الأخطاء الثلاثة الكبرى التي ارتكبها الإسلاميون في شهر العسل

الرابط المختصر

فترة شهر العسل التي تمتع بها إسلاميو الأردن في النصف الثاني من سنة 2008 ، تكاد تنتهي. على الصعيد الرسمي يتجه القرار السياسي إلى الاندراج ـ المتحفظ حاليا ـ ، مرة أخرى، في المحور السعودي ـ المصري.

وهو ما يقتضي وقف الاتصالات الخاصة مع حماس ـ المطلوب حصرها بالقاهرة كمندوب معتمد من تل أبيب ـ وما يقتضي ، داخليا، تجميد الحريات التي شهدت لأشهر إزدهارا غير معروف في المنطقة كلها ، وحوارا جادا مع القوى السياسية بغرض التوصل إلى تفاهمات في حقول وطنية واجتماعية واقتصادية. ويمكننا ، هنا، أن نلاحظ أن تطوير الديمقراطية الأردنية هو ، في النهاية، قرار دولي وإقليمي. وما يزال هذا القرار يرفض بشدة التطور الديمقراطي الداخلي في بلد متوسط الحجم وحديث ويتمتع بدولة متماسكة ومجتمع غير منقسم طائفيا. الديمقراطية الأردنية تُحرج الرياض والقاهرة وربما عواصم عربية اخرى ، وتثير الهلع في إسرائيل التي تربط ـ عن حق ـ طرديا بين تلك الديمقراطية وبين تنامي وحدة الشعب الأردني ضدها. وفيما يتصل بالولايات المتحدة الأميركية ، فهي تنظر إلى الوضع الداخلي في البلد من وجهة نظر المصالح الإسرائيلية من جهة ، لكن ، بالطبع، من وجهة نظر مصالحها إذ يؤدي التفاهم الديمقراطي الداخلي إلى عزل التيار المتأمرك الذي لا يتمتع ، عكس لبنان مثلا ، بأية قواعد شعبية.

غير أن هدف هذا المقال هو تسليط الضوء على الإشكالات التي تعاني منها الحركة الإسلامية في الأردن ، والتي ظهرت إلى السطح بقوة إبان فترة شهر العسل المنقضي ، في السياسة والخطاب والممارسة، ما أدى ، في رأينا، إلى موجة من السخط عليها من قبل القوى السياسية الشعبية ايضا.

(1) في السياسة ، ظهّر شهر العسل الرسمي ـ الإسلامي، جذريّة الانشقاق بين تيارين في الحركة الإسلامية الأردنية، أولهما تيار الأغلبية المستعد لتجميد المطالبات الاصلاحية السياسية والاجتماعية الداخلية كليا مقابل السماح له بتنظيم وقيادة النشاطات الجماهيرية والحملات الدعوية ذات الطابع الوطني الديني ، وخصوصا المؤيدة لحركة المقاومة الإسلامية ( حماس)، وثانيهما تيار الأقلية الذي يريد التركيز ، بالدرجة الأولى، على بناء جبهة وطنية لتحقيق إصلاحات سياسية ، في مقدمها ـ أو يلخصها شعار الملكية الدستورية.

الإنشقاق ظهر واضحا جدا في السجال بين قياديين كبيرين في الحركة الإسلامية هما : زكي بني إرشيد ـ المعروف ب “ تطرفه “ الداخلي إبان فترة القطيعة بين عمان وحماس ـ والذي تخلى عن ذلك التطرف فور أول إشارات المصالحة بين الطرفين ، وإرحيّل الغرايبه ـ المعروف ب “ اعتداله “ ، إبان فترة القطيعة ، والذي انتقل إلى إصلاحية جذرية فور تحقق تلك المصالحة ، منتقلا إلى نشاط إئتلافي مع تيارات وشخصيات علمانية تطالب بإصلاح الدستور بحيث يسمح بانتخاب رئيس الوزراء بصلاحيات كاملة ، ولكن ليس قبل فك الارتباط القانوني بفلسطينيي الأردن الذين يجب أن يستعيدوا هويتهم الفلسطينية والمطالبة بحق العودة .

كلا الرجلين شرق أردنيين، لكن من الواضح أن برنامج الأول يقوم على أولوية فلسطينية ، بينما يتبع الثاني الأولوية الأردنية.

هذه الإشكالية السياسية أضعفت الحركة الإسلامية ، بل أضعفت الحركة الشعبية كلها ، وجددت انقسامها. وللمفارقة ، فإن المداخلات السياسية للعشائر التي عادت ، مرة أخرى، للنشاط ، لم تسقط في هذه الإشكالية ، وعرفت كيف تقرن بين التأييد القوي لحماس ، بوصفها حركة وطنية فلسطينية في فلسطين ، من شأن تقويتها المساهمة في الدفاع عن الكيان الأردني ضد إسرائيل ، وبين المطالب الاجتماعية والسياسية الداخلية الأردنية.

