الأردن يتجاوز أزماته الداخلية بالتوسع في السياسة الخارجية
شكلت زيارة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى الولايات المتحدة، ولقاؤه الرئيس الأميركي جو بايدن الشهر الماضي علامة فارقة، تؤسس لمرحلة جديدة وإعادة تموضع بلاده في الإقليم. فالأردن الذي كان غارقاً في أزماته الداخلية، وآخرها محاولة الانقلاب التي يشار اليها إعلامياً بـ"الفتنة"، تحلل فجأة من كل همومه ومشاكله المتلاحقة لينشط بشكل مفرط على المستوى الخارجي. ووفقاً لمراقبين، فإن زيارة الملك الأردني إلى واشنطن منحته دفعة سياسية وتلقى بعدها جرعة دعم كبيرة من قبل الرئيس الأميركي جو بايدن، وكانت بمثابة تفويض للعب دور مهم في المنطقة.
وبعبارات لافتة رحب الرئيس الأميركي جو بايدن بالعاهل الأردني، وقال "لقد كنت دائماً حاضراً من أجلنا، وسنكون دائماً حاضرين من أجل الأردن". بعدها عاد إلى بلاده وفي جعبته الكثير من النشاط السياسي على الصعيد الخارجي، والوعود الأميركية بمضاعفة المساعدات الاقتصادية.
بيد أن الدبلوماسية الأردنية لم تهدأ منذ ذلك الحين، وبدا أن هذا البلد الصغير ومحدود الإمكانات والموارد والمحاط بجوار ملتهب، بات يتصرف بتوسع في السياسة الخارجية على وقع اتفاقية دفاع مشترك مع الولايات المتحدة قد تحولها إلى أكبر قاعدة أميركية في المنطقة.
إعادة إعمار سوريا
أول هذه التحولات والأدوار الخارجية المفترضة للأردن، اتضحت ملامحها من خلال تصريحات كانت مفاجأة للعاهل الأردني عن نظام بشار الأسد، وضرورة تغيير سلوكه بدلاً من إسقاطه باعتباره باقياً لفترة طويلة، خلافاً لتصريحات سابقة دعت الأسد إلى الرحيل.
ولا يُخفي الأردن رغبته في إعادة العلاقات الاقتصادية مع دمشق، واستثناء عمّان من عقوبات "قيصر" وإعادة فتح معبرها الحدودي مع سوريا، الذي يعتبر بمثابة شريان حياة للتجارة الأردنية، كما يسعى جاهداً لإعادة الهدوء إلى درعا مدفوعاً بمخاوف أمنية وديموغرافية، إذ يخشى من أن يؤدي الاقتتال هناك بين المعارضة والنظام إلى حركة نزوح لأراضيه.
كما يطمح الأردن بالحصول على حصة وازنة في إعادة إعمار سوريا، التي يرتبط معها بحدود طولها 375 كيلومتراً. يشار إلى أن الأردن استضاف عام 2017 مؤتمراً دولياً لإعادة إعمار سوريا، ضمّ شركات ومطوّرين محليين وإقليميين تحت شعار "تحويل الأزمة السورية إلى فرصة اقتصادية حقيقية".
الحليف الأبرز لواشنطن
في اليوم التالي لعودة العاهل الأردني إلى بلاده بعد زيارة واشنطن، اعتبر الإعلام الأردني الرسمي أن البلاد باتت الحليف الأبرز لإدارة بايدن في المنطقة، بعدما وضعت إدارة ترمب عمّان في الصفوف الخلفية على قائمة الحلفاء في المنطقة بسبب خلافات حول ملفات عديدة أبرزها ملف التسوية في القضية الفلسطينية. وبينما حاولت إدارة الأخير تهميش الوصاية الهاشمية في القدس والتقليل من أهميتها، أكد الأول ضرورتها ودعمها.
وتحاول واشنطن إعطاء الأردن دوراً مركزياً في السياسة الخارجية الأميركية بالمنطقة، وتعوّل عليه في ملفات محاربة الإرهاب، واللاجئين، وتهدئة الوضع في العراق، وتهيئة الظروف لحلّ بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن ذلك كله مشروط بأن تخطو البلاد خطوات كبيرة نحو الإصلاحات الداخلية السياسية.
وهو ما يفسر تشكيل العاهل الأردني لجنة ملكية للإصلاح السياسي أخيراً، سيكون أبرز ملامحها تعزيز الحياة الحزبية ومنح مقاعد أكبر للحزبيين في البرلمان وصولاً إلى تشكيل حكومات برلمانية. كما أن الأيام المقبلة قد تسفر عن طي ملفات داخلية كثيرة تحت لافتة "تمتين الجبهة الداخلية" كإعادة نقابة المعلمين التي أغلقت بقرار قضائي، وفتح الباب أمام المعارضين السياسيين في الخارج للعودة بعفو ملكي مرتقب.
