"البسطات".. لقمة عيش مهددة
بناء على تعريف خبراء الاقتصاد لمفهوم "اقتصاد الظل"، فهو يشمل جميع الأعمال والأنشطة الاقتصادية التي يقوم بها الأفراد أو المنشآت ويحصلون من خلالها على مكاسب مادية دون أن تخضع للنظام الضريبي، ولا تكون تحت مظلة ادارية، مثل البسطات العشوائية المنتشرة، فأصحابها لا يدفعون أي رسوم مرتبة عليهم. هنالك نوعان من هذا الاقتصاد. الأول: ممنوع قانونيا وغير قابل للترخيص مثل التهريب. والثاني: مسموح، مثل البسطات المنتشرة على أرصفة الشوارع بعد أن يتم ترخيصها بموجب نظام مراقبة وتنظيم الباعة المتجولين والبسطات والمظلات والأكشاك ضمن حدود مناطق البلدية لسنة 2016 .
ارتفاع معدلات البطالة للذكور خلال الربع الثاني من عام 2021 (22.7%) مقابل (33.1%) للإناث بحسب دائرة الإحصاءات العامة[2]، زاد من انتشار ظاهرة البسطات. كانت ملاذا للشباب والمتعطلين عن العمل في سبيل توفير دخل ولو بسيط لتغطية مصاريف أسرهم.
يشتكي خالد وصفي وهو صاحب بسطة في وسط عمان، من مصادرة بسطته أكثر من مرة من قبل موظفي أمانة عمان الكبرى. يقول: "العقوبة أكبر من الذنب، ندفع 150 دينارا غرامة للحاكم الإداري عندما تتم مصادرة بسطتنا، ويتم توقفينا". طالب الجهات المسؤولة قبل البدء بمحاربة البسطات بمعالجة أسبابها.
المادة السادسة من نظام مراقبة وتنظيم الباعة المتجولين والبسطات والمظلات والأكشاك ضمن حدود مناطق البلدية :
أ. تستوفي البلدية رسما مقداره مائة دينار عن منح رخصة للبائع المتجول.
ب. تستوفي البلدية الرسوم السنوية التالية :
1. مائة وخمسون دينارا عن ترخيص العربة .
2. مائتي دينار عن ترخيص كل من البسطة والمظلة .
3. ثلاثمائة دينار عن ترخيص الكشك.
وأضاف وصفي: "صاحب البسطة في الأصل دخله ضعيف جدا، وقد يكون غير مشمول في الضمان الاجتماعي، وليس له تأمين صحي، ولديه عائلة والتزامات وإيجارات، فإذا لم يدفع سوف يسجن، وبالتالي تتشتت أسرته".
كذلك الحال بالنسبة لسلامة النهار، صاحب بسطة في منطقة البيادر غرب عمان. حاول البحث عن عمل، لكن من دون جدوى، "في هذه البلد معك واسطة بتتوظف ما معك بتموت من الجوع". لذلك قرر العمل على بسطة، وكانت بالدّين آملا أن يسده من خلال عمله، ولكن قامت الأمانة بمصادرة بسطته وإتلاف محتوياتها، يقول المناصير.
وأضاف: "من الصعب في حال قامت الأمانة بمصادرة بسطتك أن تحصل عليها حتى لو دفعت مبلغ المخالفة، لأن بضاعتي عبارة عن خضار وفواكة إذا لم تتلف بسبب موظفي الأمانة، تتلف في المستودعات لديهم، هيك هيك راحت علي".
ما يدفع أمانة عمان الكبرى لإزالة البسطات، هو "الشكاوى المتكررة، وتطبيقا للقانون". واعتبر أنها "ضرورية للحفاظ على نظافة المدينة، والحفاظ على السلامة المرورية".
أن "الأمانة" تحقق في شكاوى تتعلق بقيام موظفيها بإساءة المعاملة أثناء تنفيذ حملات الإزالة.
البديل للبسطات المنتشرة في الشوارع والأسواق الشعبية التي أتاحتها الأمانة من دون مقابل. الأمانة وفرت ستة أسواق شعبية (ثلاثة منها قيد الإنشاء) مزودة بالكهرباء، والمظلات، يقول الحمارنة.
لكن هذه الأسواق ميتة كما يصفها معاذ العمري -صاحب إحدى البسطات- بسبب بعدها عن تجمع الناس والحركة: "لو فيها خير ما رماها الطير، وكأنها تعطي حلول لمن يحاول إرضاء غضب طفل".
حسن صندوقة[5] صاحب بسطة خضار متنقلة في بيادر وادي السير، يرى أن الأسواق الشعبية "للروس الكبار". ويشرح سبب لجوئه إلى بسطة متنقلة: "لا يوجد لدي أي مهنة، كنت آخذ الخضار من السوق المركزي بالدّين، لأنني لا أملك ثمنها، وتأتي الأمانة لمداهمتي مثل مهربي الممنوعات، ويأخذوا بسطتي، دون أي إنذارات سابقة. وفي أحد المرات صادروا بسطتي وكانت بقيمة 700 دينار، لم يتبق منها شيء، وكانت توضع في سيارتهم، أمام أعيننا، وفي حال لم ندفع المخالفات يسجل علينا (قيد تسول) مع حبس".
لإيجاد حل للبسطات المتنقلة، يقول الناطق الإعلامي باسم صندوق المعونة الوطنية ناجح صوالحة[6] إن الصندوق أطلق -خلال فترة كورونا- برنامجا[7] لتقديم الدعم لعمال المياومة المتعطلين عن العمل بقيمة 233 مليون دينار لـ 410 آلاف أسرة أردنية.
المساعدات وُزعت على عمال مياومة من الأردنيين المتعطلين عن العمل، بواقع 70 دينارا للأسرة المكونة من فردين. الأسرة المؤلفة من ثلاثة أفراد فأكثر بلغت قيمة المساعدة 136 دينارا، وفق صوالحة.
لا توجد نسبة دقيقة أو أرقام معروفة تتعلق باقتصاد الظل في الأردن. هناك من يقول إنها تشكل ربع الاقتصاد الرسمي، وهناك من يقول 30 في المئة. ومع ذلك فإن أعداد العاملين في الاقتصاد غير الرسمي تشكل 40 في المئة من القوى العاملة، بحسب الخبير الاقتصادي حسام عايش.
يرى عايش أن الاقتصاد غير الرسمي تعبير عن مشكلة، فكلما كان اقتصاد الدول أقل نمواً يصبح أقل عدالة، وبالتالي أكثر احتكاراً، فيظهر اقتصاد الظل. ويتابع: "في كثير من الدول هنالك نوع من الدمج بين الاقتصاد الرسمي وغير الرسمي، بمعنى انه يوجد محاولات مستمرة لإدخاله ضمن النظام الرسمي بما يسمح للعاملين فيه للحصول على الضمان الاجتماعي، والرعاية الصحية، وساعات العمل المنظمة بالقانون، والأجر العادل، وأن يتوفر مكان العمل الملائم، لكن بسبب أزمة كورونا تكشفت عيوب النظام الاقتصادي الرسمي".
وبينما تستمر الملاحقة للبسطات، يطالب أصحاب عدد منها بمنحهم الوقت الكافي لترخيص بسطاتهم، وتحديد رسوم تتناسب مع أوضاعهم المعيشية. وبين تردي المستوى المعيشي، وصعوبة الحصول على عمل، تبقى هذه البسطات سبيلا أمام كثيرين لسد رمقهم.
*أنجز هذا التقرير بدعم من أريج