الأردن و الكوفيد-١٩ ... من سيربح المعركة؟

قررت الحكومة الأردنية قبل أيام فرض حظر التجول على الأفراد باستثناءات محدودة في محاولة للسيطرة على وباء ما يعرف بالكورونا. ولمتكتف سواعد الدولة بذلك بل أقرت عقوبات شديدة على المخالفين. مجموعة من الأسئلة تتوارد تباعاً إلى الذهن في هذه المرحلة: هل الحكومةعلى حق في تقييد الحريات؟ و إذا افترضنا أن أهل الحل والربط قد أساؤوا التقدير فهل جل المواطنين على قدر 

من المسؤولية تؤهلهم لتوخي الحذر وتجنب انتشار المرض؟

 

الشق الأول من السؤال يتطلب بعد نظر ومتابعة ما حدث في دول أخرى سبقت المملكة بالإعلان عن دخول المرض أراضيها وانتشاره بشكلأثر على الحية العامة كالصين و كوريا الجنوبية وإيران وإيطاليا و مؤخراً ألمانيا وبريطانيا وحتى الولايات المتحدة الأمريكية.  

القرار الصيني بتأخير الإعلان عن اكتشاف هذا الفيروس كمسبب جديد لإلتهاب الرئة  أدى إلى انتشاره في مدينة ووهان شرق الصين ذاتتعدادٍ سكاني يفوق الأحد عشر مليون نسمة. هذه السرية أدت إلى انتشاره بشكل كبير محلياً مما جعل أوان احتوائه قد فات. أول الأخطاءوأهمها على الإطلاق برأيي كان الحفاظ على حرية التنقل بين الصين والعالم الخارجي لمصالح إقتصادية غالباً. الغريب أنه بعد انتشارهخارج جمهورية الصين لا زلنا نرى كثيراً من الدول تفضل الإجراءات التدريجية التي لم تثبت فعاليتها عند متابعة ما جرى و مازال يحدث فيدول كإيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة وألمانيا و فرنسا و كلها من دول العالم الأول. المنظومة الصحية في إيطاليا لم تستطع الوقوف فيوجه الوباء بمفردها و فشل المجتمع بالرقي إلى مستوى الأخذ بناصية الوقاية بشكل شخصي مما أدى إلى هذه المصيبة التي أودت بحياة مايفوق عن ٦٨٢٠ مواطن. الدول الأخرى التي ذكرتها كلاها تتجه بتسارع نحو الهاوية و أقربها إلى ذلك إسبانيًا حيث توفي  ما يقرب منخمسمائة حالة في الأربعة و عشرين ساعة الأخيرة حسب آخر الإحصائيات.  على العكس من ذلك نجحت دول مثل كوريا الجنوبيةوسنغافورة بالسيطرة على الوباء من خلال إملاء خطط 

صارمة على مواطنيها وعدم التهاون.

 

هنا في المملكة المتحدة يميل الجميع على رؤية بريطانيا كحالة خاصة متميزة عن العالم الخارجي وهناك إيمان بأنهم قادرون على تجاوزمحن عجز عنها الغير. الطبقة السياسية وأخص المحافظين يغذون هذه النزعة ويقتاتون منها سياسياً فالحكومة حاولت التدرج في محاولتهاالسيطرة على انتشار الڤيروس و عللت ذلك بنصائح علمائها الذين يعتبرون من الأفضل حسب العالم على حد تعبيرهم. للأسف منيتالحكومة بضربة موجعة حينما رأينا شرائح من المجتمع تتجاهل كل نداءات الحكومة لاتخاذ الإجراءات الوقائية مما اضطر الحزب الحاكمحالياً لفرض ما هو أقرب لمنع التجول لمن ليس مضطرًا لمغادرة منزله. أعداد المرضى وللأسف الموتى تزيد بشكل مُطَّرِد مما يبقي على الشكوكحول هذه الإجراءات حتى إثبات العكس. 

 

الإستنتاج الأهم في نظري هو أن الحريات الشخصية في زمن الكوارث ليست فوق كل شيء وتحجيمها للصالح العام لا بديل له بتاتاً.

