اغتصاب الزوجات بحماية القانون
وقف القضاء أمام قضيتها عاجزا، بعد عقد قرانها لم يعد هناك قانون يحمي سهام من اغتصاب من أصبح بعرف القانون زوجها. فقانون العقوبات الأردني لا يجرم اغتصاب الزوج لزوجته.
لم يكن أمام سهام، وهي طالبة جامعية، من سبيل للتعرف على ابن عمها سوى فترة الخطوبة التي تترافق مع عقد القران حسب عادات العائلة. وعندما لم تجد فيه الشريك المناسب اختارت الانفصال.
لكن ثمن قرار سهام كان باهظا جدا، اختطفها ابن عمها، بمعاونة أشقائه، واغتصبها في بيت العم وانتزع عذريتها قبل أن يعيدها إلى بيت أهلها معلنا بأنه لم يعد يرغب بها زوجة له.
لجأت سهام وأهلها للقضاء لمحاسبة الجاني وتعويض الإهانة التي لحقت بهم وبابنتهم، لكن دون جدوى. فبعرف قانون الأحوال المدنية عقد القران يعتبر زواجا، وهي كزوجة مستثناة من تعريف الاغتصاب في قانون العقوبات.
لم تتوقف مأساتها كضحية اغتصاب وضحية قوانين لم تنصفها، فعلى سهام التي لم تتجاوز العشرين أن تواجه مجتمعا لا يعترف بها كمتزوجة، بل كمخطوبة فقدت عذريتها قبل الزواج. وفي مجتمع يقدس عذرية الفتاة لم يعد أمامها خيار سوى التوسل إلى ابن العم أن يقبل بها زوجة. لكن حتى هذا الخيار لم يعد متوفرا وقد رفضها ابن العم بعد أن جرحت "كبرياءه" برفضها له.
"سهام هي واحدة من ضحايا التناقض بين العادات والأعراف والقوانين والدين"، كما تصفها الدكتورة إسراء طوالبة في المركز الوطني للطب الشرعي الذي استقبل سهام كواحدة من حالات عدة لنساء يلجأن للمركز بعد تعرضهن لأشكال مختلفة من العنف.
"عندما لجأ أهل الفتاة للقضاء لم يكن هناك قضية أمام المحكمة لأنه يعد زوجها فكتابها مكتوب. ولا يوجد في القانون ما يسمى اغتصاب الزوجة. ووقف القضاة عاجزين عن مساعدة الفتاة، وكذلك النظام العشائري في الكرك"، تقول طوالبة.
القاضي الشرعي عمر الخريسات يبين أن الحادثة "وإن كانت بالهيكل العام توحي بأنها اغتصاب لكن في نص القانون هذا لا يعتبر اغتصابا". ويوضح أن الاغتصاب "هو أن يقوم رجل باغتصاب امرأة لم تكن زوجته. وبمجرد أن يتم عقد القران تكون زوجته ولها حقوق وعليها واجبات".
وعن قضية سهام يبين الخريسات أن خطيب سهام لم يخرق القانون، "لكنه بفعلته هذه فهو خالف عرفا وعادة. وارتكب عنفا ضدها".
ويرى القاضي الشرعي أن "تغير الأحكام بتغير الأزمان، وخاصة في أمور معينة بقانون الأحوال الشخصية. هناك حاجة إلى تشريعات أو أنظمة تضبط مثل هذه الحالات، لأن القيم والأعراف اختلفت. وكل عقوبة يجب أن يكون لها تكييف قانوني بالجزاء".
قانون يبيح للزوج اغتصاب زوجته
"في الدول العربية والإسلامية من المستحيل اعتبار إكراه الزوج للزوجة على الجنس بأنه اغتصاب، بل يطلقون عليه "سوء المعاشرة الجنسية" لكنه غير مجرم قانونا"، تقول إنعام العشي، محامية وناشطة في المعهد الدولي لتضامن النساء.
وتؤكد هيفاء حيدر، محامية وناشطة في اتحاد المرأة الأردنية، أن المعضلة عند اللجوء للقضاء تكون في القانون. "يجب أن يكون هناك ضرر بالغ وتقارير طبية تظهر وجود أثار عنف حتى تتمكن السيدة من إثبات ذلك. كما أنه لا يوجد نص قانوني يجرم هذه الحالات. وهذا يساعد على إطلاق يد الرجل ليفعل ما يشاء".
فصل قانون العقوبات الأردني مختلف حالات الاغتصاب، لكنه استثنى منها جميعا الزوجة التي يغتصبها زوجها. وتتشابه في ذلك قوانين الدول العربية باستثناء تونس التي تجرم "اغتصاب الزوجة" كما هو حال دول عديدة أخرى.
قانون وضعي يتعارض والشريعة
أستاذ الفقه الإسلامي في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية، الدكتور محمد القضاة يعتبر أن لجوء الزوج إلى إجبار زوجته على المعاشرة الجنسية، اغتصابا.
"إذا ما أراد الزوج من الناحية الشرعية أن يأتي زوجته وأن يعاشرها المعاشرة الجنسية المشروعة والمباحة فلا بد أن يكون لدى الزوجة الرغبة التامة وأن لا تتأذى المرأة ولا تكره مثل هذه العلاقة الجنسية. وليس للزوج أن يكره زوجته، وهي حلال له، على معاشرة لا ترضى بها"، يبين القضاة.
قانون العقوبات، بحسب أستاذ الفقه الإسلامي، "قانون وضعي يتعارض في بعض الأحيان مع منطلقات الشريعة الإسلامية التي تجرم وتمنع الزوج من هذه المعاملة السيئة مع زوجته". وينفي أن تكون هذه القوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية.