إعادة طاولة المفاوضات
تتفق كل من عمّان وواشنطن على "حل الدولتين" كمسار سياسي لإعادة الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني إلى طاولة المفاوضات، وهي المهمة التي يبدو أن الأردن يقوم بها في الأيام المقبلة بدعم من الولايات المتحدة.
ولم يكن خبر توقيع الأردن وإسرائيل اتفاقاً مهماً في مجال الزراعة خارجاً عن سياق تطور العلاقة بين تل أبيب وعمّان بعد سنوات من التوتر في عهد بنيامين نتنياهو. وشهدت العلاقات تحسناً ملحوظاً منذ تولي نفتالي بينيت، في يونيو (حزيران) الماضي منصب رئيس الوزراء في إسرائيل.
ومنح وزير الزراعة الإسرائيلي الأردنيين فرصة لتوريد منتجات زراعية أردنية إلى إسرائيل لمدة عام، يحجم فيه اليهود المتدينون عن الحرث والزراعة. ولن يكون القرار الجديد هو الأخير في سلسلة رسائل التودد بين تل أبيب وعمّان، فقبل أشهر زودت الأولى الأخيرة التي تقف على حافة العطش، بكميات إضافية من المياه.
في موازاة ذلك التقى العاهل الأردني الأسبوع الماضي الرئيس الفلسطيني محمود عباس في عمّان، وكان محور الحديث بينهما وفق تسريبات، ضرورة عودة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى طاولة المفاوضات، وفق مبدأ حل الدولتين الذي يمثل مصلحة أردنية خالصة، تبعد شبح التوطين والوطن البديل.
علاقات تركية أردنية
وفي سياق ذي صلة، أعادت تركيا والأردن العمل باتفاقية تجارية بين البلدين، كانت مجمدة منذ سنوات، واستقبل العاهل الأردني وزير الخارجية التركي، تشاووش أوغلو، في عمّان قبل أيام، وأعلن الأخير دعم بلاده الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس، وقال إنها تقوم بهذه المسؤولية على أفضل وجه.
كهرباء أردنية إلى لبنان
خلال الأيام الماضية أظهر الأردن اهتماماً غير مسبوق بالوضع اللبناني الداخلي، وأكد العاهل الأردني دعم بلاده مؤسسات الدولة في لبنان، خلال استقباله وزيرة الدفاع في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، زينة عكر. الأبرز في موقف العاهل الأردني وقوف عمّان إلى جانب مؤسسات الدولة والجيش في لبنان، في إشارة واضحة إلى رفض محاولة اختطاف الدولة اللبنانية من قبل إيران ووكلائها.
ولاحقاً، ووفقاً لمعلومات أعلنها مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية اللبنانية، فإن الرئيس ميشال عون تلقى اتصالاً هاتفياً من السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، التي أبلغته بقرار من الإدارة الأميركية بمساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا.
ويبدو أن القرار يهدف إلى محاصرة التحرك الإيراني بهذا الخصوص، بعد إعلان زعيم حزب الله اللبناني عن تحرك شاحنة إيرانية محملة بالنفط تجاه لبنان.
وكان العاهل الأردني قد حذر من الخطر الإيراني بما سماه قبل سنوات "الهلال الشيعي"، لكنه كشف أخيراً عن اقتراب هذا الخطر من بلاده في مقابلة مع شبكة "سي أن أن" الأميركية، متحدثاً للمرة الأولى عن معلومات حول تعرض المملكة للهجوم بطائرات من دون طيار إيرانية الصنع.
في المقابل كشف زعيم حزب الله اللبناني غير مرة عن نياته تجاه الأردن، وأبدى انزعاجه من خريطة التحالفات الجديدة التي جمعت الأردن بالعراق ومصر لأنها تشكل خطراً على إيران. نصر الله وخلال إطلالته على قناة الميادين قبل أشهر، غمز من قناة الأردن ولم تكن تلك المرة الأولى، فقد اعتاد إطلاق التهديدات المبطنة عبر كشفه عن معلومات حول تهريب قاسم سليماني السلاح إلى الضفة الغربية عبر الأردن. وفي عام 2016 هاجم نصر الله الأردن بسبب موقفه من الأزمة السورية واتهمه بدعم الجماعات الإرهابية وتقديم السلاح والتسهيلات لها عبر الحدود.
*اندبندت عربية