البيوطيقا العلمانية (1)

البيوطيقا العلمانية (1)
الرابط المختصر

الجزء الثاني من العلمانية

 

... وفي حين أنه من الخطأ الكشف عن الاعتراضات الداخلية الشائعة ضمن التقاليد الدينية المختلفة، فإن وجود مصدر للسلطة، أو مصادر متعددة، يوفر نقطة بداية جلية للمنطق الأخلاقي وشبكة غنية من السوابق المشروحة التي تقود علماء الدين - نظريا على الأقل - إلى الإجابة الصحيحة. وعلى النقيض من ذلك، فإن البيوطيقا العلمانية لا تمتلك نقطة انطلاق بينة، وهي أقل يقينا حول ما إذا كان الجواب صحيحا أم لا ؟ وإذا كانت البيوطيقا لا تنظر إلى الإجابة الصحيحة للمعضلات المعقدة، فماذا تفعل إذا؟ واحدة من الاحتمالات هي أن المجادلات والتداولات المنطقية هي الطريقة الأكثر عقلانية لحل القضايا الخلافية الأصعب.

 

يرى دان بروك: "إن الأحكام الأخلاقية ليست مثل أحكام التذوق وكذلك فإن الخلافات الأخلاقية ليست حول قضايا تخص التذوق والميول، لأنها وببساطة يجب أن تستند إلى منطق أو تبرير. فإذا كنت أفضل طعم الفانيلا في المثلجات وأنت تفضل الشيكولاته فيمكننا بكل بساطة تقبل ذلك بوصفه اختلافات في الذوق، فلا يوجد هناك نكهة صحيحة فيما يتعلق بالمثلجات وإذا ما سألتني لماذا تفضل الشيكولاتة فكل ما علي هو أن أكرر بأنها الطعم الذي أراه لذيذا بالنسبة لي. وخلافا لقضايا التذوق، فان الأحكام الأخلاقية حول ما إذا كان القتل الرحيم، على سبيل المثال، خطأ، يجب أن تستند إلى مبررات. . . والعملية الخاصة بتوفير مبررات لأحكامنا الأخلاقية هي السمة الأساسية لتمييز الأخلاقية عن التعبير المحض عن الطعم المفضل. ولأن الدور الأساسي للأحكام الأخلاقية هو أن تقود الأفعال. . . . فإن الأحكام الأخلاقية تخضع لمشكلة خاصة. والمشكلة هو أنه قد يكون هناك خلطة من التبريرات العقلانية والتحيزات المحتجبة برقة والتي قد تنعكس على اهتماماتنا الخاصة وتحيزاتنا وتفضيلاتنا الاعتباطية. تظهر هذه التحيزات والتفضيلات لائقة وقابلة للاشتقاق/ ومشكلة من إدراك أخلاقي موحد. وبالنتيجة فإننا نرى أن أحكامنا الأخلاقية الخاصة تمتلك مصدرا أخلاقيا متماسكا وقابلا للتحديد، غير قابل للبس حتى الآن، وليست مجرد غطاء لأوهامنا وتحيزاتنا ومصالحنا الخاصة" .

 

1- النظريات الأخلاقية:

لقد شكل السؤال حول كيف يمكننا حل المعضلات الأخلاقية المعقدة قواعد الفلسفة الأخلاقية منذ آلاف السنين ولا يمكننا في هذه المساحة وصف الأدبيات الفلسفية المستفيضة والغنية التي نهلت منها الأخلاقيات الطبية بتوسع، ولكننا يمكن أن نختصر الأمر في ثلاثة تقاليد مختلفة تستحق المتابعة.

أولا: تحكم النظريات الغائية teleological theories (من الإغريقية telos والتي تعني التبعات) على الأمر إذا ما كان صوابا أو خطئا بالنظر إلى عواقبه وتبعاته. وبهذا فاذا كنت تجادل بأن تشريع القتل الرحيم قد يدمر علاقة الطبيب بالمريض، فإنك بذلك تتبع المنطق الغائي. النفعية - أو فكرة أننا يجب أن نعمل من أجل الوصول باللذة والسعادة إلى حدهما الأقصى في مجتمع ما، هي النظرية الغائية الأكثر شهرة.

