيف تولد وكيف تعمل .

وكما اخذت المنظومة السياسية، حالة التدرج وصولاً لاغلببة حزبية برلمانية في قانون الانتخاب، كان الأقرب للواقع، الاخذ بالتدرج بالحزبية حتى يتم توطينها في كافة المناطق والدوائر الانتخابية، كثقافة مجتمعية في العملية الانتخابية، وهذا الوضع، جعل من مشروع التحديث على الحافة الحرجة بالقبول الشعبي .

وهناك تجاهل، لمستقبل إعتماد نظام الأقاليم في الإدارة المحلية، وهذا يستوجب ولادة أحزاب محلية، لترسيخ الفكرة البرامجية في جميع المستويات الانتخابية، الوطنية والمحلية . 

- إدارة ملف الحزبية لدى الهيئة المستقلة، والتعامل مع الأحزاب القائمة، وكأنها أحزاب منحلة، وبما يخالف قانون الأحزاب النافذ، أعطى انطباعاً ومبررات للتشكيك، بأن الدولة هي تشكل احزابها، وتدوير النخب المحسوبة عليها . وعلى حساب ان يكون التحديث السياسي، للشعب الأردني بكل فئاته وللكفاءات والطاقات الكامنة فيه .

- محاولات بعض أشخاص النفوذ، دبلجة أحزاب، لغايات فرض حضورها بالمشهد السياسي الوطني، وهذا على حساب التجديد والتغير والتحول الديمقراطي بقواعد إجتماعية، وتحريكها لتشارك بإنتخابات نيابية، وليكون البرلمان ممثلاً حقيقياً لهموم وتطلعات الأردنيين، ترسيخاً للشرعية الدستورية في التمثيل الشعبي. وهذا التداخل، جعل من مشروع التحديث وكأنه لأجندات شخصية . 

- التحديث السياسي كمشروع ملكي، والتحول الديمقراطي كمتطلب شعبي، تطلب الإنفتاح وإشاعة أجواء الحريات العامة، وتعزيز دولة سيادة القانون، والتزام السلطات والمؤسسات وكل من يشغل موقع المسؤولية والأفراد، بسيادة القانون وإحترام مبادئ الدستور في التطبيق والتنفيذ. فالتحول الديمقراطي يتطلب دولة مؤسسات قوية وفاعلة بسيادة القانون، وليس إدارة أشخاص وسلطة أشخاص على حساب سلطة القانون بشفافية وعدالة في التطبيق. 

- غياب واضح للتخطيط الإستراتيجي عن عقل الدولة، بأن هناك خمسة ملايين ناخب في الانتخابات القادمة، والسؤال الإستراتيجي، ما نسبة الاقتراع التي تخطط الدولة بالوصول إليها، وهل سياسة الاكتفاء بمن حضر، ستكون جاهزة ؟ ورجالات انتخابات بمن حضر، يتسيدون المواقع في الدولة، وكأنهم إرث وطني على رقاب الناس . 

ام المطلوب استعادة الثقة بالبرلمان وبالتالي بالحكومات؟ ليكون التعبير الشعبي وفق مؤسسة دستورية، ولتأصيل مبدأ الشرعية الدستورية لركني الحكم، والثقة الشعبية بمؤسسات الحكم (حكومة وبرلمان ) ولتطمئن الدولة على سياساتها العامة واستراتيحياتها بالثقة الشعبية والقواعد الإجتماعية السياسية للدولة ؟ إنه السؤال الابرز لمسقبل الدولة والمجتمع 

- التحول الديمقراطي والحرية، يتطلب خطة وطنية، لتنظيم الأدوار وتحديدها، وتحديد علاقة المجتمع مع الدولة، وفق أسس حديثة، عنوانها سيادة القانون، في دولة الحق والواجب، وهذا يتطلب، تحديد الأدوار للنقابات والجمعيات والإتحادات والأحزاب وكافة مؤسسات المجتمع المدني، لبودي الجميع دوره، وفق ما يحدده القانون من غايات وأهداف ، فالنقابة نقابة، والاتحاد إتحاد والجمعية جمعية، والحزب حزب، وكافة مؤسسات المجتمع المدني تطوعية، لغايات خدمة منتسببها، والأحزاب لا تندرج تحت مفهوم مؤسسة مجتمع مدني، لأنها تسعى للوصول إلى السلطة . فما هي خطة الدولة وآليات عملها، لتنظيم الأدوار وتحديدها في دولة سيادة القانون ؟ 

- الحكومات الحزبية البرلمانية، لا يتحقق الوصول إليها، من خلال قانون أحزاب وانتخاب فحسب ، فلا بد من وجود مجتمع مدني ينتمي إلى دولة، ولا سبيل لمجتمع مدني، دون تنظيم الأدوار وتحديدها، وفق سيادة القانون وعلاقتها بالدولة، وهذا الغائب في عملية التحول الديمقراطي . وكان البلاد تدار بالفزعة ! 

- المشروع الملكي الإصلاحي بالتحديث على النظام السياسي لمسقبل الأردن السياسي، من الضرورة، وجود وحدة قريبة من رأس الدولة جلالة الملك، لتقيم الأداء وإزالة كافة المعيقات وبالمصارحة الصادقة أمام جلالة الملك، راعي مسيرة الإصلاح والتحديث، ليكون مشروعاً شعبياً نهضوياً تجدبدياً، بالمواطنة الفاعلة كوسيلة وغاية وهدف، لرسم ملامح الاردن الجديد، كدولة وطنية ديمقراطية حديثة، لمملكة أردنية هاشمية مستقره بأجيالها، مزدهرة برفاه شعبها وكرامة مواطينها .

- نعم للمراجعة الشاملة، وحتى للمنظومة التشريعية اذا تطلب الأمر، إنقاذاً للتحديث السياسي ودرءاً لإجهاض محتمل، للمشروع الملكي الإصلاحي بأهدافه الوطنية الكبيرة، لمستقبل الأردن السياسي ودولته الوطنية الديمقراطية الحديثة .