البرلمان أسعف الحكومة وخيب مسعى الصحافة

الرابط المختصر

مع أن الصحافة لم تمتلك الكثير من الأوهام حول قيام مجلس النواب بحجب الثقة عن حكومة الرئيس عدنان بدران، إلا أن التطورات التي عاشها الأردن منذ تشكيل الوزارة تركت لدى بعض الصحفيين انطباعا أو رغبة بالاحرى بان بغياب الحكومة بالحجب، ولكن المجلس أخاب هذا المسعى.حظيت حكومة الرئيس عدنان بدران منذ تشكيلها اهتمام الصحف المحلية، اليومية والأسبوعية، وربما كانت الحكومة الأكثر التي أسمعتها الصحافة نقدا قاسيا، وقد استقوت الصحافة بموقف مجلس النواب الذي كان أثار ضجة كبيرة حول الوزارة واجبر رئيسها على التعديل قبل طلب الثقة وهذه سابقة تاريخية في عمر الحكومات.



أسهمت حملة أغلبية النواب على الحكومة قبل الثقة، نواب بيان حجب الثقة الـ 48 إضافة إلى نواب الكتلة الإسلامية وغيرهم المعارضة، في رفع سقف انتقادات الصحف وكانت يومية "العرب اليوم" الأشد في ذلك وبدت وكأنها على اصطفاف مع نواب الحجب. وتملكت اغلب كتابها، وهم أكثر من كتب في الموضوع مقارنة بالصحف الأخرى، رغبة في رؤية وزراء الحكومة وهم خارجون من تحت القبة إلى منازلهم وليس إلى الدوار الرابع، وقد كتب ناهض حتر في ذلك مقالا بعنوان "تحية لفرسان البرلمان" (19/7) كان فيه أميل إلى توقع عدم حصول الحكومة على الثقة، قائلا " فإذا حجب البرلمان، الثقة عن حكومة بدران، فسوف يوفر على الأردن عقداً كاملاً من المراوحة، ويطلق طاقات المجتمع الأردني وقواه الحيّة، وبغير ذلك، سيكون هنالك يأس عام من العملية الديمقراطية".



أما فهد الخيطان فكان ميله للحجب واضحا وهو في مقال له (20/7) تحت عنوان "بالضغوط والتسهيلات ستجتاز الحكومة الثقة" وهو بذلك يعبر عن ثقة برلمانية ستمنح بسبب "حساسية اللحظة السياسية" وليس لأسباب أخرى كتلك التي عبر عنها سميح المعايطة في مقال له بصحيفة "الغد" (17/7)، متوقعا المنح استنادا إلى تاريخ البرلمان في مناقشة بيانات الحكومات. إذ يقول المعايطة في مقاله بعنوان "ثقة وبالعكس" كل التوقعات والتحليلات تشير إلى أن الحكومة ستحصل على الثقة، حتى وان اختلفت الأرقام المتوقعة أو سيناريوهات تعامل النواب مع جلسة الثقة" ويقول "نبارك للحكومة الثقة المتوقعة، إذ كل الأحاديث ترجح هذا، مع البحث عن سيناريوهات تعطي لبعض القوى النيابية القدرة على المناورة، وعلى الانقلاب على مواقفها الغاضبة أو السابقة. ونتمنى أن نجد في أداء الحكومة ما يعطي الأردنيين الثقة؛ فالثقة باتجاهين". وكان تخوف الكتاب من "عادة" البرلمان في إمطار الحكومة بالنقد ثم منحها الثقة واردا في ذهن بعض الكتاب وقد عبر عن ذلك بوضوح نبيل غيشان في "العرب اليوم" (19/7) في مقال له "لا تشتموا الحكومة وتعطوها الثقة".



مقالات الكتاب في الصحف وهو ما نعطيه أحيانا حيزا في مراجعتنا للصحف أولا لكون الصحف المحلية تكاد تكون صحف رأي أكثر منها صحف خبر وقد اعتاد المواطن على شراء الصحف لمتابعة الكتاب، إضافة إلى الإعلانات، ربما أكثر من متابعة الخبر الذي يأتيه مفصلا مصورا وفي لحظته عبر الشاشات الفضية. وثانيا لان الصحف تتميز عن بعضها البعض أكثر ما تتميز بكتابها وليس بتقاريرها وتحقيقاتها وأخبارها التي يستقى اغلبها من وكالات الأنباء فتخرج متشابهات بفروق بسيطة.



والتشابه بين الصحف اليومية الرئيسية "الرأي"، "الدستور"، "العرب اليوم" الغد"، في تغطية جلسات الثقة على الحكومة منذ طرح البيان الوزاري (14/7) وحتى نيل الثقة (21/7)، كان حاضرا هذه المرة ومن الصعب إيجاد فوارق كبيرة بينها.