ثانيا: وعلى النقيض من النظريات الغائية تؤكد نظريات الواجبات والحقوق deontological theories (من الإغريقية deontos: بمعنى واجب)، على أن الخطأ أو الصواب المتأصل في عمل ما لا يعتمد على عواقبه، وإنما على إذا ما كان يتوافق مع مبادئ أخلاقية قاعدية. فمثلا إذا كنت تناقش تشريع القتل الرحيم على أساس مبدأ أنه يجب احترام استقلالية قرارات البالغين الأكفاء. وغالبا فان كتابات الفيلسوف كانط (1724-1804) توظف بوصفها مثالا على نظرية أخلاقيات الواجبات. وباختصار، كما يشرح ماتي ميري، فإن النفعية تضع مفاهيم (الجيد) و(السيئ) قبل فكرة (الصواب) و(الخطأ)، في حين أن الكانطية تفعل العكس.

 

وثالثا: أخلاقيات الفضيلة virtue ethics المشتقة من الفلسفة الإغريقية القديمة وتحديدا من فلسفة أرسطو، مع تركيزها على معنى أن تقود حياة جيدة ومزدهرة. لا تهتم أخلاقيات الفضيلة بالنتائج الجيدة فحسب، وإنما أيضا بشخصية أو دافع الفرد: فالشخص يتصرف بعفة وفضيلة حين يقوم بالتصرف الصحيح بدافع سليم.

وسنتناول كل واحدة من هذه النظريات بشيء من التفصيل.

 

(أ) النفعية Utilitarianism:

ظهرت النفعية العلمانية بوصفها بديلا للأخلاقيات المسيحية في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر من خلال عمل جيرمي بنتام (1748-1832)، وفيما بعد جون ستيوارت ميل (1806-1873)، الذي كان والده واحدا من تلاميذ بنثام. وفقا للنفعية، قان الأخلاق لا تكمن في الطاعة الدينية، ولكن في تحقيق أقصى قدر من الرفاه البشري. ولأن المتعة والرفاهية تهم كل الناس على قدم المساواة، فان النفعية تقوم على مبدأ المساواة أساسا. تهتم النفعية بالنتائج المترتبة على العمل، وليس ما إذا كان صحيحا أو خاطئا جوهريا. فعلى سبيل المثال قد تكون القضية هي ما إذا كان علينا أن نفي بوعودنا، ومن شأن النفعية في هذه الحالة أن تقول أن الوفاء بالوعد يمكن أن يكون جيدا أو سيئا تبعا للنتائج التي ستنتج عنه. فعندما تفوق العواقب الجيدة العواقب السيئة، سيكون من الصحيح الحفاظ على الوعد، والعكس صحيح أيضًا. والمشكلة في هذا المذهب هو أنه يتجاهل حقيقة أن مجرد إعطاء وعد لشخص آخر هو بحد ذاته سبب وجيه للحفاظ عليه. يتباين عن النفعية مذهب يعرف بـ (النفعية القياسية rule utilitarianism) والتي توفر حلا جزئيًا لبعض عيوب التفكير الأخلاقي النفعي. فالنفعية القياسية لن تسأل عن أي عمل سيحقق الرفاهية القصوى، وإنما أي قاعدة عامة، بصورة كلية، ستقود إلى أفضل النتائج والتبعات.

 

فعند اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان ينبغي على الأطباء احترام ثقة المريض،على سبيل المثال، فإن النفعية الصارمة ستجيب: "ذلك يعتمد". ففي بعض الأحيان قد يكون من الجيد أن تكون بعض المعلومات عن المريض سرية، ولكن في أحيان أخرى قد لا يكون.

 

يتطلب منهج مناقشة كل حالة على حدة من الأطباء القدرة على التنبؤ بنتائج كشف أو عدم كشف معلومات حول كل مريض من مرضاهم. وهي مهمة لا يمكن السيطرة عليها بشكل واضح، الأمر الذي له عواقب سلبية على توفير خدمات الرعاية الصحية التي قد تتوقف عن العمل. لذلك، فإن النفعية القياسية قد تقول إنه، على العموم، من الأفضل فرض واجب على الأطباء يجبرهم على أن يحترموا ثقة مرضاهم، لأن هذه القاعدة تميل لتحقيق أقصى قدر من الرفاهية. مشكلة أخرى مع النفعية هي نهجها الكمي للرفاه. فالمجموع الكلي للرفاهية هو المهم، وليست رفاهية أي فرد. فإذا كان قتل شخص سليم يُمكننا من نقل أعضائه إلى عدد من المرضى لإنقاذ حياتهم وإلا فإنهم سيموتون، فسيكون رد النفعية أن هذا من شأنه أن يكون صحيحا. ولكن النفعية القياسية قد تجد أية وسيلة لتجنب هذه النتيجة غير المستساغة حين تقول: يميل تطبيق مبدأ أن على الأطباء أن لا يتسببوا بأي ضرر قبل كل شيء، بشكل عام، إلى أن يكون ذي عواقب أفضل من السماح للأطباء بقتل مرضاهم من أجل إنقاذ حياة الآخرين.

