اعتصام صحفيو الغد: فرصة لتغطية أكثر موضوعية

اعتصام صحفيو الغد: فرصة لتغطية أكثر موضوعية
الرابط المختصر

مرت الأشهر الأخيرة على الأردن كما لو كانت تحتفي بمهرجانات أو موسم الاعتصامات والإضرابات، وقلما كانت الصحافة تعطي اهتماما لهذه "الظاهرة"

باستثناء بعض الأخبار المكتوبة على عجل والبعيد اغلبها عن الموضوعية، حتى وصلت النار ثوب الصحافة نفسها واكتوت بما أصيب بها غيرها من تعسف أصحاب العمل وتجاهل الحكومة والإعلام على حد سواء.

في اليوم الأخير من الشهر الماضي، أنهى صحافيو جريدة "الغد" اعتصاما احتجاجيا على قرار فصل الصحفيين ماجد توبة،محرر الشؤون الحزبية، وعضو مجلس النقابة، ومحمد سويدان رئيس قسم المندوبين.

وبحسب تصريح صحفي لتوبة لاذاعة عمان نت ووسائل اعلام اخرى، فان قرار الفصل جاء بعد ان تحمل هو وزميله عبء المطالبة بـ"تعديل اوضاع الزملاء المادية وعلاوة المهنة (30دينارا) ، وزيادة بدل المواصلات والاتصالات واقرار راتبي الثالث عشر والرابع عشر اسوة بالزملاء في "الرأي".

وقال توبة ان إدارة الصحيفة طلبت منهم تقديم الاستقالة الا انهما رفضا الطلب ليفاجئا بقرار الفصل.

ادى قرار فصل توبة وسويدان الى تعاطف كبير من قبل الصحفيين العاملين في المؤسسة واخرين، اثمر عن اعتصام احتجاجي اما مقر الصحيفة، انتهى الى عودة إدارة الجريدة عن قرار الفصل والوعد بالنظر في المطالب وذلك بعد تدخل النقابة ممثلة برئيسها وعدد من ممثلي النقابات ورئيس تحرير صحيفة "الرأي".

وبحسب المعلومات فان ادارة الصحيفة حملت او هي اتهمت بالاحرى، الصحفيين توبة وسويدان بتحريض العاملين في الجريدة وخلق جو من التوتر في العمل.
على أي حال، فان فصل الصحفيين، بحسب الصحفي يحيى شقير:" جزء من الاعتداء على حرية الصحافة ودورها في المجتمع، وله تأثير سلبي على حق القراء في المعرفة، كما يؤثر سلباً على الصحفيين حتى في أماكن عملهم الأخرى".

والحق ان فصل الصحفيين، اذا كان تعسفيا، وهو في هذه الحال كان كذلك، يعتبر تعديا على القانون، وهو امر إن كان يمكن استيعابه من قبل بعض اصحاب العمل في قطاعات اخرى، لا يكون كذلك في مهنة الصحافة والاعلام التي توصف بالسلطة الرابعة وهي الرقيب على السلطات الاخرى، وصوت من لا صوت لهم والحريصة على سيادة القانون والمساواة، وحسنا فعلت ادارة الصحيفة عندما تراجعت عن قرارها.

لاشك ان اوضاع الغالبية العظمى من الصحفيين الأردنيين،وخاصة العاملين منهم في الصحف الاسبوعية او وسائل الاعلام الرسمية، هي دون المستوى الانساني المعقول، وبالكاد يكفي راتب الصحفي الاردني شر العوز، هذا عدى عن تعدي بعض المؤسسات الاعلامية على حقوقهم في الضمان الاجتماعي، والتلاعب في مسمياتهم الوظيفية، او حقهم في المواصلات واتعاب وطبيعة العمل والترقيات وغيرها. وفوق كل ذلك فهناك بعض الصحفيين العاملين في الاسبوعيات يتعرضون لابشع انواع الاستغلال بعلم النقابة وسكوتها وعدم قدرتها على تحصيل حقوق هؤلاء.