قدمت جميع الصحف تغطيات موسوعة لجلسات البرلمان ومقتطفات أو كلمات كاملة لبعض النواب ونشرت النص الكامل للبيان الوزاري وتابعت كواليس واجتماعات النواب.



خلطت كل تقارير الصحف بين المعلومة والتحليل، وكاد بعضها باستثناء صحيفة "الغد" إلى حد ما التي ركزت على مجريات الخبر أكثر من تحليله، يقترب من التحليل الإخباري، وحتى لا يحسب على المراسلين تقديم تحليل ذاتي فقد استند اغلبهم على "مصادر مغفلة" في تقرير لصحيفة "الرأي" حول الجلسة الأولى، على سبيل المثال، يقول مراسل الصحيفة (18/7) " غير أن أوساطا نيابية قالت أن "سخونة وحدة مناقشات اليوم الأول لا يمكن القياس عليها بشكل استراتيجي"، وأضافت هذه الأوساط أن "قياس مدى حصول الحكومة على الثقة مسألة يمكن التنبؤ بها بعد يومين على بدء المناقشات خصوصا وأن نواب (بيان حجب الثقة) عقدوا اجتماعا ظهر أمس وخرجوا دون نتائج محددة".



ليس المقصود عدم إعطاء الخبر بُعدا تحليلا أو عُمقا يساعد على وضع القارىء في جو المناقشات ولكن كان لافتا إحالة أكثر "المعلومات أو التحليلات إلى مصادر مغفلة" وهو أمر غير مبرر هنا كون مواقف النواب معروفة ولا توجد الكثير من الأسرار، ما يدفع على الاعتقاد بان بعض المراسلين اسندوا تحليلات شخصية إلى مصدر غير معلوم وتاليا التقليل من مصداقية الخبر.



"رب ضارة نافعة"

شكلت الأزمة السياسية التي عاشها البلد على مدار المائة يوم الأخيرة وهي عمر حكومة بدران، امتحانا للصحافة وبغض النظر عن ملاحظات هنا وهناك فقد قدمت الصحف بشكل عام تغطية تناسبت مع كل هذه التطورات وأعطت بذلك للشأن المحلي صدارة تجاوز الأهمية التي كانت تعطيها للتطورات الإقليمية. إضافة فقد لعب مراسلو الصحف دورا مهما في تقصي المعلومات من كواليس المجلس لرسم صورة كاملة وان كان شاب بعض التقارير تركيزها على المصادر "الرمادية".



يبقى أن مراسلي الصحف إلى البرلمان وقد عركتهم تجربة الأيام الماضية، قدموا بشكل عام تقارير وافية وضعت القارىء في صورة كل الأجواء النيابية، وبقدر ما كان أداء البرلمان مختلفا هذه المرة كانت أيضا تقارير المراسلين، وان كان الأمر لم يخلو أحيانا بعض التحيز.



أما عن الكتاب، فقد كان كتاب "العرب اليوم" الأكثر في متابعة تطورات الثقة وقبلها كل تطور تشكيل الحكومة، وكانوا في اغلبهم أميل إلى رأي نواب الحجب وهو أمر عكس نفسه حتى في طريقة التغطية الإعلامية، فالصحيفة كانت الأقرب إلى رأي نواب المعارضة بشكل عام.



وكان كتاب الدستور هم الأقل في الكتابة عن كل الأزمة فلم نستطع رصد أكثر من 10 مقالات عن الموضوع. فيما بقي كتاب "الغد" سميح المعايطة وجميل النمري وياسر أبو هلالة تحديدا من المواكبين.



أما كتاب الرأي اليومين فقد اقلوا كثيرا في الكتابة فيما عدّل من هذا الوضع الكتاب الطارئين واتسمت أيضا كتابات الرأي بالاعتدال مقارنة بالعرب اليوم.



وعلى كل فان كتاب الأعمدة تناولوا جوانب أخرى غير الحديث التقليدي عن توجهات النواب فقد كتب بعضهم في "الجديد" بمناقشة البيان الوزاري فيما ثار بعضهم مسألة تناول الإعلام في كلمات النواب وعلق آخرون على مطالبة احد نواب بتوزير فلسطيني من المخيمات. ونبه احدهم إلى كلمة نائب ما لما رأى فيها من معلومات تستحق المتابعة.



وبشكل عام فان الاستخلاصات السابقة حول توجهات كتاب الأعمدة تبقى هي فمن كان معنيا بالشأن المحلي بقي كذلك وأعطي مناقشة البيان حقه فيما أن عدد كبير من الكتاب بقي متجاهلا الموضوع وكأن الأمر يعني دولة أخرى.

أضف تعليقك