الإساءة الجنسية: إجبار وعنف أو إهمال وهجران
العنف الجنسي، توضح الدكتورة طوالبة، لا يكون فقط بالإجبار على الجنس والعنف في ممارسته، وإنما أيضا بالإهمال والهجران والمنع من الجنس أو من الاستمتاع به.
ومن أشكال العنف الجنسي أيضا الإجبار على، أو الحرمان من، الحمل والإنجاب. وتصف طوالبة حالات "رجال يضربون النساء على بطونهن لكي يجهضن لأنهم لا يريدون أطفالا في ذلك الوقت. وهناك رجال يجبرون زوجاتهم على الحمل والإنجاب، كحالة امرأة تعاني من فشل في عضلة القلب وفقر دم شديد وهشاشة في العظام بعد أن أجبرت على إنجاب 11 طفلا، لأن الزوج يعتقد أن تحديد النسل حرام".
ويوجد نساء "يتعرضن للضرب والذل من الزوج طوال النهار وفي الليل يجبرها على الجنس ويقول لها أن الملائكة ستلعنها إن لم تستجب له". وتشير إلى ضرورة توعية الرجال، "في خطب الجمعة مثلا، فهي مؤثرة ومهمة جدا".
للرجال فقط!
"الرغبة الجنسية هي رغبة وحاجة لدى الطرفين، ومن غير المقبول أن تكون العلاقة الجنسية لإرضاء رغبة أحد الطرفين على حساب الطرف الثاني"، تقول العشي.
وتروي قصة إحدى المشاركات في محاضرة حول الثقافة الجنسية نظمتها في إحدى المحافظات، حيث صارحتها بعد المحاضرة بكونها "لم تعرف اللذة الجنسية قبل ليلة أمس، في الحلم، رغم أنها متزوجة ولديها ثلاث بنات متزوجات".
"إذا استفتيت النساء حول اللذة الجنسية، تقول الناشطة العشي، فستجدي أن الكثير منهن سيستغربن السؤال ولن يستطعن الإجابة لأن لديهن مشاكل في هذا الجانب".
وهو ما تؤكده زميلتها حيدر حول حالات نساء لجأن لاتحاد المرأة، متزوجات منذ سنوات وأنجبن ولم يعرفن اللذة الجنسية. "هؤلاء النساء يعتبرن الجنس واجبا عليهن القيام به يختزل بعبارة "يعمل عملته بسرعة ويريحنا". وهذا يدلل على مشكلة في مسألة من المفترض أن تكون من أجمل ما بين الزوجين بعيدا عن ضغوط الحياة".
الحديث في الجنس عيب وحرام!
"النساء عموما يتحدثن بداية عن مشكلاتهن تحت مظلات أخرى غير المظلة الحقيقية للمشكلة. لكن بعد الحديث مرارا وتكرارا تبين أن المحرك الأساسي للمشكلة هو سوء معاشرة الزوج الجنسية لها"، تقول العشي.
ومن خلال متابعة الأخصائية الاجتماعية لحالة سيدة تبين أنها جراء تعرضها للعنف الجنسي أصبحت تعاني من الكآبة وتمارس العنف مع أولادها وتصرخ وتكسر في لحظات الغضب. وعند الحديث مع الزوج أجاب بأنه "يمارس حقه الشرعي وليس مضطرا لأخذ إذنها".
تصف حيدر الحديث في الجنس بأنه "محرم في مجتمعنا حيث الثقافة الجنسية ضعيفة وسطحية وفي الأسرة وفي المناهج التعليمية والحوار بين الزوجين غائب في هذا الموضوع. وهذه الثقافة والتوعية لا تأتي عبر ليلة وضحاها وإنما عبر تربية أسرية ومناهج تعليمية".
"هناك تشوه معرفي مستمد من التفسير الخاطئ للدين بأن تأتي سيدة وتقول لنا ربنا أمرنا بإطاعة الزوج في كل شيء، ومن ضمنه العلاقة الجنسية. هناك مفاهيم خاطئة استقيناها من أسرنا فمن العيب والحرام الحديث في هذا الموضوع".
وتتحدث عن حالات نساء يشكين من إصابتهن ببرود جنسي وندرة وضعف العلاقة الجنسية مع الزوج نتيجة وجود عجز لدى الزوج، لكنها تحرج من قول ذلك. "الزوج لا يتحمل الفشل في العلاقة الجنسية ويتهمها بأنها السبب وبأنها باردة جنسيا. هناك نسبة كبيرة ممن يلجأن إلى الاتحاد في حالات عنف نفسي وجسدي أساسها خلل في العلاقات الجنسية بين الزوجين".
"حالات العنف الأسري التي ترد إلى مركز الطب الشرعي غالبا ما يكون فيها عنف جنسي، تبين طوالبة. لكن لا يوجد تعريف واضح ولا حتى قبول لمفهوم العنف الجنسي من الزوج ضد زوجته، وبالتالي لا يوجد أرقام واضحة في هذا المجال لأنه لا يوجد شكوى صريحة من المرأة. فثقافتنا لا تسمح للفتاة بالشكوى على زوجها من المنع أو الإجبار على الجنس".
استقبلت إدارة حماية الأسرة 2944 حالة عنف أسري في العام 2007، أغلبها "نساء تعرضن للعنف من أزواجهن، وأطفال تعرضن للاعتداءات الجنسية والجسدية وأعمار متراوحة بين 13-14 عاما".