امام وضع كهذا ليس غريبا ان نشهد مثل هذا الاعتصام وهو الثاني من نوعه بعد اعتصام صحفيو جريدة "العرب اليوم" قبل اكثر من خمس سنوات، بيد ان هناك بوادر لاعتصامات اخرى قد تجري في اكثر من مؤسسة، بما يشي بعودة الروح للصحفيين او إصابتهم بعدوى الاعتصامات والاضرابات التي كثرت في الأشهر الأخيرة في البلد تحت وقع ارتفاع تكاليف المعيشة، مع التنويه ان كل المؤسسات الاعلامية بما فيها اغلب الصحف الاسبوعية تحقق ارباحا عالية بفعل طفرة الإعلانات او طفرة الطلب على الخدمات الاخرى وليس هناك من مبرر لبقاء وضع الصحفيين على ما هو عليه.

وعلى هامش هذا الاعتصام، كان هناك عدد من المفارقات سجلها بعض الصحفيين والمتابعين، منها:
اولا: المفارقة بين مهنة الصحافة التي تحمل على عاتقها عبء الدفاع عن الحريات وتتحمل مسؤوليتها الاجتماعية في نقل المعلومة للمواطن وفي اطلاعه على صوت من لا صوت لهم، وبين إدارات وسائل الإعلام الخاصة الساعية للربح اولا واخيرا. وقد اعادت هذه المفارقة طرح سؤال مدى تأثير رأس المال على الاعلام، ومدى نجاح القطاع الخاص في ادارة هذه المهعنة وتاليا اهمية التأسيس لصحافة مستقلة، كون الصحافة الرسمية ليست افضل حالا.

ثانيا: لم يحظ اعتصام صحفيو الغد بأي تغطية من قبل الصحف الأخرى، بما يعني ان الصحف المحلية لا تزال تسير على ما عرف باتفاق "الجنتلمان" في عدم التعاطي بشؤون بعضها البعض، لقد اثبت تجاهل تغطية الاعتصام ان هذا الاتفاق يحول دون ان تمارس الصحافة دورها على الاقل في حق المواطن بالحصول على المعلومة وهو من ناحية ثانية اضر بمصلحة الصحفي والصحفيين، الامر الذي يحتاج الى مراجعة.

ثالثا: ارتفعت بعض الاصوات القائلة بان قرار الفصل جاء لاسباب سياسية، بمعنى اوضح عدم اتفاق رضا ادراة ورئاسة تحرير الصحفية على التوجهات السياسية للصحفيين المفصولين.

بغض النظر عن مدى صدقية هذا الرأي فان رسم السياسة التحريرية لوسيلة الاعلام هو حق مالكي المؤسسة، سواء كانت مستقلة ام عامة ام خاصة، هو كحق شركة الاسمنت في انتاج مادة الاسمنت لا انتاج مادة البلاستيك. وهنا نسجل لصحيفة "الغد" التطورات التي طرات على سياستها التحريرية منذ اشهر باعتماد الخبر المحلي والتركيز عليه وعلى كل ما من شانها خدمة الجمهور المتلقي والابتعاد عن اللجوء للاخبار العربية والدولية سهلة المنال، ما اعطى الجريدة جمهورها والواسع وجعلها تنافس صحفا لها في السوق عشرات السنين.

وفي هذا السياق، كان لدى البعض احتجاجات على تقليص هيئة تحرير القسم العربي والدولي لحساب قسم المحليات، ونعتقد ان هذا الاحتجاج في غير محله فقد أثبتت الغد نفسها بوصفها صحيفة محلية بامتياز ما أعطاها مصداقية لدى القاريء الاردني وانتشلها من براثن السقوط في الخبر السهل والخط التحريري المؤدلج الذي كاد يطغى على ادائها السابق.

في كل الاحوال، فان اعتصام صحفيو الغد كان كرب ضارة نافعة فهو ربما اعطى الصحفيين فرصة لتحسين ظروفهم، وفرصة للتفكير في اختراق السقف، والاهتمام بتغطية حاجات الفئات المهمشة وتحركاتهم خاصة وان الصحافة قصرت كثيرا في تغطية اخبار الاعتصامات الكثيرة التي تشهدها الاردن، وان هي فعلت،في بعض المرات، لم تكن تغطيتها موضوعية.

أضف تعليقك