(2) في الخطاب، لم تستطع الحركة الإسلامية الأردنية إبداع خطابها الوطني الخاص بوصفها حركة أردنية ، بل اتبعت خطابا حمساويا ودينيا ، جعل من الصعب التمييز بينها وبين الخطاب الحمساويّ، مما اظهرها ، في العمق، كامتداد لحماس ، ومنحها صبغة فلسطينية إسلامية، أثارت مخاوف العديد من الأوساط الأردنية ، بما في ذلك الأوساط الأردنية ـ الفلسطينية العلمانية.

وبالإضافة إلى إشكالية مضمون الخطاب ورمزيته على المستوى السياسي العام ، فإن إضطراب نص الخطاب وانعدام دقته ، منح أعداء الإسلاميين فرصة إثارة الرأي العام الأردني ضدهم. وعلى سبيل المثال ، فإن الخطاب الإسلامي الذي يتحاشى التعرض ل “ النظام” ، يستسهل القول إن “ الأردن فرّط ....” وهو ما يثير غضب الأردنيين الذين حرضهم رئيس الوزراء الأسبق ، عبد الرؤوف الروابده ـ الباحث عن دور مجددا ـ بتذكيرهم بما قدمه الأردن والشعب الأردني في سبيل القضية الفلسطينية. كذلك ، استطاع الروابده ، في بيان ألقاه في مجلس النواب وأدى إلى مشاجرات وفوضى ورفع الجلسة ـ 4 2 2009 ـ أن يستخدم وثيقة إسلامية حديثة للتعريض بالحركة ، فهو لاحظ أن من حق اي أردني المطالبة بإلغاء معاهدة وادي عربة ـ المعقودة مع إسرائيل العام 1994 ـ لأسباب اردنية ، لكن ليس من حق احد القول إن تلك المعاهدة فرطت بالحقوق الفلسطينية . وهذا بدهي بالطبع. وقد حاول النائب الإسلامي حمزة منصور، إنقاذ موقف الوثيقة في رده ، فقال إن المعاهدة فرطت بالحقوق الأردنية في ترسيم الحدود والمياه ، إلا أن الوقت كان قد فات. فلم يكن النص المكتوب يفكّر بالأردن أصلا. وإذا كان مفهوما أن الروابده ليس ممن يريدون إلغاء وادي عربة، فهو استطاع بنقده الذكي للوثيقة ، استقطاب الوطنيين الأردنيين الذين يرفضون معاهدة وادي عربة لأنها ، كما هو حاصل فعلا، فرطت بحقوق أردنية ، بينما لا يحملونها اكثر من ذلك على الصعيد الفلسطيني.

التأكيد على البعد الديني في الخطاب السياسي الإسلامي أدى إلى بعث مخاوف العلمانيين والمسيحيين ، خصوصا وأن الإسلام السياسي الأردني لم يشهد تطورا فكريا مدنيا يفض الإلتباس مع الفكر الوهابي والتكفيري والطائفي.

(3) في الممارسة، استغلت الحركة الإسلامية ، فترة التفاهم مع السلطات من جهة ، والتأييد الشعبي الاجماعي لصمود حماس في غزة من جهة اخرى، لمحاولة الاستئثار الكامل بالنشاطات والمنابر والدعوى واللقاءات والهيئات الداعمة للمقاومة ، بل وبتشكيل الوفود المهنية إلى غزة . وكان واضحا أن هاجسها الأساسي لم يكن توظيف اللحظة الوطنية من أجل خلق جبهة وطنية ، بل للإنقضاض على كل مجالات الحياة السياسية ، وابراز كادراتها وأصدقائها المقرّبين للحصول ، لاحقا، على مكاسب انتخابية ، نيابية ونقابية. وقد بلغ الضيق من النهج الاستئثاري للإسلاميين حدا جعل قادة الأحزاب اليسارية والعلمانية ، لا يستنكفون، على رغم الهجمة الرسمية على الحريات، عن توجيه النقد العلني ضد النهج اللاديمقراطي للحركة الإسلامية ( العرب اليوم ، 5 2 2009 )

وأختم ، بما سبق أن قلته في لقاء سابق مع رئيس المكتب السياسي لحماس ، خالد مشعل: إن أسوأ صديق لحماس في الأردن هم الإسلاميون الأردنيون الذين يستغلون الصعود الحمساوي لأغراضهم الخاصة ، مما ينعكس ، في النهاية، سلبا على موقف الرأي العام الأردني من حماس. ثم ، إذا كانت اغلبية الشعب الأردني، وخصوصا العشائر ـ ولأسباب عديدة منها عداؤها التقليدي لفتح ـ تؤيد حركة حماس ، فلماذا تحصر الحركة نفسها في قمقم الإسلاميين الأردنيين.