الأردن في محيط "اللايقين"

الرابط المختصر

يتناول تقرير "الديبلوماسية الأردنية في محيط اللايقين 2022" ملخّصاً لجلساتٍ عقدها معهد السياسة والمجتمع مع مؤسسة فريدريش أيبرت الألمانية، خلال العام الماضي، وشارك فيها نخبة من الخبراء والسياسيين الأردنيين والعرب والأجانب، وتطرّقت لمختلف مجالات السياسة الخارجية الأردنية، على صعيد العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا وما يحدث في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل والعراق وسورية ودول الخليج العربي.

أبرز ما في التقرير، بعيداً عن التفصيلات المتعلقة في كل ملفّ، أنّه يؤشّر إلى حالة الضبابية الإقليمية الشديدة (حالة اللايقين)، وتفكّك النظام الإقليمي الذي تعوّد صانع القرار الأردني على التعامل معه، خلال الحرب الباردة (مرحلة الملك الحسين)، ثم في مرحلة ما قبل الربيع العربي (محورا الاعتدال والممانعة)، فمن الواضح أنّ الأمور حول الأردن أو قواعد اللعبة الإقليمية انقلبت رأساً على عقب، سواء على صعيد تعريف الدور الأميركي في المنطقة، أو على صعيد النفوذ الإيراني، أو على صعيد تفكّك النظام الإقليمي العربي، والعلاقة مع الخليج، وتحديداً الأزمة المتحرّكة خلف الستار بين السعودية والإمارات، والعلاقات الأردنية - السعودية، المسكونة تساؤلاتٍ لا تُطرح علناً، وأخيراً الانتقال الاستراتيجي المطلوب في التعامل مع التحوّل الكبير في معادلة العلاقة مع إسرائيل!

 

وعلى مدار جلستين متعاقبتين (في معهد السياسة والمجتمع) ناقشت نخبٌ سياسيةٌ سؤال القراءة الأردنية للاتفاق السعودي - الإيراني، ثم تطوّر الأحداث في إسرائيل على صعيد الاحتجاجات ضد الحكومة اليمينية، من جهة، ثم تصاعد وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في المسجد الأقصى وردود الفعل عليها في الأغوار وتل أبيب، ما يشي بأنّنا أمام تقاطع طرق هناك يستدعي مراجعة معمقة للمقاربات الأردنية.

يذهب التقرير المذكور، في الملف نفسه، إلى التأكيد على أنّ مصدر التهديد الأكبر للأمن الوطني الأردني، من ضمن العوامل الخارجية، يتمثل في حكومة اليمين الحالية، بقيادة بنيامين نتنياهو، فيما بدا واضحاً أنّ هنالك إدراكاً لدى غالبية النخب السياسية الأردنية بأنّه بقدر ما هو مطلوب إسقاط الحكومة الإسرائيلية الحالية، والتخلص من نتيناهو وزمرة اليمين المتطرّف التي تعتلي منصّة القيادة، فمن الضروري أن ندرك بأنّ ما يحدث في إسرائيل يبقى في إسرائيل، بمعنى أنّه لا يمسّ الموقف الإسرائيلي المتطرّف بمجمله من الملف الفلسطيني. ومن الضروري ألا نتوهم أن هنالك فروقاً جوهرية بين يئير لبيد ونتنياهو وإيتمار بن غفير، ولا أمل حقيقياً بعودة اليسار الإسرائيلي أو مشروع إحياء عملية التسوية السلمية.

ضمن هذه السياقات، كان واضحاً أنّ الاهتمام الأردني في ما يحدُث في إسرائيل، ينظر أيضاً بعين القلق إلى احتمالات الانفجار الداخلي والإقليمي، ما قد يؤدّي إلى ضغوط على الفلسطينيين في الـ48 والـ67، واحتمالات انتقال التوتر إلى الساحة الداخلية الفلسطينية، والسيناريو الأسوأ اندلاع مواجهات داخلية مع حدوث فوضى نتيجة ضعف السلطة الفلسطينية.

ثمة متغيرات خطيرة عديدة فيما يحدُث غرب النهر، على أكثر من صعيد، وكانت التوصية الرئيسية للتقرير بضرورة زيادة المداخلات الأردنية المعمّقة في الأراضي المحتلة، لتعزيز الدور الإيجابي الذي يمكن أن نقوم به، بما يخدم تكتيكات المواجهة مع الاحتلال من جهة، ويدعم الفلسطينيين من جهةٍ ثانية، لكن هذا يقتضي، بالضرورة، أيضاً، عدم اقتصار المعادلة الأردنية على العلاقة مع السلطة والشخصيات الرئيسية فيها، بل التوسّع نحو تشبيك علاقات متينة مع الأطراف والقوى الفلسطينية المتنوعة والرئيسية.

نظرية التعامل مع السلطة الفلسطينية حصرياً، وترك الملعب الفلسطيني للأشقاء المصريين، تجاوزها الزمن تماماً، ولا يتمسّك بها إلا فريق من المحافظين الرسميين، غير القادرين على قراءة المتغيرات، ولا إدراك ما حدث من اتفاقيات إبراهيمة واتفاق إيراني - سعودي، والاستدارات التي تحدُث في المنطقة، بل المطلوب اليوم المبادرة والانفتاح على الأطراف والقوى وتقليب الخيارات والسيناريوهات بفكرٍ أرحب، بما يخدم إعادة تعريف الأمن الوطني الأردني والمصالح الحيوية هناك.