 

ومن الضروري أيضا العمل على ما يعتبر "الأداة المساعدة". بينما أن تحسين الصحة بشكل عام يؤتي نتيجة جيدة، إلا أنه ليس الشيء الوحيد ذي الأهمية. والواقع أن كثيرا منا لديه حمية وتفضيلات لنمط الحياة قد تكون ضارة بالصحة. فهل نحن نزيد المنفعة من خلال تناول الأغذية قليلة الدهون وقضاء كل مساء في الصالة الرياضية، أو من خلال تناول الأشياء الممتعة والذهاب إلى الحانة مع الأصدقاء؟

 

تجيب النفعية، كما يفسر كيفن ايلدز، بأن ذلك يعتمد على وجود آلية يمكن من خلالها ترتيب النتائج المختلفة، وإلا فإنه سيكون من المستحيل أن أقول أن النتيجة الأولى مثلا أفضل من الثانية. يقول كيفن ويلدز:

"لا يجلب الاستجابة لعواقب قرار ما نجاحا أكبر [ في حل الخلافات الأخلاقية]، لأنه يواجه مشكلة كيفية تقدير وتقييم مختلف العواقب. على سبيل المثال، يعتقد البعض أن العيش لمدة أطول نتيجة للعلاج الكيماوي هو نتيجة أفضل، حتى مع آثار جانبية، من الموت. إلا أنه بالنسبة لآخرين، فإن العيش casino دون مساوئ العلاج هو نتيجة أكثر أهمية من تمديد مدة الحياة. ويحتاج المرء إلى طريقة متفق عليها لترتيب النتائج من أجل إصدار حكم يمايز بين العواقب. لذلك فان الترتيب المنطقي لا بد أن يبنى على أساس بعض الافتراضات عن تقييم وتصنيف القيم، وذلك لتقييم النتائج المحتملة للخيارات الأخلاقية ومعرفة أي النتائج أكثر مرغوبية وأولوية. . . . وبالتالي فان حسابات التتابع المنطقي ليست أفضل من تلك الحدسية في إظهار أفضلية مجموعة من النتائج لأن مثل هذا الحكم يتطلب وسيلة موثوقة لترتيب المنافع والأضرار. وهكذا فإننا نصبح في موقف حيث لا توجد وسيلة للحكم والمفاضلة بين أساليب تقييم العواقب إلا بالاستجابة لشعورنا الأخلاقي".

 

(ب) الكانطية:

الجانب الذي يعنينا في فلسفة كانط هنا هو "المبدأ النوعي Categorical Imperative ". كانط نفسه يعطي أربع صيغ للمبدأ النوعي، تجدر الإشارة هنا إلى اثنتين منها:

الأول هو: أن تعمل على أساس ترغب في أن يصبح قانونا عالميا والثاني هو: أن تعمل كما لو أنك تتعامل مع الإنسانية، سواء في شخصك أو في أي شخص آخر، على أساس أنها ليست وسيلة فحسب وإنما غاية أيضا.

 

يتطلب المبدأ الأول العمل باتساق وبصورة عادلة. أما الثاني (وهو الأكثر شيوعا عند علماء الأخلاق الطبية) فيتطلب منا ألا نعامل شخصا آخر أو نسمح لأنفسنا أن نُعامل من أجل تلبية احتياجات الآخرين.ويعد كلاهما اختبارا سلبيا للأفعال بشكل أو بآخر: بمعنى، إنها تخبرنا ما الذي يتوجب علينا أن لا نفعله: يجب على المرء أن لا يتصرف على نحو يتنافى مع الاتساق، وألا يوظف شخصا من أجل احتياجات آخر. إنها لا تتضمن وصفات إيجابية للعمل: فليست كل الأفعال التي تتطابق مع المبدأ النوعي هي أفعال يجب علينا القيام بها. وعلاوة على ذلك، يشير جون راولز، إلى أن التفكير في إجراءات المبدأ النوعي بوصفها خوارزمية تهدف لإنتاج حكم صحيح، بطريقة ميكانيكية على نحو ما، سيكون سوء فهم خطير.

