الأردن والضفة الغربية ... علاقة مصيرية

الرابط المختصر

سُئل مسؤول أردني رفيع المستوى في ورشة عمل (في عمّان): هل يريد الأردن الضفة الغربية أم لا؟ فأجاب: عن أي ضفةٍ غربيةٍ تتحدّث؟ عن السكان بلا أرض، أم عن رقعة محدودة مجزّأة من الضفة الغربية؟ ماذا عن المستوطنات الإسرائيلية؟ وماذا عن إقامة الدولة الفلسطينية والسلطة الفلسطينية؟

من الخطأ اختزال الدور الأردني في الضفة الغربية في معادلة ثنائية حادّة؛ الضم والوحدة أو عدم التدخل والتداخل نهائياً، وكأنّ أي تفكير أو مداخلة أردنية فيما يحدُث في الضفة الغربية يمثل عودة إلى سيناريو وحدة الضفتين، فهنالك ملفات عديدة عالقة وترابط مصيري فيها، ما يجعل موضوع الضفة الغربية جزءا لا يتجزأ من الأمن الوطني الأردني، ولأيّ تطور يحدث هناك تداعيات كبيرة على السياسة الأردنية، لأسبابٍ مرتبطة بالشرعيتين، التاريخية والدينية، للنظام الأردني من جهة، والجيو بوليتيك الأردني من جهة ثانية، والتركيبة الداخلية من جهة ثالثة.

المقاربة التي قامت أردنياً على قاعدة أنّنا ندعم السلطة الفلسطينية، والفلسطينيين، وأنّنا لا نتدخل في الملفات الداخلية هناك، لم تعد صالحة اليوم، لتواجه أسئلة وتساؤلات عديدة كبيرة راهنة؛ فليست هناك إمكانية لتجاهل حجم أهمية ملف الضفة الغربية وظلاله الهائلة على الأردن. وهو الأمر الذي تعزّز، في الآونة الأخيرة، مع حكومة نتنياهو وصفقة القرن ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية وتهويد القدس وتغيير واقع المسجد الأقصى، وتبخّر خيار "حلّ الدولتين"، والحديث المتزايد في الأوساط الفلسطينية والعالمية عن مرحلة ما بعد محمود عبّاس وخلافته، فضلاً عن استطلاعات الرأي العام التي تظهر تدهورا هائلا في شعبية عبّاس، والأزمات البنيوية التي تعاني منها السلطة هناك.

وفي وقتٍ كان عديدون ينظرون إلى الوصاية الهاشمية على المقدّسات الإسلامية والمسيحية في القدس بوصفها أمراً رمزياً أو معنوياً، فإنّ المعادلة انقلبت رأساً على عقب اليوم مع التهديد الخطير للمدينة المقدّسة والقدس، بل أصبح دور السلطة الفلسطينية ثانوياً، والدور الأردني مركزيا ومهما. وتتسيّد قضية القدس اهتمامات الدبلوماسية الأردنية وأولوياتها منذ أعوام، وهو الأمر المرشّح أن يتضاعف في العام الحالي.

أعادت جلسة حوارية مع وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي (في معهد السياسة والمجتمع) تعريف معنى الوصاية الهاشمية على المقدّسات بثلاثة معان رئيسية: الحماية والرعاية والخدمات. ومن هنا نفهم الرسالة المبكّرة التي وجّهها الملك عبدالله الثاني، عبر الإعلام الأميركي، إلى الحكومة الإسرائيلية الجديدة والحكومات الغربية، بالتحذير من تأطير مفهوم "الخطوط الحمراء" الأردنية، والتحذير من تجاوزه. وكان أحد بالونات الاختبار زيارة السفير الأردني في إسرائيل القدس، والأزمة الدبلوماسية التي حدثت بسبب اعتراضه من الأمن الإسرائيلي، ويؤكّد ذلك كلّه على أنّ الموضوع جدّي بالنسبة للأردن.

لم يعد ممكناً، كذلك، إدراك تغير موازين القوى الإقليمية، خاصة ما يتعلق بـ"العمق العربي" للأردن، في المواجهة الدبلوماسية مع إسرائيل، والظاهرة الجديدة التي بدأت تتصاعد في العدوانية الواضحة من كتّاب إسرائيليين وسياسيين ورسائل التهديد (تصل عبر سطور المقالات)، ما يؤكّد الانزعاج الإسرائيلي من الموقف الأردني. لكن، في المقابل، من الضروري أن تحث هذه التحولات الاستراتيجية الأردن على مراجعة مقاربته للداخل الفلسطيني، والتوسّع أكبر في تقييم الوضع في الضفة الغربية، وخياراته السياسية، وتوطيد علاقاته مع القوى والشخصيات الفلسطينية هناك، ما يعني توسيع النفوذ الأردني في الضفة الغربية وتعميقه، وترتيب الأوراق المشتركة للمرحلة المقبلة.

ثمة انطباع سمعه كاتب هذه السطور من سياسيين فلسطينيين عديدين، وقد يكون غير صحيح، مرتبط بموقف الأردن من خليفة الرئيس محمود عبّاس، وهناك آخرون يرون أنّ الأردن ينأى بنفسه عن هذا الملف، لأنّه يعتبر شأنا داخليا فلسطينياً، لكن هذا غير صحيح، لأنّ هنالك أصابع متعدّدة تلعب بهذا الملف، غربياً وعربياً، فالأوْلى أن يكون الدور الأكبر للأردن، لما لعلاقته بالضفة من تشابك وتداخل كبير، ولما لهذا الملف من تأثير كبير على مستقبل السلطة الفلسطينية، وبالتالي الضفة الغربية، وبالتالي الأمن الوطني الأردني.

الشيء بالشيء يذكر؛ من الواضح أنّ التحدّيات الخارجية أصبحت في العام الحالي تتوازى مع الداخلية، وهنالك ضرورة للتركيز أكثر على الصعد، السياسي والاستراتيجي والنخبوي والإعلامي، على ما يحدث حول الأردن وكيفية التعامل معه، وهو ما قد يساعد حتى على التعامل مع ملفّات ومشكلات وأزمات داخلية على أكثر من صعيد.