الأغنية الأردنية "تندثر" في ظل إحلال الأغنية الغربية

تعتبر الفنون بكافة أشكالها، لوحة السلام في الأرض، ونداء الشعوب التي صمت صوتها، وهوية البلاد التي ضللتها معالم الاحتلال، فإذا رحل الفن واندثرت معالمه مات ما تبقى من أثر الوجود، ففي ظل المتغيرات التي تعانيها عاداتنا وتقاليدنا كان لا بد من ذكر الأغنية الأردنية وصراع البقاء الذي تجابهه في الساحة الفنية، فعندما تنعى البلاد فنونها، لا عزاء لمؤرشفي التراث.

ولم تواجه الأغنية الأردنية اليوم أزمة الغناء بلحنٍ آخر فقط، بل أصبحت تغنى من منظور آخر يختلف عن نشأتها وهويتها، ولا يعبر عن منبعها وأصولها وعراقة شعبها، فكان الفن دوماً مرآة الشعوب التي تعكس ذوقها وعبقها ورائحة أرضها.

يقول عازف "الأورغ" لؤي خصاونة، أن تراجع مسموعية الأغنية الأردنية، يعود إلى اهتزاز القاعدة الفنية لدى المستمعين، وإحلال الأغنية الغربية وإيقاعاتها على اللحن الشرقي.

ويؤكد ل"عمان.نت"  أن إدخال بعض أنواع الموسيقى الغربية مثل "الراب" و "الفلامنغو" والنمط "الغجري الهنجاري" على بعض الأغاني العربية  أفقد الأغنية  قيمتها وعراقتها، عدا عن أن التراث الأردني ينحدر من أصوله المحيطة لا من جذور المنطقة الأردنية بذاتها، فأهل الشمال تراثهم من جنوب سوريا وحوران، وأهل الجنوب متأثرين بالفن الخليجي، والمنطقة الشرقية يغلب عليها الطابع البدوي، لذا تلاشت البصمة التراثية ولم تعد ملامحها واضحة.

ويتابع خصاونة أن المهتمين بأرشفة الأغنية العربية والأردنية لم يغذوها بالشكل الصحيح، حيث أن الكثير من الفئات ذات الطابع الفني العريق كالشركس والشيشان يجب أن تؤثر إيجاباً على نشوء ثقافات غنائية عديدة في الأردن.

 

ويعتبر أن تراجع كلمات الأغنية الأردنية قد بدأ منذ نهاية التسعينات، عندما ظهر في سوريا "الفن السواحلي"، وتبنى الأردن هذا النوع من الفنون، وأيضاً قلة كتاب الأغنية الأردنية التراثية  كان له سبب كبير في تراجعها.

 

ويبين رئيس قسم النشاط الفني في جامعة اليرموك نصر شطناوي، أن كلمات الأغنية العربية وبالتحديد الأردنية تعاني من أزمة اندثار تهدد وجودها، بسبب إدخال بعض المصطلحات "الإنجليزية" المعربة، التي أثرت على المعنى وأفقدته رونقه ونكهته.

ويؤكد أن الأغنية الحديثة التي لا تمت للفكلور الأردني بصلة، أطاحت بالذوق العام وحكمت عليه "بالموت المحتم" من خلال هبوط اللحن والكلمة، فاليوم تغنى الأغنية الأردنية ويرددها المستمعون لمدة " يوم يومين" أما الأغنية القديمة ما زالت تعيش معنا لأكثر من عشرين وثلاثين سنة من طرحها،  مؤكداً أن "الفن الهابط" لن يصنع تراثاً.

 

ويضيف شطناوي "كلما زادت ثقافة المجتمع ازدهر فنه"، مُعزياً تراجع الأغنية الأردنية  إلى تقصير الفنانين الأردنيين في الحفاظ عليها، وإلى تراجع المنظومة الثقافية على وجه العموم  ليس فقط في مجال الفن.

 

واصفأ تراجع  المرحلة التي وصلت إليها الأغنية الأردنية  اليوم " لا لون ولا عنوان ولا ملامح"، مضيفاً أن الأغنية "الفلكلورية" فقدت ملامح وجودها، فالتراث تأثر بكثرة تكراره وتجديد كلماته وتوزيعه حتى أضحى بلا هوية، بعيداً عن أصله الذي نشأ عليه.