 

بدلاً من ذلك، فإنه يشير إلى أن وجهة نظر المبدأ النوعي يمكن ببساطة أن توظف لغرس شكل من أشكال التأمل أو التفكير الأخلاقي التي قد يكون من المعقول توظيفه للتحقق من نقاء دوافعنا. في الاقتباس التالي يجادل اونورا أونيل إن كانط كان مهتما ب "الاستقلال المبدئي"، أو إعطاء الأسباب التي قد يفهمها الآخرون.

"الاستقلال في التفكير ليس أكثر، ولكن أيضا ليس أقل، من التفكير في محاولة توصيل فكرتنا (تحدثا أو كتابة) عن المبادئ بحيث يمكن للآخرين أيضا الذين نتوجه إليهم أن يوصلوا أفكارهم عن هذه المبادئ (تحدثا أو كتابة). والاستقلال في العمل هو أيضا ليس أكثر، وليس أقل، من محاولة العمل على المبادئ التي يمكن لكل الآخرين أن يعملوا عليها. . . لذلك فإن "التشريعات الذاتية " ليست عبارة غامضة لوصف الطرق التعسفية التي قد يقوم بها الشخص الحر أو قد لا يقوم. والسمة الأساسية لطرق التفكير أو الإرادة التي يتم توصيلها على قدر كاف من الانضباط يُمكنها من أن تُتبع أو تُتاح للآخرين. وطرق التفكير والعمل هذه يجب أن تكون قانونية، وبالتالي فإنها ستكون واضحة للآخرين، ومفتوحة للطعن، والنقد والجدل المنطقي" . في المقابل، ترى باربرا سيكير أن الاستقلالية الكانطية، بتركيزها على الاستقلال والعقلانية، تطلب الكثير من المرضى. تقول:

"بالنظر إلى طبيعة المرض، فإن المفهوم الكانطي عن الاستقلال يتطلب من المرضى الكثير في سبيل الوصول إلى قرارات، ويتطلب أيضا إجراءات إيجابية يجب أن تتخذ لصالحهم. وإذا ما أردنا أن نتجاوب مع وجهة النظر الكانطية (المعتمدة على نموذج الذات بوصفها مستقلة وعاقلة بصورة حصرية)، فإن عددا قليلا جدا، إن وجد، من المرضى يمكن أن يصنفوا في عداد المستقلين، إذ من المرجح أن المرضى الحقيقيين يمكن أن يكونوا مستقلين أو غير مستقلين، كما أن قدرتهم على اتخاذ القرار لا ترتكز دائما وحصريا على العقل. وما يعنيني أيضا أن الاستقلالية الكانطية تظهر وكأنها تضع ثقلا استثنائيا للاستقلالية. في حين أن الفرضيات المعيارية المقابلة عن قدرات الطبيعة البشرية والتفاعلات قد تساهم في خفض قيمة المرضى غير المستقلين والمعرضين للخطر. فإذا كان الاستقلال ذي قيمة أخلاقيا وكان مرتبطا بالحرية أو عدم الاعتماد على الآخرين، فإن الاتكال والتبعية ستعد غير لائقة أخلاقيا، وعليه فإن أولئك المعتمدين على آخر هم بلا قيمة. . . . . ولكن طبيعة المرض مميزة، جزئيا، بالاتكالية بدرجة أو بأخرى" .

 

(ج) أخلاقيات الفضيلة:

ظهر في الآونة الأخيرة اهتمام متزايد بالأخلاق الفاضلة، التي تستمد من الفلسفة اليونانية القديمة، بوصفها رد فعل على عدد من العيوب التي شابت النظريات التي نوقشت سابقًا. على سبيل المثال، تلفت أخلاقيات الفضيلة الانتباه إلى الحد الأدنى من محتوى أكثر النظريات الأخلاقية. تقودنا كل من النفعية والكانطية إلى تقييم الأفعال وفقا لما إذا كانت مسموحة، بدلا من ما إذا كانت ستكون أفضل أو أنها الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله. في المقابل، فإن الأخلاقيات الفاضلة تعني أن الناس يجب أن يحاولوا فعل الشيء الصحيح للسبب الصحيح. سمة هامة من سمات الأخلاق الفضيلة هي رفضها لفكرة أن استقلالية المريض هي منقبة مطلقة أو ذات أولوية غالبة.