 

المسؤولون في الأردن كما يبدو استنتجوا بشكل مبكر أن أنجع حل لصحة المواطن، النظام الصحي المحلي ككل والإقتصاد الوطني هوالتدخل المبكر وفرض قيود مشددة على المواطن بإعلان حظر التجول. التمعن في النظام الصحي في الأردن يثير القلق ويؤشر إلى عدم قدرةالبلد على تحمل تفشي وباءٍ كهذا. دعوني أؤكد أنني لا أشكك في قدرات الكوادر الطبية والتمريضية ولكن  بطاقاتها الإستيعابية. ولتوضيحذلك فلنتأمل في الأرقام التالية:

ذكر  وزير الصحة الأردني الأسبق محمود الشياب في محاضرة في الربع الأخير من عام ٢٠١٩ في الجامعة الأردنية أن في الأردن شبكةطبية من المرافق الطبية أو العيادات الخارجية بما معدله ١٠ مراكز لكل ١٠٠٠٠٠ مواطن. عدد المستشفيات الكلي حسب إحصائيات وزارةالصحة في المملكة يصل إلى ١١٦ حكومية أو تابعة للقطاع الخاص وبقدرة استيعابية تصل إلى ١٤٧٠١ سرير منها ٥٥٠ سرير طوارئوعدد أقل بكثير لوحدات المراقبة والعناية المشدد. المعدل حسب هذه الإحصائيات بذلك ١٤ سريرًا في المستشفيات المحلية لكل عشرة آلافمواطن و وفق مصدر آخر ما يقرب من ١٧ سريراً بينما يقرب هذا المعدل في الدول المتقدمة إلى ٥٩ سريراً/ ١٠٠٠٠ مواطن. مع العلم أنالعدد المجمل للمستشفيات في الأردن عام ٢٠١٧  التابعة لكلا القطاعين الحكومي والخاص كان ١١٠ مستشفيات مما يعني زيادة طفيفةفي هذه الفترة. وهن يجب التنويه أن بعض المحافظات كالبلقاء وجرش ينخفض معدل الأسرة لكل مواطن إلى ٧ فقط وتتفاوت الأعداد حسبالمحافظات ففي العاصمة المعدل هو ١٨ و في الكرك ١٦ سرير لكل فرد. اللافت للنظر أن عدد الأطباء لكل ١٠٠٠ نسمة يقارب ٢.٦ فيالأردن (المعدل في الإتحاد الأوروبي ٣.٩ ) وهي نسبة جيدة ولكن نسبة الأخصائين لا ترقى إلى متطلبات المجتمع المحلي. أيضاً عددالممرضين لكل ١٠٠٠ نسمة معدله ١١.٥ في اليابان، ٩.٨ في الولايات المتحدة وللأسف ٤ لكل ١٠٠٠ نسمة في الأردن.

 

وأخيراً مقارنة نسبية في الأعداد و إن كانت لا تأخذ كل العوامل ( الإجتماعية مثلاً وغيرها) في الحسبان ولكن حتى نُكون فكرة عن  ما قديحدث بدون منع التجول المبكر. كما ذكرت عدد الموتى في إيطاليا وصل إلى ما يقارب ٩٣٦٢ بتاريخ ٢٦/٣/٢٠٢٠ حالة بينما العدد الكليللمرضى ما يقارب ٧٤ ألف مريض مع الأخذ في الحسبان التعداد السكاني في إيطاليا٦٠ مليون نسمة. والآن إذا استعملنا منظومة النسبةوالتناسب مجردة فهذا يعني تقديريا وقياساً على تعداد سكاني قدره ١٠ ملايين في الأردن (حماه الله) ما يقارب ١٢٣٠٠ مريض و ١٦٠٠حالة وفيات. تقديرات وزارة الصحة الأردنية حاليًا مع القيود المفروضة وطبقا لمعدل الزيادة في الحالات تتوقع ٣٦٢ حالة بعد ٣٠ يوماً منبداية الأزمة مما يعني تقريبا استنفاذ الطاقة الإستيعابية القصوى.      

 

في النهاية أؤكد أن الإلتزام بحظر التجول وتقنين العلاقات والإختلاط الإجتماعي حالياً ينبغي أن يكون بدافع ديني و وطني وإنساني لتتجاوز المملكة الأردنية الهاشمية وشعبها هذه المرحلة الحساسة بأقل الخسائر البشرية والإقتصادية.

 

*استشاري أمراض الجهاز التنفسي

 مستشفى ستوك ماندفيل، لندن

أضف تعليقك