ومن جانبه يرى رئيس قسم الموسيقى في جامعة اليرموك الدكتور نضال عبيدات، أن فقدان هوية الأغنية الأردنية جاء من ضياع الهوية العربية بشكل عام، أما تردي وضع الأغنية يقاس بهبوط كلماتها من خلال طرح مضمون لا يحتوي على تراث لغوي وجذري مميز، مشيراً إلى أن الفلكلور المتعارف عليه كما في" ميجانا وأبو الزلف وظريف الطول وجفرا" ما زال موجود إلى اليوم يغنى في المحافل الشعبية،  أما المحافظين عليه ومن يميلوا لأن يغنوه قلائل.

وعن ازدهار الأغنية الأردنية يؤكد عبيدات أنها تألقت في الساحة العربية بكلماتها وإلقائها بمنتصف التسعينات عندما غناها اسماعيل خضر وسميرة توفيق محتفظين بمفهوم "الفن الملتزم".

ويلفت إلى أهمية وجود الأغنية الشعبية الوطنية اليوم، وأنها تشكل أكثر من 85% من مضمون الأغنية الأردنية ومع ذلك لا تقدم بالمستوى الذي يجب أن تكن عليه.

وينوه عبيدات أهمية وجود جهات رقابية تقيّم الفن المطروح عبر الإذاعات والقنوات الفضائية، ووجود لجنة تُخضِع الأغاني لمعايير معينة حتى تحقق الذوق المطلوب للمستمعين وترتقي بذوقهم العام.

ويستعرض مدرس الموسيقى والباحث في تراث الأغنية العربية احمد زايد أسباب تراجع الأغنية الأردنية إلى تدني الكلمات التي تحتويها الأغاني المطروحة، وركاكة عرض "الكوبليهات" وضعف الألحان، فأصبحنا نعيش عصر "الأغنية الميتة" التي تعيش "يومين فقط" لا يحفظ لحنها ولا تمكث في أذهان السامعين، كما أغاني الزمن القديم "أم كلثوم" و"فيروز".

ويعتبر تطويع الألحان الغربية وإدخالها إلى الموسيقى والآلات العربية أدى إلى إخراج الأغنية الأردنية والعربية من مضمونها الشعبي الأصيل، وهذا نتيجة الإبتعاد عن روح التراث العربي، وغياب مفهوم المستمع الجيد.

ويرى زايد أن الأغنية الأردنية اليوم تقولبت بطريقة لم تمثل نفسها فيها كما طرحت سابقاً، فكلماتها لا تنم عن واقع الأردن المسالم الذي يصف حالة شعبه البسيطة المثقفة، إنما تبرز جانباً من العنف والفظاظة.  

وبدوره يؤكد الناطق الإعلامي بإسم وزارة الثقافة احمد عون، أن مبادرة "موهبتي من بيتي" هي أحد مشاريع وزارة الثقافة التي جاءت للحد من انتشار كورونا، وبهدف  اكتشاف مواهب جديدة من فئة الشباب لإثراء وإغناء المشهد الثقافي الأردني وتعزيز حضور الأغنية الأردنية بيننا.

ويشير إلى أن وجود المسابقة اليوم يسهم برفع مستوى الموهوبين الأردنيين ويبني قدراتهم، ويرفع مستوى ذائقتهم الفنية الموسيقية، ويتيح حضور الأغنية الأردنية بين الشباب ويزيد عدد جمهورها.

ويعتبر نقيب الفنانين حسين الخطيب أن الأغنية الأردنية  ذات امتدادات تاريخية  بعمر الدولة الأردنية، لكنها تفتقر إلى الدعم الفني في تشكيل الطاقات الإبداعية.

مؤكداً وجوب وجود مؤسسة واضحة المعالم تبرز الإطار الموسيقي، وتدعم الفنانين الأردنيين في أعمالهم الفنية.



ويرجع الخطيب غياب الذائقة الموسيقية لدى الجيل الصاعد إلى تذبذب المهرجانات الموسيقية  التراثية، لذا خرج جيل غير واضح المعالم لا يدرك هويته الموسيقية.

مؤكداً وجود الذائقة الموسيقية في التراث الغنائي القديم بشكل واضح عند ممارسي الفن الأردني من مثل توفيق النمري واسماعيل خضر ومحمد وهيب وسلوى العاص وروحي شاهين في التأليف والتوزيع الموسيقي.

وإلى موضوع المئوية الأردنية، يتابع الخطيب، لا زلنا لا نعلم كيف تفكر الحكومة في الأغنية وليست وليدة اللحظة امتداداً من 1923، وفي هذا تجاهل لأهمية الفن والأغنية الأردنية تحديدا ، والتي يقع على عاتقها أن توصل خطاب الدولة الأردنية وقوميتها، مشيرا إلى قول الحسين الباني أن الأغنية تعادل الخبر السياسي .

 

أضف تعليقك