 

وهذا يعني أن حقيقة أن الفرد يريد أن يفعل شيئًا ليس، في حد ذاته، سببا للاعتقاد بأنه سيكون الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله. فعلى سبيل المثال، فيما يتعلق بالقتل الرحيم، تقول فيليبا فوت"إن كونك تريد أن تموت لا يكفي لجعل الموت شيئًا جيدًا" . بدلا من ذلك، فإن التسبب في وفاة شخص يمكن أن يكون الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله إذا ما كانت حياته تفتقر إلى معظم الأعضاء التي يحتاجها الإنسان.

 

وبالمثل، سوف نواجه حجة روزاليند هرست هاوس بأن أخلاقية قرار المرأة في الإجهاض يتوقف على الصفة التي تغلب عليها حين اختيارها إنهاء حياة إنسان جديد. وتبعا لهيرست هاوس، فإن الأمومة في جوهرها جيدة ن وبذلك فإن أي امرأة لا تقدر الأمر حق قدره، وتريد إجراء عملية إجهاض لأن الحمل من شأنه أن يتداخل مع خطط عطلتها مثلا، فإنها لم تفكر في الأمر بجدية، ومن ثم لم تتخذ قرارا فاضلا. في المقابل، فإن المراهقة التي تعرف أنها لن تكون قادرة على توفير حياة كريمة لطفلها تصرفت بشكل سليم حين قررت إنهاء الحمل غير المرغوب فيه. وإذا ما كان التصرف بنقاء بعيدا عن المصلحة الذاتية ليس هو الفضيلة، فما عساها أن تكون ؟.

 

وفقا لعلماء الأخلاق الفاضلة، فإن الفضائل هي تلك الصفات الشخصية الضرورية لازدهار الإنسان: أشياء مثل، الصدق، واللطف والرحمة، والعدل، والشجاعة. وفي حين أن تدوين قائمة الدوافع الفاضلة قد تكون واضحة نسبيا، فإنه من الواضح أيضا أنها قد تشير إلى اتجاهات مختلفة. على سبيل المثال، فإن الأطباء في عيادات الرعاية الصحية غالبا ما يختارون أيا من المرضى على قائمة الانتظار له أولوية سرير متاح. فهل ينبغي مثلا أن يعطى المريض ذي الحالة غير العاجلة الذي انتظر بالفعل لمدة ستة أشهر الأولوية، أو ينبغي أن يذهب السرير إلى المريض ذي الحاجة الأكثر إلحاحا على الفور؟ فضائل العدل والرحمة كلاهما ذات صلة هنا، لكنها لا تقول لنا من يجب أن يحصل على السرير الشاغر. أو، دعونا نتخيل أن الطبيب الذي يقدم المشورة لزوجين بخصوص احتمالات أن يرث طفلهما الثاني نفس الاحتمالات الوراثية كالأول، يكتشف، نتيجة للاختبارات الوراثية، أن الزوج لا يمكن أن يكون والد الطفل الأول. فهل يتصرف بشكل فاضل حين يكون صادقا مع الزوج؟ أو أن الشخص الفاضل هو الذي يكشف هذه المعلومات للزوجة فقط ؟ أو لا يكشفها على الإطلاق؟

 

* باحثة ومترجمة فلسطينية حاصلة على ماجستير تكنولوجيا حيوية، ماجستير تربية وعلم نفس، بكالوريوس صيدلة، صدر لها مجموعة أبحاث أبرزها:

1- أفق يتباعد: من الحداثة إلى بعد ما بعد الحداثة، دار نينوى للنشر والتوزيع. دمشق 2014.

2- الإنسان في ما بعد الحداثة، دار يوتوبيا، بغداد، 2014

3- نهايات ما بعد الحداثة: إرهاصات عهد جديد، مكتبة ودار عدنان للنشر 2013.

4- فصل في موسوعة: الفلسفة الغربية المعاصرة: صناعة العقل الغربي من مركزية الحداثة إلى التشفير المزدوج- الجزء الثاني.

أضف تعليقك